قهوتنا على الانترنت
صفحة 9 من 10 الأولىالأولى ... 5678910 الأخيرةالأخيرة
النتائج 81 إلى 90 من 95
  1. #81

    افتراضي

    اسم الله : المؤمن(1)

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

    من أسماء الله الحسنى ( المؤمن ) :

    أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم هو (المؤمن) .

    1 – ورودُ اسم ( المؤمن ) في القرآن الكريم :

    وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في موضع واحد في الآية الكريمة :

    ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ﴾
    ( سورة الحشر الآية : 23 )

    2 – معنى ( المؤمن ) :

    كلمة مؤمن اشتقاقاً هي اسم فاعل مِن آمَن ، يؤمن ، فهو مؤمن ، أما الثلاثي : أمِن يأمن ، آمن .
    ماذا تعني بالضبط كلمة مؤمن ؟ تعني كلمة مؤمن المصدق ، آمن أي صدّق ، وتعني كلمة مؤمن الذي ينفذ الأمر بحذافيره ، صدق الآمر فأتمر ، صدق الآمر في أمره فأتمر ، هذا من أوجَه معاني كلمة مؤمن ، والدليل قوله تعالى :

    ﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾
    ( سورة يوسف )
    أي ما أنت بمصدق ﴿ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ .
    فالمؤمن هو المصدق ، والمؤمن المنفّذ ، والدليل الحديث الشريف في البخاري :
    (( أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ )) .
    [ متفق عليه عن ابن عباس ]
    أيها الإخوة ، المعاني كثيرة ، لكن أوجَه معنى لكلمة مؤمن أنه صدق وأطاع ، صدق عقيدة ، وأطاع عملاً ، المنطلق النظري صدق أن هذا حق ، والتطبيق العملي نفذ هذا الأمر .

    من لوازم السماع التطبيق :

    لكن في القرآن الكريم ملمح دقيق في قوله تعالى :

    ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾
    ( سورة الأنفال )
    فمن لوازم السماع عند الله التطبيق :
    ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾
    شاهد آخر :

    ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾
    ( سورة التحريم الآية : 4 )
    علامة صحة السماع الحركة ، التطبيق :
    ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾
    ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾

    قانون هام : إدراك ـ انفعال ـ سلوك :

    للتوضيح : لو أنك قلت لواحد من الناس : على كتفك عقرب ، فبقي هادئاً ، والتفت نحوك ، وابتسم ، وقال لك : أشكرك على هذه الملاحظة ، وأسأل الله أن يمكنني أن أكافئك عليها ، هل سمع ما قلت له ؟ ما سمع إطلاقاً ، لو سمع ما قلت له لقفز ، وصرخ ، وخلع معطفه .
    فلذلك بعض العلماء يرى أن علاقتك بالمحيط وفق هذا القانون ، إدراك ، انفعال سلوك ، فإن سمعت كلاماً ، ولم تدرك فحواه ثم لا تنفعل ، وإن لم تنفعل لا تتحرك ، هناك قانون دقيق جداً .
    أوضح مثل لهذا : كنت تمشي في بستان فرأيت ثعباناً ، علامة صحة إدراكك انفعالك الشديد ، والخوف ، والصراخ ، علامة صحة إدراكك انفعالك ، وعلامة صحة انفعالك إما أن تقتله ، وإما أن تهرب منه ، فانفعال بلا حركة انفعال كاذب ، وإدراك بلا انفعال إدراك كاذب ، تدرك فتنفعل فتتحرك .
    إذا أدرك أحدنا حقيقة يوم القيامة ، وأن كل عمل تعمله سوف تحاسب عليه لا يمكن إلا أن تطيع الله ، لكن فينا ضعف في الإدراك ، يلزمه ضعف انفعال ، يلزمه ضعف تطبيق :
    ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾
    ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾

    التكذيب العملي أخطر من التكذيب بالقول :

    أيها الإخوة ، مثل آخر : زرت طبيباً ، وعالجك ، كتب لك وصفة ، لك أن تقول له : شكراً لك على هذا الاهتمام ، وأنا معجب بعلمك ، وأرجو الله أن يمكنني أن أكافئك على هذا الاهتمام ، دقق ، لمجرد أنك لم تشترِ الدواء ، فأنت كذّبت علمه عملياً ، المجاملات ما لها قيمة ، إن لم تشترِ الدواء ، وإن لم تستعمل الدواء وفق تعليماته الدقيقة فأنت مشكك في علمه .
    أخطر شيء في حياة المسلمين التكذيب العملي ، ولا تجد في العالم الإسلامي مسلماً واحداً يقول لك : ليس هناك آخرة ، لكن هناك التكذيب العملي ، تلاحظ كسب الإنسان ، كسب ماله ، إنفاق ماله ، بيته ، عمله ، علاقاته ، حله ، ترحاله ، سفره ، أفراحه ، أتراحه ، لا يلتزم بها بمنهج الله ، ولأنه لا يلتزم فهو مكذب عملياً بالآخرة .
    الإيمان بالآخرة إن صح ينبغي أن تنعكس مقاييسك 180 درجة ، إن لم تنعكس مقاييسك 180 درجة فالإيمان بالآخرة غير صحيح ، إيمان شكلي ، إيمان تصديقي ، تصديق بغير تحقيق .
    أيها الإخوة ، أخطر شيء في حياة المسلمين التكذيب العملي ، على اللسان لن تقال كلمة خلاف القرآن ، الآخرة حق ، الجنة حق ، النار حق ، لكن الكسب حرام ! والبضاعة محرمة ! والعلاقة ربوية ! والاختلاط محرم ! فكيف يستسيغ الإنسان أن يرتكب كل هذه المعاصي وهو يقول : هناك حساب ، وهناك جنة ، وهناك نار .
    أخطر شيء في حياة المسلمين لا أن يكذبوا بألسنتهم اليوم الآخر ، بل أن يكذبوا بأفعالهم .
    أيها الإخوة ، ما إن تستقر حقيقة الإيمان في نفس المؤمن إلا وتعبر عن ذاتها بحركة ، المؤمن حركي ، الإيمان السكوني غير صحيح ، مؤمن لا يقدم ، ولا يؤخر ، ولا يفعل ولا يلتزم ، ولا يَصِل ، ما لم تصل لله ، وتقطع لله ، وترضى لله ، وتغضب لله ، وتعطي لله ، وتمنع لله ، ما لم يجدك الله في مكان أمرك أن تكون فيه ، ما لم يفتقدك في مكان نهاك الله عنه ، ما لم تتحرك ، ما لم تعطِ ، ما لم تلتزم ، ما لم تطبق ، ما لم تجعل من حركتك وفق منهج الله ، فالإيمان غير صحيح ، وهذا يسمى التكذيب العملي .
    لذلك كلمة مؤمن تعني مؤمنًا صادقًا ما جاء به القرآن الكريم ، وطبق أوامر القرآن الكريم ، وصدق ما جاء به النبي الكريم ، وطبق سنة النبي الكريم ، الإيمان تصديق وتطبيق ، الإيمان اعتقاد وسلوك ، الإيمان ما أقره اللسان ، وصدقه العمل ، وآمن به القلب هذا عن كلمة معنى مؤمن ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن تتحقق فينا معاني كلمة مؤمن ، لأن الإيمان مرتبة عالية جداً .

    الإيمان مرتبة عالية :

    كيف أن الإنسان إذا قيل : له دكتور ؟ حقيقة معه ابتدائية ، وإعدادية ، وثانوية ، وليسانس ، ودبلوم عام ، ودبلوم خاص ، ماجستير ، دكتوراه ، حرف الدال قبل اسمه يعني كل هذا .
    كلمة مؤمن أعلى مرتبة يبلغها مؤمن ، يعني آمن بما جاء به وحي السماء ، وطبق ما جاء به وحي السماء ، أما الإيمان بلا تطبيق فهو تكذيب عملي ، لكن ليس تكذيباً لفظياً ، بل هو تكذيب عملي ، هذا عن معنى كلمة مؤمن .

    3 – كيف نفهم اسم ( المؤمن ) ؟

    ولكن كيف نفهم أن الله هو ( المؤمن ) ، كيف نفهم أن ( المؤمن ) اسم من أسماء الله الحسنى ؟

    لا يُظلَم عند الله أحد :

    من معاني كلمة مؤمن حينما تنسب لله عز وجل ، وحينما تكون اسماً من أسماء الله الحسنى أنه أمن الناس أن لا يظلم أحد من خلقه ، والإنسان لا يطمئن إلا إذا وحّد ، وحينما ترى أن الأمر بيد الله وحده ، وأنه :
    ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
    ( سورة هود الآية : 123 )
    وأنه :

    ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
    ( سورة الزخرف الآية : 84 )
    وأنه :

    ﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
    ( سورة الكهف )
    وأنه :
    (( ما شاءَ اللهُ كانَ ، وما لم يشأْ لم يكن )) .
    [ أخرجه أبو داود عن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم ]

    ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾
    ( سورة فاطر الآية : 2 )
    ما لم تر أن يد الله تعمل وحدها ، ما لم تر أن الله بيده كل شيء ، ما لم تر أن الله هو الفعال ، هو المعطي وحده ، هو المانع ، هو الرافع ، هو الخافض ، هو المعز ، هو المذل ، ما لم توحد فلن تستطيع أن تطمئن إلى وعود الله ، ولن تخاف من إنذاراته .
    لذلك ( المؤمن ) أمن الناس ألا يُظلم أحد في خلقه من ملكه ، الدليل ، دقق :

    ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾
    ( سورة النساء الآية : 40 )
    آية ثانية :

    ﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
    ( سورة النساء )
    في نواة التمرة خيط بين فلقتي النواة ، هذا الخيط هو الفتيل ما قيمته ؟ ما قيمة مليون من هذا الخيط ، بلا سبب
    ﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾

    ﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾
    ( سورة النساء )
    النواة لها رأس مؤنف كرأس الدبوس ، هذا الرأس ما حجمه ؟
    ﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾
    ﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
    ﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾

    ﴿ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ﴾
    ( سورة فاطر )
    القطمير غشاء يغلف النواة .

    ﴿ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾
    ( سورة غافر الآية : 17 )

    ﴿ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾
    ( سورة الأنبياء الآية : 47 )
    عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ :
    (( يَا عِبَادِي ، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي ، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي ، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ )) .
    [أخرجه مسلم والترمذي ]
    لا تتهم الأقدار ، لا تقل : لا حظ لي ، لا تقل : أضربها يمينا فتأتي شمالا ، لا تقال : قلَب لي الدهرُ ظهر المجن ، لا تقل : القدر يسخر مني ، هذا كله كلام شيطاني :
    (( فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ )) .
    أيها الإخوة ، الله عز وجل صفاته مطلقة ، معنى مطلقة أن عصفورًا في ملك الله من آدم إلى يوم القيامة يُظلم فهذا الظلم يتناقض مع اسم العدل ، الله عز وجل مطلق ، والإنسان نسبي ، فالقاضي قد يحكم ألف حكم ، عشرة أحكام منها غير صحيحة ، يسمى عادلا عند الناس ، الخطأ محتمل عند الإنسان ، أما عند الله غير محتمل :
    ﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
    ولا من :
    ﴿ قِطْمِيرٍ ﴾
    ولا :
    ﴿ نَقِيراً ﴾
    ولا :
    ﴿ ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾
    ولا :
    ﴿ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ﴾

    ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾
    ( سورة العنكبوت الآية : 40 ) .

    نفي شأن الظلم عن الله :

    هذه آية دقيقة جداً ، هذه الصيغة أيها الإخوة ، تنفي أكثر من عشرة أفعال سماها علماء اللغة نفي الشأن ، لو سألت إنسانا ـ لا سمح الله ـ : هل أنت سارق ؟ إن كان من عِلية القوم ، وقال لك : لا ، فالإجابة غير صحيحة ، يقول لك : ما كان لي أن أسرق ، أي مستحيل أن أفكر ، أو أن أدعم ، أو أن أرضى ، أو أن أفعل ، وقد عدَّ علماء اللغة عشرة أفعال تنفى بهذه الصيغة ، الله عز وجل قال :
    ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾
    مستحيل !
    أيها الإخوة ، الله عز وجل صفاته مطلقة ، لا تحتمل أي خطأ ، لكن قد يقول قائل : وهذه الحروب ؟ وهذه الاجتياحات ؟ وهذا الفقر ؟ وهذه المجاعات ؟ وهذا الزلزال ؟ وهذا الفيضان ؟ وهذا البركان ؟ كيف نفسر ذلك ؟ الجواب : لا يمكن أن تستطيع إثبات عدل الله بعقلك ، إلا في حالة مستحيلة ، أن يكون لك علم كعلم الله ، ولكن تستطيع أن تؤمن أشد الإيمان بعدل الله المطلق حينما تصدق ما جاء به القرآن :
    ﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾
    ولا :
    ﴿ فَتِيلاً ﴾
    ولا من :
    ﴿ قِطْمِيرٍ ﴾
    ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾
    ولا :
    ﴿ ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾
    ﴿ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ﴾
    هذا خبر عن الله ، فإن شككت في هذه الآيات فأعد إيمانك بالقرآن ، قف وراجع حساباتك ، لن تستطيع أن تؤمن بعدل الله بعقلك وحده ، لأن عقلك محدود المهمة ، أما إذا كان عندك علم الله عز وجل لأن هذا مستحيل يمكن .
    أيها الإخوة ، الله عز وجل غني عن تعذيبنا ، وغني عن ظلمنا .

    ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾ .
    ( سورة النساء الآية : 147 ) .
    لكن إن صدقت خبر الله أنه لا يظلم هذا هو الإيمان ، يعني مثلاً : قال تعالى :


    ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾ .
    ( سورة الفيل ) .
    بربكم هل شاهدتم هذه الحادثة ؟ من شاهدها ؟ ماذا قال علماء التفسير ؟ قال : ينبغي أن تأخذ إخبار الله وكأنك رأيته بعينك ، الحد الأدنى بالإيمان أن تأخذ خبر الله وكأنك رأيته بعينك ، وأن تأخذ وعيد الله وكأنه وقع .

    ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ .
    ( سورة المحل الآية : 1 )
    معناها ما أتى ، ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ .

    ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ﴾
    ( سورة المائدة الآية : 11 )
    قال : فعل ماضٍ ، لم يقل : بعد ، فيجب أن تأخذ إخبار الله وكأنه وقع ، ويجب أن تأخذ أيضاً إخبار الله وكأنك تراه بعينك ، فالمؤمن الذي آمن أن هذا القرآن كلام الله ، وعشرات الآيات تنفي أدق أنواع الظلم :
    ﴿ فَتِيلاً ﴾
    و :
    ﴿ نَقِيراً ﴾
    و :
    ﴿ قِطْمِيرٍ ﴾
    و :
    ﴿ ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾
    و :
    ﴿ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ﴾
    هذا هو الإيمان بالقرآن ، أما أن تملك علماً كعلم الله فهذا مستحيل !
    شيء آخر ، هذه الدنيا أمام الآخرة لا شيء ، تصور الرقم واحد في دمشق وأصفار لا أقول : إلى حلب ، بل إلى الشمس ، واحد أمام 156 مليون كيلومتر أصفار ، لا كل ميليمتر صفر ، وواحد في دمشق ، وأصفار إلى الشمس ، وكل ميلي صفر ، كم هذا الرقم ؟ أول ثلاثة أصفار ألف ، 3 أخر مليون ، 3 أخر ألف مليون ، 3 رابعة مليون مَليون ، الآن كل ميلي صفر لـ156 مليون كم للشمس ، هذا الرقم ضعه صورة ، ومخرجه لا نهاية ، قيمته صفر ، فالدنيا لو عشت 130 عاما ، ملكت مئة مليار دولار ، مليار مِليار ِ، مليون مليار مِليار ، وعندك في كل مدينة قصر ، مهما فعلت فالدنيا أمام الآخر صفر ، فإذا وعد الله عز وجل المظلوم بالجنة ، فيلزم منه عدم الظلم :
    ﴿ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾
    البطولة أن تربح الآخرة البطولة أن تضحك آخراً ، لا أن تضحك أولاً ، الموت ينهي كل شيء ، لا يليق بعطاء الله العظيم أن يكون في الدنيا فقط ، الموت ينهي قوة القوي ، ينهي ضعف الضعيف ، ينهي غنى الغني ، ينهي فقر الفقير ، ينهي وسامة الوسيم ، ينهي دمامة الدميم ، ينهي صحة الصحيح ، ينهي مرض المريض ، ينهي كل شيء ، لا يليق بعطائه أن يكون بالدنيا فقط ، فإذا ادخر واحد الله عز وجل للعبد عطاء في الآخرة فحينما يرى عطاء الله بعد الموت يذوب محبة لله .

    ليس هناك ظلم مطلق في الكون :

    أيها الإخوة ، لا يمكن لا أن تثبِت عدل الله بعقلك ، إلا أن تصدق خبر الله في القرآن ، وهذا شيء مستحيل ؛ أن يكون لك علم كعلم الله ، وفي النهاية الشر المطلق لا وجود له في الكون ، لكن هناك شر نسبي موظف للخير المطلق ، والظلم المطلق لا وجود له في الكون ، لكن هناك ظلم ظاهري ، يندرج تحت بند التربية ، الدليل :

    ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
    ( سورة الأنعام )
    من أعان ظالماً سلطه الله عليه ، من أعان ظالماً كان أول ضحاياه ، في ظلم ظاهري ، أما حقيقي ما في ، ولو دققت كما أقول لك : في ظلم ظاهري صارخ ، لكن هذا الظلم موظف لتربية النفوس .

  2. #82

    افتراضي

    4– ( المؤمن ) هو مَن يجير المظلوم :

    أيها الإخوة الكرام ، المؤمن هو الذي يجير المظلوم من الظالم ، وتروَى في هذا قصة رمزية : أن ملِكًا في القديم توعد شيخ النجارين بوعيد لا يحتمل ، طلب منه مئة كيس نشارة خلال ساعات ، يعمل سنتين لا يخرج معه كيس نشارة ، وشيخ النجارين مثل نقيب الآن ، أيقن هذا الشيخ أنه مقتول لا محالة ، فودع أولاده ، ودع زوجته ، كتب وصيته ، أنهى كل شيء ، بعد الفجر جاء أتباع الملك ليأخذوه إن لم يؤدِ هذا العدد ، فقيل له : مات الملك تعال فاصنع لنا تابوتاً .
    أحياناً يجير الله المظلوم من الظالم ، هذا معنى اسم ( مؤمن ) ، الدليل :

    ﴿ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ﴾
    ( سورة المؤمنون الآية : 88 )
    من الذي يجير ؟ هذا الذي هدم 70 ألف بيت في غزة ، هذه السنة الثالثة ما مات ، والله يمد بعمره ، الله عز وجل إذا أخذَ كان أخذُه عزيز مقتدر ، وإذا أخذ الظالم لم يفلته .

    ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾
    ( سورة هود )

    الخاتمة :

    أيها الإخوة الكرام ، اسم ( المؤمن ) اسم دقيق جداً ، لكنه يتصل أشد الاتصال بالحياة الدنيا ، هو ( المؤمن ) الذي يؤمنك ، علاقتك معي يا عبدي :
    ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
    لو أنه أسلمك إلى غيره كيف يأمرك أن تعبده ؟ مستحيل ! قال لك :
    ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
    حياتك بيده ، والرزق بيده ، والأقوياء بيده ، والضعفاء بيده ، ومن فوقك بيده ، ومن تحتك بيده ، وزوجتك بيده ، وأولادك بيده ، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقَد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء .
    نحن في أمسّ الحاجة إلى هذا الاسم ، الناصر الذي يجيرنا من الظالم ، نحن في أمسَ الحاجة إلى أن نطمئن إلى وعد الله ، الله عز وجل أنشأ لنا حقاً عليه إن عبدناه كانت المكافأة ألاّ يعذبنا .
    ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
    ( سورة الأنفال )
    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

  3. #83

    افتراضي

    اسم الله : المؤمن (2)

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى صاحبته الغر الميامين .

    معاني اسم ( المؤمن ) :

    المعنى الأول :

    أيها الإخوة الكرام ، لا زلنا في اسم ( المؤمن ) ، وفي اللقاء السابق بينت بفضل الله عز وجل أحد معاني هذا الاسم .

    المعنى الثاني :

    وأن ( المؤمن ) الذي يؤمن عباده من أن يُظلموا ، وأن ( المؤمن ) هو الذي يجير المظلومين من ظلم الظالم .

    المعنى الثالث :

    واليوم نتحدث عن معنًى ثالث ، المعنى الثالث كما قلنا في لقاء سابق : الإيمان هو التصديق ، وأن اسم الله ( المؤمن ) يعني أن الله يصدق وعده ؛ أي يحقِّقه .

    ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾
    ( سورة النساء )

    ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾
    ( سورة التوبة الآية : 111 )


    ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ﴾
    ( سورة الزمر الآية : 74 )

    وقوع وعود الله للمؤمنين الدنيوية والأخروية من لازم اسم ( المؤمن ) :

    كلمة مؤمن من معانيها التصديق ، أي أن الله يصدق وعده ، فإذا وعد المؤمنين بحياة طيبة فلا بد من أن يعيشوا هذه الحياة الطيبة :


    ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
    ( سورة النحل الآية : 92 )
    فإذا عاش المؤمن حياة طيبة معنى ذلك أن الله مؤمن ، وقد صدق وعده ، قال الله عز وجل :

    ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
    ( سورة طه )

    ﴿ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
    ( سورة البقرة )
    فالمؤمن حينما لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، ولا يخشى مما هو آت ، ولا يندم على ما فات ، هذا الذي حصل له بفضل اسم ( المؤمن ) ، لأن الله صدّق وعده ، والله عز وجل قال :

    ﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾
    ( سورة إبراهيم )
    إذا وعد المؤمنين بالنصر لزوال الكون أهون على الله من ألاّ يحقق وعوده للمؤمنين .

    ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾
    ( سورة النور الآية : 55 )
    وعدهم بالاستخلاف ، وعدهم بالتمكين ، وعدهم بالاطمئنان ، وزوال الكون أهون على الله من ألاّ يحقق وعوده للمؤمنين .

    ﴿ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ ﴾
    ( سورة التحريم الآية : 8 )
    وعد نبيه ومن آمن معه بالجنة ، فإذا دخل المؤمنون الجنة يقولون :
    ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ﴾
    كما في الدنيا ، وفعلنا في الدنيا أسباب دخول الجنة :
    ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ﴾
    أيها الإخوة ، في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الصحابة الكرام كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
    (( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ )) .
    [ متفق عليه ]
    أحياناً المؤمن في الدنيا يصف لإنسان ما ينتظره لو تاب إلى الله ، بعد حين يقول له : والله صدقت ، والله أنا في جنة ، والله كانت هموم كالجبال تجثم على صدري ، فلما تبت إلى الله أزيحت عني .
    القضية قضية التصديق ، يوم الأحزاب قال عليه الصلاة والسلام :
    (( صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ )) .
    [ متفق عليه عن ابن عمر ]

    تخلُّفُ تحقُّقِ بعضِ وعود الله سببُه عدمُ دفعِ ثمنِها :

    إذا تراءى لنا أن بعض الوعود لم تحقق لنا فلنعلم علم اليقين أننا السبب ، لأننا ما قدمنا ثمن وعود الله عز وجل ، وعود الله عز وجل لها ثمن ، لكن كما قلت قبل قليل : زوال الدنيا ، بل زوال الكون أهون على الله مِن ألاّ يحقق وعوده للمؤمنين .
    أيها الإخوة الكرام ، مرة عقب أحد الدروس التقيت مع إنسان شاب ، قال لي : أنا مهندس خُيوط درست في رومانيا ، وأنا موظف في معمل كبير في دمشق ، لكنني أُصاب بالصرع ، إما في مركبتي ، وهذا خطر كبير ، أو في السيارة العامة ، أو في الطريق ، أو في مكتبي ، أو في البيت ، وفي اليوم ، أو في الأسبوع عدة مرات ، من ثلاث مرات إلى خمس مرات ، قال لي : أنا أكاد أسحق ، لماذا أنا كذلك ؟ طبعاً استقر في ذهني أن الصرع أذية في الدماغ ، ومرض عضال ، لكنه أراد جواباً غير هذا الجواب ، لماذا أنا كذلك ؟ لماذا يفعل الله بنا هذا ؟ فالتقيت به في البيت ، وشرحت له ، لكنني قلت له : الله عز وجل يقول :
    ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
    ( سورة النساء الآية : 147 )
    فأصغى إلي إصغاء يفوق حد الخيال ، قال : ما معنى هذا الكلام ؟ قلت : مستحيل وألف ألف مستحيل أن يسوق الله لعبد شيئاً يزعجه ، أو يؤلمه ، ما دام مستقيماً على أمره ، والدليل هذه الآية :
    ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
    لذلك بعد هذا الكلام اهتم اهتماماً كبيراً ، وأخرج من جيبه ورقة ، وبدأ يكتب ، قال لي : ماذا تأمرني أن أفعل ؟ ذكرت له أداء الصلوات بأوقاتها ، غض البصر ، ضبط اللسان ، ضبط العين ، ضبط الأذن ، ذكرت له فيما أذكر قريبا من أربعين بندا ، كتبها كلها ، من شدة ألمه من هذا المرض ، هذا المرض كاد يحطمه ، والله بعد أن خرج شعرت أنني تورطت ، كيف تورطت ؟ لعلها أذية لا تُشفى ، أنا وعدته أنه إذا استقام على أمر الله تزول هذه الأذية ، وكان لي درس يوم الجمعة ، وفي أول جمعة له يأتي ويقول لي : الحمد لله ، هذا أول أسبوع في حياتي لم أُصَب بأية نوبة ، والله كأنني ملكت الدنيا ، قلت : يا رب إن شاء تسلم منه ، جاء الأسبوع الثاني وقال لي : أيضاً هذا الأسبوع لم أصب بأية نوبة ، أذكر أنه جاء في أسبوع رابع ، وأنا لا أصدق ذلك من الفرح ؛ أن الذي ذكرته له مؤيد بكلام الله ، الله عز وجل صدق هذا الكلام ، وأبعد عنه هذه النوبات ، في الأسبوع السادس لم يأتِ إلى الدرس ، قلت : لعله جاءته نوبة ، والله قلقت أشد القلق ، لكن في الأسبوع السابع جاء ، قال لي بالضبط : لا تقلق على مبدئك ، أنا أخطأت مع الله ، في هذا الأسبوع أخطأت ، فجائي نوبة في الطريق .
    معنى ( المؤمن ) أن تأتي وعوده محققة ، وتأتي أفعاله مصدقة لوعوده ، فإذا وعدك الله بحياة طيبة ، وعدك برزق وفير ، وعدك بحياة آمنة ، وعدك بالسكينة ، وعدك بالحكمة ، هذه الوعود لزوال الكون أهون على الله من ألاّ تحقق هذه الوعود ، لكن إن لم تُحقَّق فنحن السبب ، يجب أن نتهم أنفسنا ، الله غني عن تعذيبنا ، والآية واضحة :



    ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾


    ﴿ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
    ( سورة النساء الآية : 147 )
    أيها الإخوة ، هذا معنًى من معاني اسم ( المؤمن ) .

    المعنى الرابع :

    عندنا معنى آخر : من الأمن ، أي أن الله عز وجل يهبك الأمن ، كيف ؟ هذا بحث طويل :

    تثبيتُ الله لقوانين الكون يعطي الأمن والاطمئنان :

    يكفي أن خصائص المواد ثابتة لتعطينا الأمن ، أنت ساكن في بيت في الطابق العاشر ، والبناء من الإسمنت والحديد ، لو أن الحديد غيّر صفاته لانهار البناء ، ما الذي يهبك الأمن ؟ لأن الحديد خصائصه ثابتة ، لأن الإسمنت السنتمتر المكعب يتحمل من قوى الضغط 550 كغ ، أما على قوى الشد فلا يتحمل خمسة كغ ، فلا بد من إسمنت مسلح بالحديد ، لو أن الحديد يبدل خصائصه لانهار البناء .
    تشتري سبيكة ذهب فتدخرها لأيام العوز ، لو أن الذهب يبدل خصائصه لفقدتَ 500 ألف ليرة ، أو مليون ، وهو ثمن السبيكة تقريباً .
    ثبات الخصائص شيء رائع جداً ، ثبات قوانين الكون يعطي الاطمئنان ، فهناك شروق يومياً ، والشمس ثابتة ، وكذا دورة الأفلاك ، والقمر ، والشمس ، والليل ، والنهار ، خصائص المواد ، كلها ثابتة ، خصائص البذور ، تزرع مادة فتنتج مادة أخرى ! هذا مستحيل ! لثبات القوانين ، قوانين التمدد ، قوانين السقوط ، قوانين الانحلال الفيزيائي ، كل القوانين ثابتة ، لماذا هي قوانين ؟ لأنها مطَّردة وشاملة ، ثبات حركة الأرض والأفلاك ، ومن الممكن أن تقول : في عام 2080 الشمس تشرق في 17 من آذار الساعة 5 و3 دقائق ، ما هذه الدقة ؟ ما هذا الثبات في حركة الأرض والشمس ؟ .
    الأرض تسير حول الشمس بمسار إهليلجي ، ما الذي يبقيها على مسارها ؟ المسار إهليلجي ، هناك قطر أكبر ، وقطر أصغر ، من معلوماتكم البديهية أن قانون الجاذبية كلما قلَّت المسافة ازداد الجذب ، فإذا وصلت الأرض إلى القطر الأصغر قلَّت المسافة ، إذاً هناك احتمال أن تنجذب الأرض إلى الشمس ، وإذا انجذبت إلى الشمس تبخرت في ثانية واحدة ، وانتهت حياتنا ، ما الذي يبقي الأرض على مسارها ؟ أن الله يرفع سرعتها ، في هذا المكان ترفع السرعة ، فينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فتبقى على مسارها .
    ﴿ إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
    ( سورة فاطر الآية : 41 )
    الآن الأرض تابعت سيرها ، ووصلت إلى القطر الأطول ، ما دام السرعة زادت ، وقوة النبذ زادت ، والمسافة طالت إذاً تضعف الجاذبية ، وهناك احتمال أن تتابع الأرض سيرها ، وتتفلت من جاذبية الشمس ، فإن تابعت سيرها وتفلتت من جاذبية الشمس دخلنا في الصفر المطلق ، 270 درجة تحت الصفر ، ولانتهت الحياة ، فتنتهي الحياة إذا انجذبت إلى الشمس ، وتنتهي الحياة إذا تفلتت من جاذبية الشمس ، ما الذي يحصل هنا ؟ يخفض الله سرعة الأرض ، فإذا انخفضت هذه السرعة نشأ من انخفاض السرعة قوة ناذبة أقلّ تكافئ القوة الجاذبة الأقلّ فتبقى على مسارها :
    ﴿ إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
    بعض العلماء قال : "لو أنها تفلتت ، وأردنا أن نعيدها إلى الأرض ماذا نحتاج ؟ قال : نحتاج إلى مليون مَليون حبل فولاذي ، قطر كل حبل خمسة أمتار ، والحبل الفولاذي الذي قطره خمسة أمتار يحتمل من قوى الشد مليوني طن ، والأرض مرتبطة بالشمس بمليون ضرب مليونين من الأطنان ، من أجل أن تنحرف الأرض في سيرها حول الشمس 3 ميليمترات كل ثانية ، هذا الانحراف يشكل مسارا مغلقا " ، لذلك :
    ﴿ إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
    أما لو زرعنا هذه الحبال على سطح الأرض حتى نعيدها إلى حظيرة الشمس المفاجأة أن بين كل حبلين مسافة حبل واحد ، نحن أمام غابة من الحبال ، فلا زراعة ، ولا بحار ، ولا سفن ، ولا طائرات ، ولا مواصلات ، ولا شيء إطلاقاً ، لذلك قال تعالى :
    ﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
    ( سورة الرعد الآية : 2 )
    رفعها بعمد لا ترونها ، قوى التجاذب أعمدة ، لكن لا نراها ، بل نمشي خلالها .
    لذلك أيها الإخوة ، الله عز وجل من أسمائه ( المؤمن ) ، أي وهَبَ الأمن ، أمنك بحركة الأفلاك ، أمنك بثبات خصائص المواد ، أمنك بالنظم الثابتة ، أمنك بثبات القوانين هذا كله يهب الأمن .
    هناك طبيب يدرس في أمريكا ، عيِّن بعقد عملٍ في الخليج ، يأتيه مريض من الهند ، يستخدم دواء صنع في الصين ، كيف هذا ؟ لولا أن بنية الإنسان التشريحية واحدة ، من آدم إلى يوم القيامة ، مكان الشريان بالميليمتر ، مكان العصب ، لو أن إنسانًا له بنية تشريحية خاصة لم يكن ثمة طب أساساً ، فما أسباب وجود علم الطب ؟ وجود بنية تشريحية ثابتة ، وخصائص فيزيولوجية ثابتة في الإنسان ، ولولا ثبات خصائص الإنسان ، ثبات البنية التشريحية ، ثبات الوظائف الفيزيولوجية ما كان الطب أساساً .

    ثبات حقائق القرآن على مدى العصور سببٌ للأمن العقدي :

    أحياناً عندك أمن عقدي ، هذا شيء دقيق .
    مرة في رئيس وزارة ببلد أوربي انتحر ، وهو مِن أعرقِ الأُسَر ، وما اتُّهِم لا بفضيحة أخلاقية ، ولا فضيحة مالية ، وانتحر ، أكثر من مئة صحفي بحثوا عن أسباب انتحاره ، ثم تبين لواحد منهم كان يؤمن بأنه لا إله ، أن الإله موجود ، فاحتقر نفسه كيف اعتقد عقيدة لسبعين عاماً لا أصل لها ، فانتحر .
    أنت كمؤمن مسلم أيّة آية في كتاب الله لا يمكن أن يظهر حدث في الأرض ينقض هذه الآية ، عندك أمن عقدي ، لأنه كلام الله ، العلم تطورَ تطورا مذهلاً ، في الخمسين عامًا الأخيرة التطور يساوي ما كان من تطور من آدم إلى قبل خمسين عاما ، الآن يسمون التطور حركة انفجارية ، كنا بسلسلة حسابية ، بسلسلة رياضية ، الآن بسلسلة انفجارية ، تطور مذهل ، ومع ذلك هل ظهر شيء في هذا التطور ينقض القرآن الكريم ؟ هل رأيت آية لم تقع ؟ هل رأيت حديثاً صحيحاً لم يقع ؟ فأنت في عندك ما يسمى بالأمن العقدي .
    أنت قرأت كتاب الله ، هو من عند خالق الأكوان ، وهذا الكتاب هو الذي أعطاك هذا الأمن ، ما في حياتك مفاجآت تزلزلك ، كل إنسان كان يعتقد مذهبًا ثم سقط هذا المذهب ، ينهار الإنسان معه ، مبدأ اعتنقته كل حياتك تكتشف أنه باطل ، لا أصل له ، هذه مشكلة كبيرة .
    المؤمنون والفضل لله الكبير معافون من هذا الاضطراب ، وليس في كتابهم ما يمكن أن يُنقَض ، بل إن كل الأحداث التي تأتي تؤكّد ما في كتابهم .
    الاتحاد السوفيتي قبل أن ينهار حرّم الخمر ، لماذا حرم الخمر ؟ لأنها تضر بالمجتمع ، الآن هناك اتجاه بأمريكا بفصل الطلاب عن الطالبات في الجامعات ، لا لأسباب دينية إطلاقاً ، بل لأسباب اجتماعية ، وأسباب علمية .
    الآن العالم يقترب من الدين لا عن عبادة ، ولكن عن مصلحة ، لذلك أيها الإخوة ، معنى أن الله ( المؤمن ) منحك أمناً عقدياً .
    عندنا شيء آخر ، أن الله ( المؤمن ) بذاته العلية ، ( المؤمن ) بصفاته المطلقة ، ( المؤمن ) بأفعاله الحكيمة ، لذلك يسوق الشدائد لعباده كي يحملها على التوبة والصلح معهم ، كي يسلموا ويسعدوا .
    أحيانا يقول لك إنسان : أنا حسب كلامك أبقى معك ، أنت تخاف ألاّ يكون عندك إمكانيات لتلبي له طموحاته ، فتقول له : لا ، ابحث عن عمل آخر ، لست مؤمنا بذاتك أنك تستطيع أن تحقق طموحات هذا الإنسان ، تقول : لا ، ابحث عن عمل آخر ، أنا عندي هذا الراتب وليس أكثر منه ، لكن إذا كانت أمواله فلكية ، ورآه أهلا لأن يكون معه ، قال له : كل طموحاتك عندي .
    معنى (المؤمن ) مؤمن بذاته العلية ، ( المؤمن ) بصفاته الكاملة المطلقة ، ( المؤمن ) بأفعاله الحكيمة .

    التطبيق العملي لاسم ( المؤمن ) :

    أيها الإخوة ، لكن الذي يعنينا من هذا الدرس التطبيق العملي .

    1 – مطابقة الأفعال للأقوال ، والسر بالعلن :

    أيها الإخوة ، إن أردت أن تتخلق بهذا الكمال فيجب أن تأتي أقوالك مصدقة لواقعك ، قال لك : اكذب ، الكذب يعطي الناس القلق منك ، لكن ينبغي أن تأتي أقولك مصدقة لواقعك ، وينبغي أن تأتي أفعالك مصدقة لأقوالك ، حينما لا يجد من حولك مسافة بين أقوالك وأفعالك ، وبين أقوالك وأفعالك يطمئنون إليك ، فلان لا يكذب ، شيء مهم جداً ، لمجرد أن يكذب الإنسان فقد أفقد مَن حوله الأمن ، يقولون عنه : غدّار ، له موقف معلن وموقف مبطن ، له ظاهر وله باطن ، له شيء يقوله ، وهو غير صادق به ، وشيء يخطط له ، أما حينما تستوي أقوالك مع أفعالك ، وتأتي أفعالك مصدقة لأقوالك فقد منحت مَن حولك الأمن ، وتخلقت بكمال الله .

    2 – أن تهَب الناس الأمن والاطمئنان :

    شيء آخر : يجب أن تهب الأمن لمن حولك ، أنت طبيب ، أو محامٍ ، أو مدرس ، أو مهندس ، أو مدير جامعة ، أو مدير مستشفى ، يجب أن تكون واضحاً جداً ، لأن وضوحك يهب الأمن لمن حولك ، أما مَن له ظاهر وباطن ، فهو غدار ، له أساليب ملتوية ،
    يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب
    ***
    أنت بهذا تقلق مَن حولك ، فإذا كنت مؤمناً ، وإذا كنت مؤمناً باسم ( المؤمن ) ، لاسم الذات العلية ( المؤمن ) يجب أن تهب مَن حولك الأمن بالوضوح وبقواعد ثابتة ، وبقواعد للتعامل معك .
    أحيانا يقول لك إنسان : هل أنت متأثر مني ؟ لا ، إن كنت متأثراً منك أقول لك مباشرة ، أنا لا أسلك أساليب ملتوية ، ما دامت ساكتاً فأنا راضٍ عنك ، منحته الأمن ن عندك موظف ، عندك ابن ، عندك زوجة ، تقول لها : أريد أن أطلقك ، أعطِها الأمن ، لكن هو لا يعطيها الأمن ، دائماً يجعلها في حالة قلق ، فإذا كنت مؤمناً ، وتخلقت بكمال الله يجب أن تمنح مَن حولك الأمن .
    لا تكِل بعدة مكاييل ، وما من عمل أحقر عند الله وعند الناس مِن أن تكيل بمكيالين ، اجعل المكيال واحداً ، لمجرد أن تتوهم أن لك ما ليس لزوجتك ، أو أن عليها ما ليس عليك ، فأنت عنصري ، و كِلت بمكيالين ، فتتحدث أنت عن أمها كما تشاء ، وإن تكلمت هي عن أمك كلمة تقيم عليها الدنيا ، هذا كيل بمكيالين ، لا تكل بمكيالين ، لا تحاسب قبل أن تبين ، لكن بيِّن ثم حاسب ، ولا محاسبة من دون تكليف ، إذا كان هناك شيء لم يعجب الرجلَ من زوجته أقام عليها الدنيا ، ما بيّن لها ، بيِّن لها ما تحب وما تكره ، بيّن لها أن هذا العمل لا يجوز ، لا أقبله منك .
    ومِن أكمل هذا الموقف أشعِرْ مَن حولك ، أو أشعر كل واحد حولك أنه أقرب الناس إليك ، وهذا من صفات النبي عليه الصلاة والسلام ، ما من صحابي إلا كان يشعر أنه أقرب الناس إلى النبي .
    أعطِ الأمن لمن حولك ، وشرُّ الخَلق مَن اتقاه الناس مخافة شره .
    أيها الإخوة الكرام ، هذا اسم عظيم ، اسم ( المؤمن ) ، مؤمن بذاته ، منحك الأمن ، منحك المصداقية ، حقق كل وعوده لك ، عليك أنت أيضاً أن تتخلق بهذا الكمال العظيم ، فتكون واضحاً ، وتضع قواعد ثابتة للتعامل معك دون أن تكيل بمكيالين .

    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

  4. #84

    افتراضي


    اسم الله : العزيز (1)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

    من أسماء الله الحسنى : ( العزيز) :

    أيها الأخوة الأكارم : مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم : "العزيز" .

    ورود اسم العزيز في :

    1 ـ كثير من آيات القرآن الكريم :

    أيها الأخوة ، هذا الاسم ورد في كثير من آيات القرآن الكريم ، لعله ورد قريباً من مئة آية ، من أبرز هذه الآيات :

    ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ﴾
    ( سورة الحشر الآية : 23 ) .

    2 ـ ورود اسم العزيز مقترناً بأسماء أخرى :

    ورد مقترناً بأسماء أخرى :

    ﴿ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ .
    ( سورة الحشر ) .

    ﴿ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ .
    ( سورة الأنعام ) .

    ﴿الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ .
    ( سورة إبراهيم ) .

    ﴿ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ .
    ( سورة الدخان ) .

    ﴿ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ﴾ .
    ( سورة ص ) .

    ﴿ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ﴾ .
    ( سورة ص ) .

    ﴿ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ .
    ( سورة هود ) .

    ﴿ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ .
    ( سورة الملك ) .

    ﴿ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ .
    ( سورة آل عمران ) .

    ﴿ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ .
    ( سورة القمر ) .

    3 ـ ورود اسم العزيز في السنة الشريفة :

    وفي صحيح الجامع الصغير من حديث عائشة رضي الله عنها أن من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :
    (( لا إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار )) .
    [ أخرجه النسائي في الكبرى والطبراني عن عائشة أم المؤمنين ] .

    من معاني اسم العزيز :

    1 ـ العزيز هو الغالب :

    معاني هذا الاسم "العزيز" هو الغالب .

    ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ .
    ( سورة الصافات ) .
    لمجرد أن تتحقق جنديتك لله عز وجل فأنت الغالب ، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون جندياً لله ولا تنتصر .

    ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ .
    ( سورة محمد الآية : 7 ) .
    ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ .

    بطولة الإنسان أن يكون مع الغالب دائماً :

    لذلك أيها الأخوة ، إن لم ننتصر فالخطأ منا ، الكرة في ملعبنا ، هناك خلل في جنديتنا لله عز وجل ، ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ ، الله عز وجل يقول في آيات كثيرة من هذه الآيات :
    ﴿ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ﴾ .
    ( سورة ص ) .
    أي غلبني ، "العزيز" هو الغالب ، فالبطولة أن تكون مع الغالب دائماً ، والخطأ المدمر أن تنحاز إلى المغلوب ، إذا كنت مع الغالب فأنت الغالب ، إذا كنت مع الله فأنت المنتصر ، إذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان عليك فمن معك .

    قوة المؤمن تنبع من تطبيقه لمنهج الله عز وجل :

    أيها الأخوة الكرام ، كلمة أقولها لكم : لا تقلقوا على هذا الدين إنه دين الله ، هو ينصره ، ولكن لنقلق على أنفسنا .
    أول معنى من معاني هذا الاسم أنه الغالب ، فالبطولة أن تكون مع القوي ، قوة المؤمن من توكله على الله ، قوة المؤمن من اعتماده على الله ، قوة المؤمن من تطبيقه لمنهج الله كثمن لنصر الله ، نصر الله له ثمن ، الأمور ليست بالتمنيات ، التمنيات بضائع الحمقى .

    ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ .
    ( سورة النساء الآية : 123 ) .
    دقق :
    ﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ﴾ .
    ( سورة النساء الآية : 123 ) .
    مهما دعوت الله ، الله عز وجل لا يستجيب دعاء المعتدي .

    ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ .
    ( سورة الأعراف ) .
    إذا في عدوان ، إذا في ظلم ، مهما رفعت صوتك بالدعاء ، لن يستجاب لك .
    تروي بعض القصص أن ملكاً قوياً التقى بعالم جليل قال له : ادعُ الله لي ، فقال له هذا العالم : لا تظلم ولست بحاجة إلى دعائي .
    ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ ، "العزيز" هو الغالب ، ﴿ وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ﴾ غلبني ، ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ .
    سبحانك إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت .

    2 ـ العزيز هو الشريف :

    المعنى الآخر : "العزيز" هو الشريف ، بكل مجتمع في فئة من الناس تسمى في اللغة علية القوم ، عزيز ، صادق ، كريم ، أصيل ، جواد ، صبور ، حليم ، هؤلاء النخبة من الناس هم أعزة القوم .
    لذلك ماذا قالت بلقيس ؟ :

    ﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾ .
    ( سورة النمل الآية : 83 ) .
    كلام من ؟ كلام بلقيس ، ماذا قال الله عز وجل :

    ﴿ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ .
    ( سورة النمل الآية : 83 ) .
    إذا إنسان لم يعرف ربه لكن تكلم كلمة صحيحة ، يجب أن تكون خطأ ؟ لا ، بلقيس قبل أن تعرف الله قالت : ﴿ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾ خالق السماوات والأرض قال : ﴿ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ .
    يعني الانفتاح يقتضي أن تصغي إلى كل قوم ، الإمام الشافعي يقول : أنا على حق ، وخصمي على باطل ، وقد أكون مخطئاً ، وخصمي على حق ، وقد يكون مصيباً ، تواضع حينما تحاور .
    "العزيز" هو الجليل والشريف .

    3 ـ العزيز هو القوي :

    شيء آخر : "العزيز" هو القوي .

    ﴿ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ﴾ .
    ( سورة يس الآية : 14 ) .
    أي قويناهم بثالث ، إذا قلت فلان عزيز يعني قوي ، والناس يحبون الأقوياء وطبع في الإنسان أن يحب القوي ، لكن من هو أقوى الأقوياء ؟ خالق السماوات والأرض ، من هو القوي إلى أبد الآبدين ؟ خالق السماوات والأرض ، إن أردت أن تكون قوياً كن مع القوي لا تكن مع الضعيف ، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، وإن أردت أن تكون أكرم الناس فاتقِ الله ، وإن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك .

    الله "العزيز" واحد أحد ، فرد صمد :

    الآن لو دخلنا في التفاصيل ، الشيء العزيز نادر الوجود ، هناك معادن عزيزة مثلاً اليورانيوم ، معدن نادر ، غالٍ جداً ، كل شيء نادر وجوده قليل يسمى عزيزاً ، العوام أحياناً يقول لك : مادة عزيزة ، قليلة ، لكن إذا قلنا الله عزيز لا مثيل له ، لا ندّ له ، لا نظير له ، واحد أحد فرد صمد :
    ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ .
    ( سورة الإخلاص ) .
    إذا قلت شيء عزيز أي قليل ، وجوده نادر ، أما إذا قلت الله عزيز يعني واحد أحد ، فرد صمد ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ .

    ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ .
    ( سورة الإخلاص ) .

    ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ .
    ( سورة الشورى الآية : 11 ) .
    وكل ما خطر في بالك فالله بخلاف ذلك .

    4 ـ العزيز من يحتاجه كل شيء في كل شيء :

    الآن الشيء العزيز تشتد الحاجة إليه إذا قلنا الله عزيز أي يحتاجه كل شيء في كل شيء ، الناس بحاجة إلى ملك يوفر لهم الأمن ، والحاجات ، والنظام ، ...إلخ ، لكن أحياناً يكون هناك راعٍ بأطراف المملكة ، يأكل ويشرب من هذا الذي أمامه ، من حليب الغنم ، ومن لحمها ، وليس بحاجة إلى الملك ، أي أحياناً يكون أقوى إنسان لسنا بحاجة إليه ، لكن إذا قلنا الله عزيز تحتاجه النملة السمراء ، على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء ، يحتاجه كل مخلوق لأنه إمدادك من الله ، لو مات الإنسان ووزناه لا ينقص ولا غرام واحد ، ما الذي فقده ؟ الإمداد ، كان يتكلم ، ويبتسم ، ويضحك ، ويمشي ، ويجلس ، ويأمر ، وينهى فإذا انقطع الإمداد عنه أصبح جثة هامدة .
    معنى "العزيز" أنه يحتاجه كل شيء في كل شيء ، إنك تبصر بالله ، بإمداد الله لعينك ، تسمع بالله ، الكبد في الكائن الحي له خمسة آلاف وظيفة ، فإذا مات الإنسان ، أو ذُبح الحيوان صار الكبد طعاماً نأكله ، يقول لك : سودة ، كان جهازاً خطيراً جداً يقوم بخمسة آلاف وظيفة ، فصار قطعة لحم تؤكل .

    كل إنسان بحاجة إلى الله عز وجل :

    لذلك أيها الأخوة ، إذا قلنا الشيء عزيز أي نادر الوجود ، إذا قلنا الله "العزيز" واحد أحد ، فرد صمد ، إذا قلنا الشيء العزيز الذي تشتد الحاجة إليه ، الماء عزيز يحتاجه كل إنسان ، الهواء عزيز ، لكن بعض الفواكه النادرة لا نحتاج إليها ، إذا شخص لم يأكل كرزاً لا يموت ، يبقى ، يعيش ، في آلاف الأطعمة لسنا بحاجة إليها حاجة أساسية .
    إذاً الشيء العزيز تشتد الحاجة إليه لكن الله "العزيز" يحتاجه كل شيء في كل شيء ، أنت بحاجة إلى الله ، بهذا الهواء الذي تتنفسه ، القلب ينبض لو توقف انتهت الحياة ، كل الأموال المنقولة والغير المنقولة تخسرها بثانية واحدة ، يعني الإنسان قوته ، وهيمنته ، و عظمته ، ومكانته ، وسيطرته ، وحجمه المالي الكبير ، وحجمه الإداري الكبير ، منوط بضربات قلبه ، فإذا توقف قلبه انتهى كل شيء ، صار خبراً على الجدران .
    يذهب إنسان أحياناً إلى بلاد الغرب راكب طائرة بالدرجة الأولى ، يرجع نعشاً ، يرجع بضاعة ، إذا شخص أراد أن يُرجع فقيداً له في بلاد بعيدة تصبح له معاملة خاصة يحتاج أوراق ، ويحتاج تخليص بضاعة ، ويحتاج إلى ضرائب ، نعش .
    فالإنسان يتوقف قلبه صار خبراً ، صار بضاعة ، يتجمد الدم بعروقه تنتهي حياته ، أي أنت حياتك منوطة بسيولة دمك فقط ، ولو تجمدت قطرة دم ، نقطة دم كرأس الدبوس في أحد شرايين الدماغ بمكان شلل ، بمكان عمى ، بمكان فقد ذاكرة ، كل عظمة الإنسان المتوهمة منوطة بسيولة دمه ، وبدقات قلبه ، وبقطر شريانه التاجي ، قطره ميلي وربع ، فإذا ضاق هذا الشريان دخل هذا الإنسان في متاعب لا تنتهي ، كل عظمة الإنسان ، وهيمنته ، وقوته ، وحجمه المالي ، والإداري ، ومكانته ، وثقافته ، وشهادته ، ومنصبه الرفيع منوط بنمو خلاياه ، فإذا نمت نمواً عشوائياً انتهى ، ورم خبيث .

    من قال الله تولاه الله برحمته و من قال أنا تخلى الله عنه :

    الذي يقول أنا أحمق ، قل الله ، إن قلت الله تولاك الله ، وإن قلت أنا تخلى الله عنك ، حينما توهم الصحابة الكرام وهم نخبة البشر ، وفيهم سيد البشر ، أنهم لم يغلبوا من قلة في حنين غلبوا .

    ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ .
    ( سورة التوبة ) .
    إذاً "العزيز" الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، "العزيز" يحتاجه كل شيء في كل شيء "العزيز" الشيء العزيز يصعب الوصول إليه ، يعني أنت ممكن تزور أي مكان ، أما قصر الملك يحتاج موافقات مسبقة ، ليس من السهل أن تدخل هذا القصر ، فالقصر شيء عزيز لأنه يصعب الوصول إليه ، أما إذا قلنا الله "العزيز" يستحيل أن تحيط به .

    ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ .
    ( سورة الإسراء ) .

    معرفة الله عز وجل ليست مطلقة لأنه لا يعرف الله إلا الله :

    ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾ .
    ( سورة البقرة الآية : 255 ) .
    لكن كاستثناء دقيق يمكن أن تصل إليه عبادة ، يمكن أن تعرفه معرفة محدودة يمكن أن تعبده ، يمكن أن تطيعه ، يمكن أن تتصل به أما أن تحيط به مستحيل ، لا يعرف الله إلا الله ، حتى سيد الأنبياء والمرسلين معرفته ليست مطلقة ، لا يعرف الله إلا الله ، فإذا قلنا الله "العزيز" واحد أحد ، فرد صمد ، وإذا قلنا الله "العزيز" يحتاجه كل شيء في كل شيء ، وإذا قلنا الله "العزيز" يستحيل أن تحيط به .

    بطولة المؤمن أنه يختار هدفاً لا نهائياً لا هدفاً محدوداً :

    لذلك الإنسان يكون شاباً حتى في المئة ، إذا اختار أن يعرف الله ، الله لا نهائي أما إذا اختار شيئاً دنيوياً ، ووصل إليه ، وأحاط به ، انتهت حياته ، حياته صارت مملة ، بطولة المؤمن أنه اختار هدفاً لا نهائياً ، في شباب دائم ، أقسم لكم بالله المؤمن شاب في التسعين ، طبعاً في ضعف بجسمه ، في ضعف في بصره ، لكن همته همة شباب ، لأن هدفه كبير ، وأنت لا تسعد إلا إذا اخترت هدفاً يتناسب مع بنيتك ، أنت مصمم لتعرف الله ، أنت مولف ، مصمم مبرمج ، مفطور ، من أجل أن تعرف الله .
    (( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء )) .
    [من مختصر تفسير ابن كثير]
    فإن اخترت هدفاً آخر غير الله محدود ، انظر إلى إنسان وصل إلى طموحاته الكبرى مالياً ، تجده في ملل ، يقول لك شيء مألوف ، ولحكمة بالغة بالغةٍ بالغة لن يشاء ربنا جلّ جلاله أن يجعل الدنيا تمدك بمتعة مستمرة ، متعة متناقصة ، أي شيء كنت بحاجة إليه أو تطمح إليه بعد أن تصل إليه يصبح شيئاً عادياً ، أوضح شيء الزواج ، الذي لم يتزوج يظن الزواج شيئاً غير معقول ، بعد الزواج شيء عادي جداً ، الله عز وجل أبى أن يجعل الدنيا تمد الإنسان بمتعة مستمرة بل متعة متناقصة ، وإذا فيها معصية متعة متناقصة مع كآبة .

    التفكر في الكون أحد طرق معرفة "العزيز" :

    أيها الأخوة ، الآن الشيء العزيز يقل وجوده ، وتشتد الحاجة إليه ، ويصعب الوصول إليه ، كلما كثر وجوده قلّت عزته ، وكلما قلّت الحاجة إليه قلّت عزته ، وكلما سهل الوصول إليه قلّت عزته .
    الآن : كلما قلّ وجود الشيء حتى صار واحداً ، وكلما اشتدت الحاجة إليه حتى احتاجه كل شيء في كل شيء ، وكلما صعب الوصول إليه حتى أصبح مستحيلاً إنه الله ، ﴿ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ .
    أيها الأخوة ، التفكر في الكون أحد طرق معرفة "العزيز" نحن لنصل إلى نجم ملتهب عدا الشمس ، نحتاج لأربع سنوات ضوئية ، كي أترجم لكم هذه المسافة بلغة الواقع :
    لو في مركبة أرضية (سيارة) لو في طريق إلى هذا النجم ، نحتاج إلى خمسين مليون عام قيادة ، كل تاريخ البشر عشرة آلاف سنة ، تاريخ البشرية كلهم ، خمسين مليون عام نقود مركبة كي نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض ، نجم القطب أربعة آلاف سنة ، المرأة المسلسلة مليونا سنة ضوئية ، نجم اكتشف حديثاً 24 مليار سنة ضوئية ، هذا جزء من الكون وحتى هذه الساعة لا يزال الكون لا نهائياً ، أحدث نجم اكتشف بعده عنا 24 مليار سنة ، يعني 24 ألف مليون سنة ضوئية ، الأربع سنوات ضوئية تحتاج إلى خمسين مليون عام قيادة مركبة متى نصل إلى 24 مليار ؟ إذا كان هذا خلق الله فكيف عظمة الله عز وجل ؟
    إذاً معنى الله "العزيز" يعني هنيئاً لمن عرفه ، والويل ثم الويل لمن غفل عنه .

    أصل الدين معرفة الله :

    إخوانا الكرام ، الذي يحدث أن في الإنسان شهوات ، لو أردنا أن نوضح هذه الفكرة لو أن شهواته أعطيناها وحدات وزن ، عشرة كيلو ، حضر درساً شَكَّل عشرة غرامات قناعة أن الله حق ، درس ثانٍ عشرة ، درس ثالث عشرة ، تبقى هذه العشرات لا توازي العشرة كيلو إلى أن يطلب العلم طلباً حثيثاً ، إلى أن يتفكر في خلق السماوات والأرض ، إلى أن يعرف الله تماماً تصبح قناعاته عشرة كيلو ، صار في صراع ، فإذا تابع طلب العلم صار مستحيل وألف ألف مستحيل أن يعصي الله ، الإنسان يعصي ربه من ضعف معرفته به ، لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت ، بقدر معرفتك بالله تطيعه ، بقدر خشيتك له تطيعه ، فأي إنسان يرتكب مخالفة لضعف معرفته بالله ، وأصل الدين معرفة الله ، لذلك :

    ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ .
    ( سورة الزمر الآية : 67 ) .
    ففُهم من هذه الآية أن طريق معرفة قدر الله عز وجل ، أي طريق تقدير الله حق قدره التفكر في خلق السماوات والأرض .

    من دعا مع الله إلهاً آخر عُذب عذاباً شديداً في الدنيا و الآخرة :

    أختم هذا اللقاء الطيب بهذه الآية :

    ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ ﴾ .
    ( سورة الشعراء الآية : 213 ) .
    الإله الآخر شهوتك أحياناً ، الإله الآخر إنسان قوي تتوهم أن بيده الأمر ، الإله الآخر إنسان قوي تتوهم أن سلامتك بالانبطاح أمامه ، كما يجري ، تتوهم أحياناً أن سلامتك أن تواليه ، الله قال : ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ ﴾ .

    ﴿ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾ .
    ( سورة الشعراء ) .
    أحد أكبر العذاب النفسي أن تدعو مع الله إلهاً آخر .

    ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾ .
    ( سورة الشعراء ) .

    معرفة اسم "العزيز" تجعل الإنسان عزيزاً غنياً و قوياً :

    القوي ، الذي إذا كنت معه كنت الغالب ، الذي إذا كنت معه كنت المنتصر ، الذي إذا كنت معه كنت عزيزاً .
    اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
    ***

    ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ .
    ( سورة الشعراء ) .
    أيها الأخوة ، معرفة اسم "العزيز" تجعلك عزيزاً ، معرفة اسم "العزيز" تجعلك غنياً ، تجعلك قوياً ، تجعلك حراً أبياً ، إن أردت أن تكون عزيزاً فكن مع "العزيز" ، سبحانك إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت .
    والحمد لله رب العالمين

  5. #85
    الصورة الرمزية mona roshdi
    mona roshdi غير متواجد حالياً المشرفه المميزه للأسلامي العام والصوتيات والمرئيات الاسلامية
    تاريخ التسجيل
    27 - 6 - 2008
    ساكن في
    خلف دائرة الأحذان
    المشاركات
    12,425
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt

    افتراضي

    ماشاء الله أخى الكريم

    بارك الله فيك ورزقك رضاة
    والجنة باذن الله تعالى

    تحياتى لمجهودك
    وبارك فى عمرك

    منى رشدى


  6. #86

    افتراضي

    اسم الله : العزيز (2)

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

    من أسماء الله الحسنى : ( العزيز) :

    أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في اسم "العزيز" .

    من معاني اسم العزيز :

    1 ـ المعز :

    "العزيز" يعني المعز ، كأن تقول الأليم أي المؤلم ، هذا معنىً آخر ، "العزيز" هو المعز ، كأن تقول هذا شيء أليم أي مؤلم ، وقد قال الله عز وجل :

    ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾ .
    ( سورة آل عمران الآية : 26 ) .
    الإعزاز خير ، والإذلال خير ، إيتاء الملك خير ، ونزعه خير ، لأن الله سبحانه وتعالى كماله مطلق .
    (( عَجَبا لأمر المؤمن ! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر ، فكان خيراً له ، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر ، فكان خيراً له ))
    [أخرجه مسلم عن صهيب]
    لم يقل بيدك الخير والشر ، قال ﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾ ، لأن إيتاء الملك خير وانتزاعه خير لحكمة بالغةٍ بالغة ، والإعزاز خير والإذلال خير ، لكن الله سبحانه وتعالى يذل ليعز ، ويخفض ليرفع ، ويأخذ ليعطي ، هذه الأسماء الحسنى ، كما قال بعض العلماء : ينبغي أن تذكر مثنى مثنى ، الضار النافع ، يضر لينفع ، ويخفض ليرفع ، ويأخذ ليعطي ، ويذل ليعز ، فمن أسماء الله تعالى "العزيز" أي المعز .

    الاستقامة هي الطريقة العملية لإعزاز الإنسان :

    لكن ما الطريقة العملية لإعزاز الإنسان ، الله عز وجل بيّنها ، قال تعالى :

    ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾ .
    ( سورة يونس الآية : 26 ) .
    متى تكون عزيزاً ؟ يعني بالتطبيق العملي تكون عزيزاً ، إذا كنت محسناً حينما تكون طبيباً وتراجع الدراسات التي أتقنتها ، وتسأل المريض هل عندك حساسية من هذا الدواء ؟ أما إن لم تسأله ، وأصابته صدمة ، ولم تكن قد أعلمته فأنت مسؤول ، أي أنك إذا كنت محسناً تكون عزيزاً في عملك ، إذا كنت زوجاً محسناًَ تكون عزيزاً في بيتك ، إذا كنت أباً محسناً تكون عزيزاً عند أولادك ، إذا كنت تاجراً صدوقاً نصوحاً تكون عزيزاً عند زبائنك ، إذا كنت مدير مؤسسة محسناً تكون عزيزاً عند موظفيك .
    كأن الله سبحانه وتعالى يبين لنا طريق العز ، أنت تكون متقناً ، أن تكون محسناً ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾ الجنة ، ﴿ وَزِيَادَةٌ ﴾ النظر إلى وجه الله الكريم ، و ﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ﴾ أي غبار ، و ﴿ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾ ، تكون عزيزاً إذا كنت محسناً ، تكون عزيزاً إذا كنت نظيفاً ، تكون عزيزاً إذا كنت صادقاً ، تكون عزيزاً إذا كنت أميناً ، لا أحد يستطيع أن ينال منك ، وكأنك ملك ، المستقيم عزيز ، النظيف عزيز ، الطاهر عزيز ، الصادق عزيز المخلص عزيز ، تكون عزيزاً إذا كنت مستقيماً ، ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾ .


    العاقل من ابتعد عما يُعتذر منه :

    بالمقابل :

    ﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ .
    ( سورة يونس الآية : 27 ) .
    متى يكون ذليلاً ؟ إذا كان خائناً ، حينما تكشف خيانته يُذل ، إذا كان سارقاً يُذل ، إذا كان كاذباً يُذل ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
    (( إياك وما يعتذر إليه )) .
    [ أخرجه الطبراني عن سعد رضي الله عنه ] .
    العمل الذي تضطر أن تعتذر منه إياك أن تفعله ، تبقى رافع الرأس ﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ .

    ﴿ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ﴾ .
    ( سورة يونس الآية : 27 ) .

    المؤمن الصادق خلوته كجلوته و سره كعلانيته :

    إذا كنت مع "العزيز" كنت عزيزاً ، إذا كنت مع "العزيز" قطعاً سوف تكون مستقيماً ، لأنه لا يقبلك إلا إذا كنت مستقيماً ، فإذا كنت مستقيماً طبيعة الحياة ترفعك عند الناس تكون عزيزاً .
    أيها الأخوة ، هذا معنى أن "العزيز" هو المعز ، إن أردت الدنيا والآخرة فاستقم على أمر الله ، إن أردت أن تكون فالحاً ، وناجحاً ، وعزيزاً ، وكريماً ، ورفيع المقام ، كن مستقيماً ، الاستقامة أصل من أصول الدين ، لن تقطف من ثمار الدين شيئاً إلا إذا كنت مستقيماً ، المؤمن الصادق لا يوجد عنده موقف مزدوج ، خلوته كجلوته ، سره كعلانيته ، سريرته كعلانيته ، باطنه كظاهره ، مع الناس حاله كحاله في خلوته .

    الصدق و الاستقامة و الأمانة هذه الأخلاق بحدِّ ذاتها تجعل الإنسان عزيزاً :

    إخوانا الكرام ، ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، كما قال السيد المسيح ، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، الإنسان يعيش بكرامته ، كرامته تتأتى من استقامته .
    تصور إنسان كُشف أنه كاذب ، كُشف أنه خائن ، كُشف أن مختلس ، كُشف أنه يحابي أقرباءه ، انتهى ، سقط من عين الناس ، ومن عين الله عز وجل ، ولأن يسقط الإنسان من السماوات إلى الأرض فنتحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله .
    معنى "العزيز" المعز ، ولأنه أمرك أن تكون صادقاً ، مستقيماً ، أميناً ، عفيفاً ، هذه الأخلاق الرفيعة هي بحدِّ ذاتها تجعلك عزيزاً ، يقول لك : فلان نظيف ، فلان صادق فلان أمين .

    2 ـ أن يكون الله عز وجل أغلى عندك من أي شيء آخر :

    أيها الأخوة ، معنىً آخر من معاني "العزيز" : يستحيل أن تصل إليه ، ويستحيل أن يتجلى على قلبك ، ويستحيل أن يقربك إذا كان في حياتك شهوة أو معصية أغلى عليك منه ، فالطريق ليس سالكاً إلى الله ، هو عزيز ، أحياناً إنسان تسترضيه بشيء بسيط ، أما في جهة أخلاقية لا تسترضى ولا بشكل ، إلا إذا كنت مستقيماً ، نقطة دقيقة ، الله عزيز ، لا يمنحك وده ، لا يمنحك حبه ، لا يمنحك رعايته ، لا يدافع عنك ، لا يقربك إلا إذا كان الله عز وجل أغلى عليك من شيء ، إن كان الله عندك هكذا منحك قربه ، ودّه ، توفيقه ، محبته ، أما إذا في شهوة أغلى عليك منه ، أو في مخالفة مقيم عليها ، وتعلم أنها مخالفة لن تصل إليه ، ولن تأخذ من ثمار الدين شيئاً ، هذه حقيقة ، الدليل ، قال تعالى :

    ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ .
    ( سورة العنكبوت الآية : 69 ) .
    سلعة الله غالية ، يعني الجنة لن تكون بركعتين ، وليرتين ، تكون باستقامة ، تكون بمجاهدة ، تكون بضبط نفس ، تكون بصبر ، ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾.

    من طمع بجنة عرضها السماوات والأرض عليه أن ينفق من وقته وماله في سبيل الله :

    آية أخرى :

    ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ .
    ( سورة آل عمران الآية : 92 ) .
    تنفق من وقتك الثمين ، تنفق من مالك العزيز ، تنفق من خبرتك ، أما أن تطمع بجنة عرضها السماوات والأرض وأنت حريص على المال ، حريص على الراحة ، حريص على ألا تضع نفسك في موضع محرج ، ولا تعبأ بأي عمل صالح ، ليس هذا من شأن المؤمن ، لكن الآية التي توضح هذا المعنى بشكل جلي هي قوله تعالى :

    ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ ﴾ .
    ( سورة التوبة الآية : 24 ) .
    والله هذه الآية تقصم الظهر ، ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ ﴾ ، يعني الأب غني ، وقوي أمر ابنه بمعصية فالابن من شدة حرصه على أن يأخذ من مال أبيه ، وأن يبقى مقرباً إليه فعصى الله إرضاءً لأبيه هذا المعنى ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ ﴾ :

    ﴿ وَأَبْنَاؤُكُمْ ﴾ .
    ( سورة التوبة الآية : 24 ) .
    من أجل أن تجعله رفيع الشأن في المجتمع ، أكلت المال الحرام ، كان ابنه أغلى عنده من الله ، ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ ﴾ :

    ﴿ وَإِخْوَانُكُمْ ﴾ .
    ( سورة التوبة الآية : 24 ) .
    من أجل أن تكون عندهم كبيراً المجتمع فاسد ، المجتمع منحل ، فمن أجل أن تكون عندهم كبيراً عصيت الله وأرضيتهم ، ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ ﴾ .

    ﴿ وَأَزْوَاجُكُمْ ﴾ .
    ( سورة التوبة الآية : 24 ) .
    تحبها كثيراً ، طلبت منك طلباً يُغضب الله ، فمن أجلها أغضبت الله عز وجل ، مرة كان الحسن البصري رحمه الله تعالى ، وهو من التابعين الكبار عند والي البصرة ، جاءه توجيه من الخليفة إلى هذا الوالي ، لو أنه نفذه لأغضب الله عز وجل ، ولو أنه لم يعبأ بهذا التوجيه لأغضب الخليفة ، فعزله ، كان عنده الإمام الحسن البصري ، قال له : ماذا أفعل ؟ والله أيها الأخوة ، أجابه إجابة يجب أن تكون منهجاً لكل واحد منا ، منهج ، قال له : إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله .

    الطريق إلى الله ليس سالكاً حينما تُؤثر كل شيء على رضا الله تعالى :

    أحياناً الإنسان من أجل ابنه يرتكب كل المعاصي والآثام ، يسافر إلى بلد بعيد يستقر هناك ، يتجنس ، وينسى أن يتصل بأبيه بالعامين مرة ، يتزوج ، لأنه عصا الله من أجله ، فكان ردّ ابنه هكذا ، ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ ﴾ .

    ﴿ وَعَشِيرَتُكُمْ ﴾ .
    ( سورة التوبة الآية : 24 ) .
    مكانتك في المجتمع ، الآن :

    ﴿ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ﴾ .
    ( سورة التوبة الآية : 24 ) .
    أحياناً يكون في بضاعة محرمة لكن ربحها عالٍ جداً .

    ﴿ وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا ﴾ .
    ( سورة التوبة الآية : 24 ) .
    مغتصب بيتاً ، يعني أي شيء في الدنيا بيت ، مكانة ، منصب ، مكسب ، إن كانت هذه الأشياء :

    ﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا ﴾ .
    ( سورة التوبة الآية : 24 ) .
    يعني الطريق إلى الله ليس سالكاً ، هو عزيز لأن الله عز وجل ، حينما تستسلم له كلياً ، حينما تخضع له كلياً ، حينما تؤثره على كل شيء ، ترى من الخيرات ، والرفعة والمكانة ، والشأن ، والراحة ، والتوازن ، والسعادة ، والاستقرار ، والشعور بالأمن ، والشعور بالتفوق ، ما لا يوصف .

    القرب والحفظ والتأييد من الله عز وجل لا يكون إلا بالخضوع لأمره والاستسلام له :

    ﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ .
    ( سورة التوبة ) .
    حقيقة دقيقة في الدين ، أن تجمع بين الدين والدنيا ، أن تجمع بين الدين وبين مخالفات وتجاوزات في الدنيا ، بإمكانك أن تصلي لكن لن تستطيع أن تتصل بالله ، بإمكانك أن تحج بيت الله الحرام لكن لن تستطيع أن تكون مُقبلاً على الله ، بإمكانك أن تصوم رمضان ، هذه العبادات الشعائرية بإمكانك أن تؤديها أداءً تاماً ، أما إذا كان هناك شهوة ، أو معصية ، أو انحراف أغلى عليك من الله ؛ فاعلم علم اليقين أن الطريق إلى الله ليس سالكاً ، هذه الآية أعيدها مرة ثانية :
    ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ .
    الله "العزيز" إن أخلصت له ، إن خضعت له ، إن استسلمت له ، إن وضعت تحت قدمك كل حظوظك ترى شيئاً لا يوصف ، ترى القرب ، ترى الحب ، ترى التوفيق ، ترى التأييد ، ترى النصر ، ترى التوازن ، ترى السعادة ، ترى الطمأنينة ، فإن آثرت عليه شيئاً فالطريق إليه ليس سالكاً ، ممكن تشتري هاتفاً بأعلى مستوى ، وبأغلى ثمن ، لكن ما في خط ما في ونة لن يكون الخط حاراً إلا باستقامتك على أمر الله .

    طاعة الله عز وجل ثمن حلاوة الإيمان :

    شاهد آخر :
    (( ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان )) .
    [ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك ] .
    الإيمان له حلاوة ، أو هناك حقائق وهناك حلاوة ، الحقائق واضحة جداً ، أركان الإسلام ، أركان الإيمان ، أحكام الصلاة ، الصوم ، الحج ، والزكاة ، يسهل حفظها ، ويسهل أن تعلمها أيضاً ، أما حلاوة الإيمان شيء لا يصدق ، حلاوة الإيمان يجعلك بطلاً ، حلاوة الإيمان يجعلك تضع تحت قدمك كل حظوظ الدنيا .
    سيدنا خبيب قبل أن يصلب ، قبل أن يصلبه المشركون سأله أبو سفيان ، أتحب أن يكون محمد مكانك ؟ وأنت معافىً في أهلك ؟ قال خبيب : والله (سيموت بعد قليل) والله ما أحب أن أكون في أهلي ، أمامي زوجتي ، وأولادي ، وفي بيتي ، ومستقراً ، ومرتاحاً ، وعندي عافية الدنيا ونعيمها ، النعيم ، في زهور ، في أنواع منوعة من الفواكه في كل الأجهزة الكهربائية في البيت ، بيت مساحته واسعة ، إطلالته جميلة ، أمامك زوجتك شابة في ريعان الشباب ، أولاد ، والله ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي ، وعندي عافية الدنيا ، ونعيمها ، ويصاب رسول الله بشوكة ، فقال أبو سفيان : ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً .
    هذا الإيمان ، حينما يستوي عندك التبر والتراب تكون مؤمناً ، المليون مثل الليرة في شبهة ؟ تركلها بقدمك ، حلاوة الإيمان لها ثمن ، ثمنها طاعة الله عز وجل .
    (( ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) .
    [ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك ] .
    أكيد ، لو سألت مليار وخمسمئة مسلم ألا تحب الله أكثر من كل شيء ؟ يقول لك : طبعاً أعوذ بالله ! هذا كلام ، أن يكون الله في قرآنه ، والنبي في سنته حينما يتعارضان مع مصلحتك أن تؤثر جانب الله عز وجل ، وجانب رسوله ، عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان ، أن يكون الله في قرآنه ، والنبي في سنته أحب إليك مما سواهما عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان .

    سلعة الله غالية :

    مرة ثانية : ألا إن سلعة الله غالية ، نحن في الدنيا يا أخوان ، حتى تكتب جانب اسمك دال فقط معك ابتدائي ، وإعدادي ، وثانوي ، وجامعة ، ودبلوم عامة ، ودبلوم خاصة ، وماجستير ، ودكتوراه ، ثلاثة و ثلاثون سنة دراسة ، من أجل إضافة كلمة دال ، يأتي ملك الموت ينهيها لك ، عميد أسرتهم الدكتور فلان ، انتهت ، اللقب العلمي انتهى .
    فمن أجل أن تكون مؤمناً ، من أجل أن تصل إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، هذا يحتاج إلى جهد كبير .
    (( ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما )) .
    عند التعارض .
    (( وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار )) .

    3 ـ عجز اللسان عن وصفه سبحانه :

    أيها الأخوة ، من معاني "العزيز" من ضلت العقول في بحار عظمته ، وكلت الألسنة عن وصف كمالاته ، هذا المعنى عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
    (( سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك )) .
    [ صحيح عن علي بن أبي طالب]

    من تواضع لله رفعه و من تكبّر وضعه :

    الآن أيها الأخوة ، كلما تواضعت لله تزداد عزاً ، علاقة عكسية ، وكلما ترفّع الإنسان وتكبّر وضعه الله عز وجل ، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح :
    (( لو دُعيتُ إلى كُراَع )) .
    [ أخرجه البخاري عن أبي هريرة ] .
    يعني أقل أنواع الضيافة ، قدم غنم .
    (( لو دُعيتُ إلى كُراَع أو ذراَع لأجَبتُ ولو أُهْدِيَ إليَّ ذِراعُ أو كُراعَ لَقَبِلْتُ )) .
    [ أخرجه البخاري عن أبي هريرة ] .
    في تواضع ، سيدنا الصديق ، له خدمة لجارته ، له جارة عجوز ، كان يحلب لها الشياه ، فلما أصبح خليفة المسلمين دخل الحزن على هذا البيت ، لأن هذه الخدمة سوف تنتهي ، في صبيحة اليوم الأول من تسلمه الخلافة ، طرق باب العجوز ، فقالت لابنتها : افتحي الباب يا بنيتي ، فلما رجعت إليها قالت : من الطارق ؟ قالت : جاء حالب الشاة يا أمي ، قالت : إنه أمير المؤمنين ! جاء حالب الشاة ، أمير المؤمنين يحلب الشياه لجارته العجوز .
    كلما تواضعت لله زادك عزاً ، وكلما تكبرت وضعك .
    سيدنا عمر دخل رسول عامله على أذربيجان إلى المدينة ليلاً ، كره أن يطرق بابه ، فتوجه إلى المسجد ، سمع رجلاً في الليل ، وفي الظلام يناجي ربه ويقول : يا رب هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي ، أم رددتها فأعزيها ؟ قال له : من أنت يرحمك الله ؟ قال له : أنا عمر ، قال له : أمير المؤمنين ! ألا تنام الليل ؟ قال له : أنا إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي ، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي ، دعاه إلى البيت ، أتأكل عندنا أم عند فقراء المسلمين ؟ قال له : عندك ، يوجد فرق كبير جداً ، قال : يا أم المؤمنين ماذا عندك من طعام ؟ قال لت : والله ما عندنا إلا خبز وملح ، فقال لها : هاتيه لنا ، أكل مع هذا الضيف والضيف توهم أن الطعام عند أمير المؤمنين شيء كبيرة ، أما مع الفقراء ! الفقراء يأكلون اللحم ، هو يأكل الخبز والملح ، فلما أكل وشبع قال : الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا وأسقانا فروانا ، هذا التواضع ، كان في مجاعة ، خاطب بطنه ، قال : قرقر أيها البطن أو لا تقرقر فوالله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين .
    قال عليه الصلاة والسلام :
    (( إن الصدقة لا تزيد المال إلا كثرة فتصدقوا يرحمكم الله وإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا فاعفوا يعزكم الله ))
    [ سلسلة الأحاديث الضعيفة : 3020 ]
    (( التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة ))
    [ سلسلة الأحاديث الضعيفة : 3424]

  7. #87

    افتراضي

    لن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً :

    آخر شيء أيها الأخوة ، من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا ، وأقرب مما اتقى ، إن أردت أن تصل إلى شيء بمعصية هذا الشيء بَعُد عنك ، والخطر اقترب منك ، لكن الحقيقة الدقيقة : لن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً ، فإن لم تكن موحداً ، يمتلئ القلب خوفاً عندئذٍ تنبطح من شدة الخوف ، لن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
    اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
    ***
    الموحد يرى أن يد الله فوق أيديهم ، يرفع رأسه ، لا ينافق ، لا يتذلل ، لا يتضعضع ، لا يساوم ، الموحد رقم صعب ، الموحد ما له ثمن ، أما أي إنسان آخر له ثمن وكل إنسان له ثمن ، لمجرد أن يكون لك ثمن أنت انتهيت كإنسان ، مبلغ معين يبدد قناعتك انتهيت ، أما الموحد رقم صعب ، ليس له ثمن .
    (( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتى يظهره الله أو أهلك دونه )) .
    [السيرة النبوية]
    اسم "العزيز" أيها الأخوة ، يهب المؤمن العزة ، والكرامة ، والمؤمن حينما يطيع الله عز وجل يكون عزيزاً .
    والحمد لله رب العالمين

  8. #88

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mona roshdi مشاهدة المشاركة
    ماشاء الله أخى الكريم

    بارك الله فيك ورزقك رضاة
    والجنة باذن الله تعالى

    تحياتى لمجهودك
    وبارك فى عمرك

    منى رشدى

    جزانا الله واياكم
    سوف اتغيب لفترة عن الموضوع
    لانشغالى بالدراسة وقرب الامتحانات
    وفقنا الله واياكم الى ما يحبه ويرضاه


  9. #89
    تاريخ التسجيل
    25 - 10 - 2009
    ساكن في
    المنصورة
    العمر
    34
    المشاركات
    375
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا

  10. #90
    تاريخ التسجيل
    11 - 11 - 2009
    ساكن في
    القاهره
    المشاركات
    2,512
    مقالات المدونة
    3
    النوع : ذكر Egypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي

    جزاك الله خيرا وجعله فى ميزان حسناتك
    تحيااااااااااااتى ليك

 

 
صفحة 9 من 10 الأولىالأولى ... 5678910 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30 - 1 - 2012, 02:09 AM
  2. تعال واكتشف نفسك هل تحتاج الى دكتور نفسي ولا لا؟
    بواسطة مليش غيرك يارب في المنتدى تطوير الذات
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 22 - 11 - 2011, 09:24 PM
  3. تعليم البرنامج الهندسي Sap 2000 فيديو للدكتور عاطف العراقي
    بواسطة white.bakar في المنتدى منتدى البرامج العام والشروحات المصورة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 29 - 10 - 2011, 09:42 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©