قهوتنا على الانترنت
صفحة 7 من 10 الأولىالأولى ... 345678910 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 70 من 95
  1. #61

    افتراضي

    اسم الله : القريب(1)



    1 – ورودُ اسم ( القريب ) في القرآن الكريم مقترنا بغيره من الأسماء :

    أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، وهو اسم ( القريب ) ، وقد ورد اسم الله ( القريب ) في القرآن الكريم مطلقاً منوناً ، مرادا به العلمية ، دالاً على كمال الوصفية ، ومقترناً باسم الله المجيب ، كما في قوله تعالى :

    ﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ﴾
    ( سورة هود )
    واقترن باسمه السميع ، في قوله تعالى :

    ﴿ قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ﴾
    ( سورة سبأ )

    2 – ورودُ اسم ( القريب ) في القرآن الكريم مفرَدًا :

    ورد هذا الاسم أيضاً مفرداً في قوله تعالى :

    ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
    ( سورة البقرة الآية : 186 )

    3 – قربُ الله قربُ علمٍٍ وقدرةٍ :

    أيها الإخوة ، هذا الاسم له قرب من الإنسان شديد ، المعنى أنك إذا أيقنت الله معك فلن تستطيع أن تعصيه ، بل حينما تشعر أن قرب الله قرب علم ، وأن قرب الله قرب قدرة لا يمكن أن تتجاوز أمره

    ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
    ( سورة الطلاق )
    فعلّة خلق السماوات والأرض أن تعلموا .

    ﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
    ( سورة الطلاق )

    4 – قربُ الله يستلزم معيّته :

    حينما توقن أن علم الله يطولك ، وأن قدرته تطولك ، وأن قرب الله قرب علم ، وأن قرب الله قرب قدرة ، أنت في قبضته ، وعلمه يطولك ، وقدرتك تطولك ، فكيف تعصيه ؟ حتى إنه قد قيل : أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان .

    ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾
    ( سورة الحديد الآية : 4 )
    وهو مع المؤمنين بالحفظ ، والتأييد ، والنصر ، التوفيق .
    فلذلك أيها الإخوة ، ورد في مرتبة الإحسان :
    (( أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ )) .
    [ مسلم عن عمر بن الخطاب ]

    ﴿ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾
    ( سورة الشعراء )
    أحياناً يكون الإنسان قريباً منك ، يلازمك كظلك ، لا يفارقك ، مهما يكن محبوباً تضجر من قربه ، تقول : دعني وشأني ، أيّ إنسان إذا لازمك ورافقك لا تحتمل قربه ، تحتاج من حين لآخر ألا أن تنفرد بنفسك ، ومع أن الله معنا في كل وقت ، وفي كل حين ، وفي كل شأن :

    ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾
    لكن معية لطيفة لا تشعر بثقل وجوده ، بل تشعر براحة وجوده .

    5 – قربُ الله أكبر ضمان لاستقامة العبد :

    فلذلك أعلى درجة من الإيمان أن تشعر أن الله معك ، وأكبر ضمانة للاستقامة أن تشعر أن الله معك ، وأكبر باعث للخشية أن تشعر أن الله معك ، وأكبر مُطمئِنٍ لك أن تشعر أن الله معك .

    ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
    ( سورة الشعراء )
    بالموازين الأرضية لا أمل ، فرعون بقوته ، بجيشه ، بطغيانه ، بحقده ، بجبروته ، يتابع نبياً مع شرذمة قليلين من بني إسرائيل ، إلى أن وصلوا إلى البحر ، وانتهى الأمر ، بالموازين الأرضية لا أمل في النجاة أبداً .

    ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ .
    ( سورة الشعراء )
    معية الله للمؤمنين معية النصر ، معية التوفيق ، معية التأييد ، معية الحفظ ، ومعية الله لأي إنسان كائناً من كان ، حتى ولو كان ملحداً فهو معه معية العلم :
    ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾
    إما أن تكون المعية معية علم لكل خلقه ، وإما أن تكون المعية معية توفيق ، وحفظ ، وتأييد ونصر .

    معية الله لها ثمن :

    إلا أن المعية الخاصة لها ثمن ، ولا شيء بلا ثمن .

    ﴿ وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾
    ( سورة المائدة الآية : 12 ) .
    معية الله عز وجل لها ثمن ، وأعلى درجة الإيمان أن تشعر أن الله معك ، قريب منك ، هو أقرب إليك من حبل الوريد ، قال بعض العلماء : أقرب إليك من روحك .
    امسك قطعة كهربائية ، وضمها إلى صدرك ، وضمها ضماً شديداً ، مهما تكن قريباً منها ، ومهما تكن قريبة منك ، مهما شددت عليها ، الذي أقرب إليها منك القوة الكهربائية التي تحركها ، لكن الله سبحانه وتعالى ، ولله المثل الأعلى أقرب إليك من القوة التي تمدك بالحياة .

    ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾
    ( سورة ق )
    فهو معنا ، يطلع علينا ، يطلع على خواطرنا ، على نوايانا ، يطلع علينا ، إذا تكلمنا فهو يسمعنا ، يطلع علينا فهو يرانا ، يطلع على قلوبنا إذا أضمرنا ، لا تغيب عنه غائبة ، ولا تخفى عنه خافية ، هذا الإيمان إلى أن نصل إليه نكون قد حققنا تسعة أعشار الطريق إلى الله ، أن الله قريب :

    ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ .
    ( سورة الشعراء )
    أيها الإخوة ، للتقريب : إن الإنسان لو زاره رجل من علية القوم ، من وجهاء الحي ، من أقرب الناس إليه ، في الأعم الأغلب يرتدي ثيابا جميلة ، في الأعم الأغلب يجلس جلسة مؤدبة ، في الأعم الأغلب ينتقي كلمات دقيقة ، في الأعم الأغلب يتجمل أمامه ، فإذا كان هذا حالنا مع كبراء القوم ، هذا مع علية القوم ، فكيف حال المؤمن مع خالق السماوات والأرض ؟ .
    الحقيقة أن الخشوع يحتاج إلى إحساس بالقرب ، ودائماً وأبداً يشعر المؤمن أن الله معه ، فهو أولاً في طمأنينة ، وثانياً في مراقبة .
    الأعرابي الذي سأل النبي عليه الصلاة والسلام ، قال : يا رسول الله ، عظني ولا تطل ، فتلا عليه قوله تعالى :

    ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ .
    ( سورة الزلزلة )
    قال هذا الأعرابي : كُفيت ، فقال عليه الصلاة والسلام : فَقُه الرجل ، لم يقل فَقِه قال فَقُه ، يعني أصبح فقيهاً ، آية واحدة كفته .
    صدقوا أيها الإخوة ، أن هناك آيات لا تعد ولا تحصى ، الواحدة منها تكفي .

    ﴿ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
    ( سورة النساء )
    ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾
    وهو قريب منكم .

    وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ


    ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
    أحياناً تدعو الله بقلبك ، ولا تحرك شفتيك ، ولا تنطق بكلمة .
    حدثني رجل ، قال لي : والله انتهيت من أداء خدمتي الإلزامية ، ولا أملك من الدنيا شيئاً ، أعطتني أختي سوارا من الذهب ، فبعتها ، واشتريت بها بطاقة إلى بلاد الخليج ، وأنا راكب في الطائرة أضمرت في قلبي أن إذا أكرمني الله عز وجل سأبني له مسجداً في بلدتي ، قال لي : الله ما حركت شفتاي بهذا الكلام ، وبعد أعوام مديدة أنشأ هذا المسجد ، وصليت في المسجد ، وحدثني عن قصته .
    لذلك الله عز وجل مطلع على خواطرك ، يمكن أن تدعوه بقلبك .

    ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا ﴾
    ( سورة مريم )

    ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي﴾
    ( سورة البقرة الآية : 186 ) .
    الدعاء سلاح المؤمن ، وأنت بالدعاء أقوى إنسان ، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، إن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتقِ الله .
    أيها الإخوة :
    (( ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف لك من نيته فتكيده السماوات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا ، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء بين يديه ، وأرسخت الهوى من تحت قدميه )) .
    [ أخرجه ابن عساكر عن كعب بن مالك ]
    فأنت إذا أيقنت أن الله قريب منك ، وأنه معك ، وأنه مطلع على سريرتك ، لأنه يسمع دعاءك ، ويرى حركتك ، ويعلم ما في قلبك ، لا بد من أن تستقيم على أمره ، ولا بد من أن تستحي منه .
    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ )) .
    [ أخرجه أحمد ، والترمذي والحاكم ، والبيهقي ]

    الإسلام والإيمان والإحسان :

    إذاً : الموضوع أن تشعر أنه معك ، ومرتبة الإحسان ، وهذه في النصوص الصحيحة تأتي فوق مرتبة الإيمان ، هناك مرتبة الإسلام ، ومرتبة الإيمان ، ومرتبة الإحسان ، مرتبة الإسلام أن تخضع للواحد الديان ، أن تخضع جوارحك لمنهجه ، أن تؤدي زكاة مالك ، أن تصلي الفرائض ، أن تدفع الزكاة ، أن تحج البيت ، أن تغض البصر ، أن تكون صادقاً ، أميناً ، عفيفاً ، منجزاً للوعد ، راعياً للعهد ، هذا هو الإسلام .

    ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾ .
    ( سورة الحجرات الآية : 14 ) .
    فالإسلام أولاً ، مرتبة الإسلام خضوع الجوارح والأعضاء لمنهج الله عز وجل ، أما الإيمان فأن ينعقد مع هذا الخضوع صلة بالله عز وجل ، فتقبل عليه ، لذلك الإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالإقبال على الله ، وينقص بفتور العلاقة معه .
    المرتبة الثالثة مرتبة الإحسان ، هذه متعلقة باسم ( القريب ) ، أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
    أيها الإخوة ، أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان .
    أيها الإخوة ، ورد في بعض الأحاديث عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا ، إِنَّهُ مَعَكُمْ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ )) .
    [ متفق عليه ]
    إنه معكم ، وأبرز ما يميز المؤمن خشوعه ، وأسباب خشوعه إيمانه أن الله معه ، وهناك قصص لا تعد ولا تحصى تبين أن الناس يتفاوتون بإيمانهم ، بقدر إدراكهم بقرب ربهم :
    ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾

    6 – من معاني اسم ( القريب ) :

    الآن ما معنى اسم ( القريب ) على التفصيل :

    1 ـ القرب المكاني :

    أول معنى هناك القرب المكاني ، القريب عكس البعيد ، القريب ليس بينك وبينه حجاب ، البعيد بكل معاني الكلمة ، هناك قرب المكان ، قال تعالى :

    ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾
    ( سورة التوبة الآية : 28 )
    من معاني القريب قرب المكان ، تؤكده هذه الآية الكريمة :
    ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾

    2 ـ القرب الزماني :

    ومن معاني القريب قرب الزمان .

    ﴿ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾
    ( سورة الأنبياء )
    إما قرب مكاني ، وإما قرب زماني .

    3 ـ قُربُ النَّسب :

    ومن معانيه القريب في النسب :

    ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ﴾
    ( سورة النساء الآية : 7 )
    عندنا قرب نسب ، وبالمناسبة : هناك قاعدة : الأقربون أولى بالمعروف ، من أدق هذه القواعد : القرب النسبي ، والقرب إلى الفقر ، والقرب إلى الإيمان ، عندك ثلاثة موازين في دفع صدقتك أو زكاتك ، إما أنه أفقر ، أو أنه أقرب إلى الإيمان ، أو أنه أقرب إليك نسباً .
    إذاً :
    ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ﴾

    4 ـ قُرب الحظوة :

    ومن معاني القرب قرب الحظوة ، أحيانا يكون الإنسان قريبا من إنسان يحتل مركزا مرموقا ، وله رجلٌ قريب جداً منه ، بإمكانه أن يدخل عليه بلا استئذان ، بإمكانه أن يبوح له بكل شيء ، هذا قربُ الحظوة ، وعندنا قرب مكان ، وقرب زمان ، وقرب حظوة ، هذا المعنى في قوله تعالى :

    ﴿ فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ﴾
    ( سورة الواقعة )
    كيف هو قريب ؟ قال : هو قريب من خلقه كما شاء ، وكيف شاء ، هو القريب من فوق عرشه ، أقرب إلى عباده من حبل الوريد ، كما قال تعالى :

    ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾
    ( سورة ق الآية : 16 )

    ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ ﴾
    ( سورة الواقعة )
    إنسان حضرته الوفاة ، أقرباءه ، زوجته ، أولاده ، إخوته حوله ، قريبون منه ، يضعون يدهم على جبينه ، وهذا على يده يقيس ضغطه ، كل هذا القرب قال تعالى :
    ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ ﴾
    لذلك حينما تصل إلى أن تؤمن أن الله معك دائماً ، تكون قد قطعت تسعة أعشار الطريق إلى الله ، والإحساس بقرب الله عز وجل أكبر باعث على طاعته ، وأكبر باعث على الخشية منه ، والإنسان حينما يرى أن الله معه يقبل عليه .
    (( يا موسى أتحب أن أكون جليسك قال : كيف ذلك يا رب ؟ أما علمت أني جليس من ذكرني ، وحيثما التمسني عبدي وجدني )) .
    [ ورد في الأثر ]

    لذلك القرب من الله قمة التدين ، قمة الإيمان أن تكون قريباً من الله ، القرب من الله يعني الانضباط ، القرب من الله يعني الشعور بالأمن ، القرب من الله يعني الشعور بالسكينة ، القرب من الله يعني الشعور بالسعادة ، الشعور بالرضا ، هذه المعاني الدقيقة جداً لذلك في قوله تعالى :

    ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ .
    ( سورة العنكبوت الآية : 45 ) .

    ذكر الله لكم وأنتم تتصلون به أكبر من ذكركم له ، وأنتم تعبدونه ، لأن الله إذا ذكر الإنسان منحه نعمة الأمن ، والأمن بشكل أو بآخر خاص بالمؤمنين ، قال تعالى :

    ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾
    ( سورة الأنعام ) .
    والله أيها الإخوة ، ما من نعمة أعظم عند الله من أن تشعر بالأمن ، من أن تشعر أن مصيرك بيد الله ، لا بيد زيد ، ولا بيد فلان أوعلان ، مصيرك بالله ، رزقك بيده ، صحتك بيده ، الأقوياء بيده ، أعداءك بيده ، أقرب الناس إليك بيده ، من له علاقة حميمة معك بيده .
    لذلك : (( عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ، أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد )) .

  2. #62

    افتراضي

    هذا ما يعنيه القربُ من الله

    لذلك القرب من الله يعني الشعور بالأمن ، سيدنا يونس وجد نفسه فجأة في بطن حوت ، بمقاييس الأرض الأمل صفر ، النجاة صفر ، بطن الحوت ، يقف المرء في فمه قائماً ، وجبته المعتدلة أربعة أطنان ، الإنسان كله خمسين كيلوا ، والحوت وجبته المعتدلة بين وجبتين أربعة أطنان ، نبي كريم يجد نفسه في بطن حوت ، في ظلمة الليل ، وفي ظلمة البحر ، وفي ظلمة بطن الحوت ، العلماء يقولون : تحت 200 متر ظلام دامس ، إذا أخرج يده لم يكد يراها ، فهو في ظلمة الليل ، وفي ظلمة بطن الحوت ، وفي ظلمة البحر .

    ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
    ( سورة الأنبياء )
    لأنه يحس أن الله معه .

    ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
    ( سورة الأنبياء ) .
    أروع ما في الآية أن التعقيب نقلها من قصة وقعت إلى قانون مستمر ، قال :
    ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
    لذلك المؤمن سلاحه الدعاء ، إحساسه أن الله قريب منه ، وأن الدعاء أقوى ما يميزه عن غير المؤمن ، والدعاء له قوة لا يملكها خصمه .

    7 – من ثمرات اسم ( القريب ) :

    أيها الإخوة الكرام ، من ثمرات اسم ( القريب ) أنه ينصرك ، فلا تخشى بالله لومة لائم .
    حينما أدى الحسن البصري واجب العلماء في التبيين ، وبيّن ، وسمع الحجاج مقالة الحسن البصري ، وغضب غضباً شديداً ، وتوعده بالقتل ، وقال لمن حوله : " يا جبناء والله لأروينّكم من دمه ، وأمر بقتله ، وجاء بالسياف ، وأرسل في طلبه ، دخل الحسن البصري إلى المجلس ، فإذا بالسياف ، وإذا بالنطع قد مد ، فحرك شفتيه ، لأنه يشعر أن الله قريب منه ، فحرك شفتيه ، وإذا بالحجاج يختلف أمره ، يقف له ، ويقول : أهلاً بأبي سعيد ، أنت سيد العلماء ، شيء غير متوقع ، ومازال يدنيه من مجلسه حتى أجلسه على سريره ، وسأله في بعض القضايا ، واستفتاه ، وضيفه ، وعطره ، وشيعه إلى باب القصر ، الذي صُعق السياف والحاجب ، فتبعه الحاجب ، قال : يا أبا سعيد ، لقد جيء بك بغير ما فُعل بك ، فماذا قلت بربك ؟ قال : قلت : يا ملاذي عند كربتي ، يا مؤنسي في وحشتي ، اجعل نقمته عليّ برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم " .
    أنت حينما تشعر أن الله قريب منك تدعوه في أي وقت ، وفي أي مكان ، وفي أطباق السماء وأنت راكب الطائرة ، وفي أعماق البحار وأنت في غواصة ، وعلى سطح الأرض ، وعلى أي مكان في الأرض ، وفي أي حال .
    لذلك الشعور بالقرب من الله شعور مُسعِد ، الشعور القرب من الله شعور مطمئن ، الشعور بالقرب من الله شعور السكينة التي تسعد بها ، ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء .
    والحمد لله رب العالمين

  3. #63

    افتراضي

    اسم الله : القريب(2)




    ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ .
    ( سورة البقرة الآية : 186 ) .

    1 – صيغة ( يسألونك ) في القرآن الكريم :

    وقبل أن نقف عند تفاصيل هذه الآية لابد من التنويه إلى أن في القرآن الكريم عدداً ليس بالقليل من الآيات تبدأ :

    ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ .
    ( سورة البقرة الآية : 219 ) .

    ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ .

    ( سورة البقرة الآية : 219 ) .


    ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ ﴾ .
    ( سورة البقرة الآية : 222 ) .

    2 – استنباط لطيف من قوله تعالى : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ :

    آيات كثيرة هذه صيغتها : ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ ﴾ ، ويأتي الجواب : ﴿ قُلِ ﴾ ، إلا في هذه الآية الوحيدة :
    ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي ﴾ ، فليس هناك : قل .
    ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
    استنبط العلماء أنه ليس بين الله وبين عبده وسيط أبداً ، فإذا قلت : يا رب تبت إليك ، يقول الله لك : وأنا قبلت يا عبدي .

    3 – معنى : وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ :

    لكن الآية الأخرى تقول :

    ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ .
    ( سورة المائدة الآية : 35 ) .
    ما معنى الوسيلة في هذه الآية ؟ قال العلماء : الوسيلة هي العلم ، اطلب العلم كي تعرف الله عز وجل ، والوسيلة هي العمل الصالح .

    ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾ .
    ( سورة الكهف الآية : 110 ) .
    فالعمل الصالح وسيلة ، والعلم وسيلة ، وإنفاق المال وسيلة ، وصحبة الصالحين وسيلة ، لكن صحبة الصالحين لا تزيد على أن هذا الذي تجلس معه يجب أنْ يدلَّك على الله مقاله ، وينهض بك إلى الله حاله ، وفوق ذلك لا يُقبل إطلاقاً .

    4 – لا أحد من البشر يعلم الغيب :

    لأن الله عز وجل حينما خاطب نبيه عليه الصلاة والسلام قال له : قل :

    ﴿ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾ .
    ( سورة الأنعام الآية : 50 ) .
    ليس على وجه الأرض إنسان بما فيهم النبي يعلم الغيب ، وأيّ إنسان يدّعي علم الغيب فهو كذّاب ، والآن هناك قنوات تؤكد أن هذا الذي تسأله يعلم الغيب ، يقول لك : بعد عشرين يوما سيكون كذا ، هذا كذب ودجل وبهتان ، فإذا كان سيد الخلق ، وحبيب الحق لا يعلم الغيب فلا يستطيع إنسان على وجه الأرض أن يدّعي أنه يعلم الغيب ، لذلك : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
    (( مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) .
    [أخرجه أحمد ، والحاكم ]
    عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
    (( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ لَمْ يُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا )) .
    [ أحمد ]
    إذاً سيد الخلق ، وحبيب الحق لا يعلم الغيب .

    ﴿ قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ .
    ( سورة الأنعام ) .
    ليس في الإسلام درجة إذا بلغها الإنسان لم تضره معصية بعدها ، مستحيل ، إذا كان سيد الخلق وحبيب الحق يأمره الله أن يقول :
    ﴿ قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ .
    إذاً : لا يجرؤ إنسان أن يدعي ذلك .

    5 – لا أحد من البشر يملك ضرا ولا نفعا :

    الآية الثالثة :

    ﴿ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴾ .
    ( سورة الجن ) .
    إذا كان سيد الخلق وحبيب الحق ، لا يملك لنا نفعا ولا ضرا ، هل يستطيع إنسان أن يدعي ذلك ؟ الآن :

    ﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا ﴾ .
    ( سورة الأعراف الآية : 188 ) .
    ﴿ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴾ .
    إذا كان سيد الخلق ، وحبيب الحق لا يملك لنا نفعاً ولا ضرا فهل يستطيع إنسان أن يدعي ذلك ؟
    ﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا ﴾
    إذا كنتُ لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرا فمن باب أولى أنني لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً .
    لذلك أنت بهذه الآيات تركل بقدمك ألف قصة تخالف هذه الآيات ، والعلم سلاح ، والعلم وسيلة لمعرفة الله .
    ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ﴾
    والعمل الصالح وسيلة ، وإنفاق المال وسيلة ، وصحبة الصالحين وسيلة ، في حدود أن هذا الصالح لا تزيد مهمته على أن يرقى بك إلى الله حاله ، ويدلك على الله مقاله وفوق ذلك القدوة هو رسول الله .
    عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
    (( مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ قَالَ : لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا )) .
    [ البخاري ومسلم ]
    هكذا كان ورع النبي عليه الصلاة والسلام .
    قالوا : يا رسول الله مثل بهم كما مثّلوا بعمك ، قال :
    (( لا أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً )) .
    [ ورد في الأثر ]
    بهذه الآيات يمكن أن تركل بقدمك ألف قصة تتناقض معها .
    فلذلك : قال سيدنا علي : << يا بني ، العلم خير من المال ، لأن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق ، يا بني ، مات خزان المال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة >> .

    6 – ليس بين العبد وربِّه واسطة :

    إذاً :
    ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
    لم تأتِ في هذه الآية كلمة قل ، أي أنه ليس بين العبد وبين ربه وسيط .
    إن معظم الناس يصدر خطأ منهم ، يقولون لك : أجرِ لي استخارة ، الاستخارة بينك وبين الله مباشرة ، ولا تكون الاستخارة نيابة وبالوساطة ، تقول : آنستي عملت لي استخارة ، أنتِ أجري استخارة فيما بينكِ وبين الله .
    ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
    أنا معكم .

    ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ .
    ( سورة ق ) .
    أنا أسمع صوتهم ، وأرى حركتهم ، وأنا مطَّلع على ما في قلوبهم ، إن تكلموا فأنا سميع بصير ، إن تحركوا فأنا سميع بصير ، إن أضمروا فأنا مطلع عليهم ، لا تخفى عليه خافية ، فإنه علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون .

    7 – الدعاء سلاح المؤمن :

    ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ﴾ .
    أنت بالدعاء أقوى إنسان ، الدعاء سلاح المسلم ، يعني أنت حينما تقول : يا رب ، الله عز وجل الذات الكاملة ، المطلق لكل شيء ، علمه مطلق ، وقدرته مطلقة ، ورحمته مطلقة ، وحكمته مطلقة ، أنت تستعين بالله عز وجل ، مهما يكن عدوك كبيراً الله أكبر منه .
    يعيش المؤمن حالة ثقة بالله لا تقدر ، ولا توصف ، لأنه يستعين بالله ، كفى بك قوة أن تدعو الله ، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، إن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله أوثق منك بما في يديك ، إن أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله ز
    ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾

    8 – معية الله الخاصة بالمؤمنين لها ثمن :

    أنا معكم .
    لكن كما قلت البارحة : هو معكم بلطف ، من دون أن تتضايقوا ، معكم وأنتم مرتاحون ، معكم بعلمه ، مع أي إنسان بعلمه .

    ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾ .
    ( سورة الحديد الآية : 4 ) .
    بعلمي ، لكنني مع المؤمنين بالتوفيق ، وبالحفظ ، وبالتأييد ، وبالنصر ، هذه المعية الخاصة لها ثمن ، قال الله :

    ﴿ وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ ﴾ .
    ( سورة المائدة الآية : 12 ) .
    المعية الخاصة لها ثمن ، وقال الله :
    ﴿ وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ ﴾
    الثمن أن تقيم الصلاة ، وأن تؤتي الزكاة ، وأن تصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنْ في حياته ، أو بعد موته ، عن طريق تطبيق السنة .
    ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَان ِ﴾
    إذا دعاني حقاً ، إذا دعاني مخلصاً ، إذا اتكل عليّ ، ولم يكن الدعاء شكلياً ، ولا أجوف ، دعاني وهو موقن أنني قادر على إجابته .

    9 – شروط الدعاء المستجاب :

    لذلك الدعاء يحتاج إلى عناصر ،أول عنصر أن توقن أن الله يسمعك ، موجود أولاً ، ويسمعك ثانياً ، وهو قادر على تحقيق دعائك ثالثاً ، وهو يحب أن يرفعك رابعاً فهو موجود ، ويسمع ، وقادر ، ويحبك ، لذلك قال تعالى :

    ﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾ .
    ( سورة الفرقان الآية : 77 ) .
    أي لا يكترث الله بكم لولا أنكم تدعونه ، لأن الدعاء هو العبادة .
    ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
    من أجل أن يكون عبادي مستجابي الدعوة ، من أجل أن تكون أيها المؤمن مستجاب الدعوة ، من أجل أن يكون الدعاء سلاحك ، من أجل أن تكون أقوى الناس بالدعاء استجب لله بعد أن تؤمن به ، آمن به أولاً ، واستجب له ثالثاً ، عندئذٍ تغدو مستجاب الدعوة .
    إذا آمنوا واستجابوا واخلصوا في دعائهم لعلهم يكونون من مستجابي الدعوة ، وهو مقام كبير ، ومن سلّم الإيمان ، فلان مستجاب الدعوة .
    إلا أن العلماء استثنوا إنسانين من وجوب تحقق شروط الدعاء ، المضطر يستجيب الله له ، ولو لم يكن أهلاً للدعاء ، يستجيب له لا بأهليته ، ولكن برحمته ، والمظلوم يستجيب الله له لا بأهليته ، ولكن بعدله .
    ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ .
    أيها الإخوة ، الله عز وجل قريب من كل مخلوق ، ولا تخفى عليه خافية ، والله عز وجل قريب من كل مؤمن ، بمعنى أنه يستجيب لك .

    10 – الاعتداء والمعصية مانع من استجابة الدعاء :

    الآية الأخرى :

    ﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ .
    ( سورة الأعراف ) .
    مستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون معتدياً على خلق الله ، وتقول : له يا رب استجب لي ، لأن الله عز وجل من خلال هذه الآية يقول لك : لن أستجيب لك ، لأنك من المعتدين ، ولن تستطيع أن تسأل الله إلا إذا كنت محسناً ، لذلك :

    ﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ .
    ( سورة الأعراف ) .
    الذي وقع في مخالفة شرعية ، وفي أكل مال حرام ، وفي تقصير في العبادات لا يستطيع أن يدعو الله ، يدعو الله شكلاً بلسانه ، لكن قلبه محجوب عن الله عز وجل ، وأكبر عقاب يعاقب به الإنسان أنه يحجب عن الله عز وجل .

    ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾ .
    ( سورة المطففين ) .
    تروي الكتب أن شابا له شيخ ، سمع من شيخه هذه المقولة : إن لكل معصية عقاباً ، فزلّت قدمه يومًا ، فبحسب مقولة الشيخ هو ينتظر العقاب ، مضى يوم ، يومانا ، أسبوع أسبوعان ، لم يحدث شيء ، صحته طبيعية ، بيته ، أولاده ، زوجته ، مركبته ، القصة رمزية ، في أثناء المناجاة ، قال : يا رب لقد عصيتك فلم تعاقبنِي ، قال : قوقع في قلبه أن يا عبدي لقد عاقبتك ولم تدرِ ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ ألا تكفيك ذلك ؟.
    المؤمن له صلة بالله ، يسعد بهذه الصلة ، فإذا زلت قدمه يحجب عن الله .
    الآن الأب العظيم ، المربي الحكيم ، لا يحتاج إلى أن يضرب ابنه إطلاقاً ، يكفي أن يُعرض عنه ، يحترق الابن ، يكفي أن تسكت ، يكفي ألا تنظر إليه ، وهو على مائدة الطعام يكفي ألا تصغي إليه ، فتحرقه .
    لذلك قالوا : من أطاع عصاك فقد عصاك ، يعني الذي لا يطيعك إلا إذا هددته فهو من أعدائك ، أما المحب فيخاف على محبة محبوبه .
    لذلك أكبر شيء يدفع المؤمن إلى طاعة الله أنه يخاف أن تنقطع الصلة بينه وبين الله ، لماذا يستقيم ؟ لماذا يحاول أن يكون ورع تماماً ؟ لماذا يطبق الأمر تماماً ؟ لأنه ينعم بصلة بالله هي أثمن ما في الحياة .
    لذلك قال بعض العلماء : " مساكين أهل الدنيا ، جاؤوا إلى الدنيا وغادروها ولم يذوقوا أطيب ما فيها ، إنها الصلة بالله " .
    وهذا العالم نفسه قال : " ماذا يفعل أعدائي بي ؟ بستاني في صدري ، إن أبعدوني فبإعادي سياحة ، وإن حبسوني فحبسي خلوة ، وإن قتلوني فقتلي شهادة ، فماذا يصنع أعدائي بي ؟ بستاني في صدري " .
    وقد قال هذا العالم أيضاً : " في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة " .
    وبعضهم قال :

    ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ .
    ( سورة الرحمن ) .
    جنة في الدنيا ، وجنة في الآخرة .
    إذاً : مساكين أهل الدنيا ، جاؤوا إلى الدنيا وغادروها ، ولم يذوقوا أطيب ما فيها إنها جنة القرب من الله عز وجل ، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى :

    ﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ .
    ( سورة محمد ) .
    ذاقوا طعمها في الدنيا .

    11 – ليس مع الاتصال بالله شقاء :

    والله أيها الإخوة ، مع الاتصال بالله ليس هناك شقاء أبداً ، في أي ظرف ، في أي مكان ، في أي بلد ، في أي نظام ، في أي ثقافة ، في أي ضغوط ، إن كنت مع الله كان الله معك ، إن كنت مع الله كنت في حماية الله .
    أطع أمـرنا نرفع لأجلك حجبنا فإنا منحنا بالرضا مـن أحـبنا
    و لذ بحمانا واحـــتمِ بجنابنا لنحميك مما فيه أشرار خـلقنا
    وعن ذكرنا لا يشغلنـك شاغل وأخلص لنا تلقى المسرة والهنا
    وسلم إلينا الأمر في كل ما يكن فما الـقرب والإبعاد إلا بأمرنا
    أيها الإخوة ، القرب إما قرب علم لكل الخلق ، أو قرب إكرام بالمؤمنين ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ ، أي أنا معك .

    ﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ .
    ( سورة طه ) .
    أحيانا لا يكون هناك تناسب إطلاقاً ، شرذمة قلية مضطهدة ، تعامل معاملة في الدرجة العاشرة ، ليس لها أي حق ، عليها كل واجب ، شرذمة قليلة ، وفرعون بجبروته وقوته ، وحقده ، وأسلحته ، وإصراره على سحق هؤلاء ، لا تناسب .
    ﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ .
    سيدنا موسى وأخوه .
    ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ .

    ﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ .
    ( سورة طه ) .

    سيدنا موسى مع أصحابه .

    ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ .
    ( سورة الشعراء ) .

    انتهينا ، كم يقول من المسلمين الآن : انتهينا ؟ يقول : قوى الأرض تحاربنا ، العالم كله يحاربنا ، انتهينا .

    ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ .
    ( سورة الشعراء ) .
    والله أيها الإخوة ، أخشى ما أخشاه أن تضعف الهمم من الداخل ، أن نهزم من الداخل ، من الخارج لا قيمة لهذا الذي يجري ، إن شاء الله سحابة صيف .

    ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾ .
    ( سورة الأعراف الآية : 34 ) .
    وينتهي أجل هؤلاء ، ويحق الله الحق ، ويبطل الباطل ، لكن الخطر أن نهزم من الداخل .
    إذاً :
    ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ .

    12 – الله قريب فادعوه :

    إخواننا الكرام ، النعمان بن البشير رضي الله عنهما قال : قال عليه الصلاة والسلام :
    (( الدعاء هو العبادة )) .
    وقرأ :

    ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾
    ( سورة غافر الآية : 60 ) .
    فقال أصحابه : يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه فنزلت :
    ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ .

    13 – المحسن قريب من الله :

    هذا عن قرب الله منك ، القرب الذي يعلمك سرك ونجواك ، وعن قرب الله القرب الذي يكرمك ، بالتوفيق ، والتأييد ، والنصر ، فماذا عن قربك منه ؟ هو قريب منك ، هل أنت قريب منه ؟ متى تقترب من الله ؟ اسمعوا الحديث الشريف ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
    (( السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنْ اللَّهِ ، قَرِيبٌ مِنْ الْجَنَّةِ ، قَرِيبٌ مِنْ النَّاسِ ، بَعِيدٌ مِنْ النَّارِ ، وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ ، بَعِيدٌ مِنْ الْجَنَّةِ ، بَعِيدٌ مِنْ النَّاسِ ، قَرِيبٌ مِنْ النَّارِ ، وَلَجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَالِمٍ بَخِيلٍ )) .
    [ الترمذي ]

  4. #64

    افتراضي

    ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

    إن كنت محسناً فأنت قريب من الله ، الإحسان المطلق ، أن تحسن في بيتك ، النبي عليه الصلاة والسلام يستوصيك بالنساء خيراً ، أن تحسن إلى أولادك ، أن تحسن إلى جيرانك ، أن تحسن في عملك ، أن تقدم شيء جيد بسعر معتدل ، بمعاملة طيبة ، الإحسان واسع جداً .
    (( إنَّ اللَّهَ تَعالى كَتَبَ الإِحْسانَ على كُلَ شَيْءٍ ، فإذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ )) .
    [ رواه مسلم عن شَدَّادِ بن أوسٍ رضي اللّه عنه ] .
    صفة المؤمن أنه محسن ، وصفة غير المؤمن أنه مسيء ، وشتان بين الإحسان والإساءة ، فعمله يقيم إجمالاً ، ففي كلامه محسن ، في ابتسامته محسن ، في أخلاقه محسن ، مع أقرب الناس له ، مع زوجته محسن ، مع أولاده محسن ، مع بناته محسن ، فكأن المؤمن في قلوب الخلق ، هذا معنى قوله تعالى للتقريب :

    ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾ .
    ( سورة النحل الآية : 120 ) .
    هناك إنسان ليس له عمل صالح أبداً ، الناس يستوحشون منه ، وهناك إنسان الناس جميعاً يحبونه .
    لذلك من علامة حب الله لك أن يلقي محبتك في قلوب الخلق .
    ينادى له في الكون أنا نحبه فيسمع من في الكون أمر محبنا
    وهذا معنى قوله تعالى :

    ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً﴾ .
    ( سورة طه الآية : 39 ) .
    يعني جعلت الخلق يحبونك ، وهناك إنسان مبغوض ، لا يحبه أحد ، متكبر ، أناني ، يحب ذاته ، يحب أن يأخذ لا أن يعطي ، يحب أن يستعلي لا أن يتواضع .
    فلذلك صفات المؤمن تؤهله أن يكون محبوباً عند كل الخلق .
    اسم الله ( القريب ) أيها الإخوة ، أي يجب أن يكون قريباً من المؤمن ، لأنه معك ، تسأله فيجيبك ، تتقرب منه فيقبلك ، تستعين به فيعينك ، تتوكل عليه ، فهو حسبك ، ونعم النصير ، لذلك من عرف الله عرف كل شيء .
    (( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء )) .

    والحمد لله رب العالمين

  5. #65
    تاريخ التسجيل
    6 - 2 - 2009
    ساكن في
    فى اى حته تلاقينى
    المشاركات
    431
    النوع : انثيEgypt

    افتراضي

    متابعه حضرتك
    جزاكم الله خيرا

  6. #66

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بريق النجوم مشاهدة المشاركة
    متابعه حضرتك
    جزاكم الله خيرا


    يتبع مع اسم الله الجواد


  7. #67

    افتراضي

    اسم الله : الجواد(1)

    1 –

    1- ورودُ اسم ( الجواد ) في السنة النبوية :

    وقد ثبت هذا الاسم في السنة الشريفة ، فقد سمّى النبي صلي الله عليه وسلم ربه علي سبيل الإطلاق ( الجواد ) مرادا به العالمية ، ودالاً على كمال الوصفية ، فقد ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنه :
    أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :
    (( إن الله جل جلاله جواد يحب الجود ، ويحب معالي الأخلاق و يكره سفاسفها )) .
    [ أخرجه البيهقي عن ابن عباس ]

    2 – نعمةُ الوجود وتسخيرُ الكون من لوازم اسمِ ( الجواد ) :

    وبادئ ذي بدء ، الله عز وجل كل هذا الكون منحة منه ، وأنت أيها الإنسان منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، هذا الكون سخره لك ، لأن الله سبحانه وتعالى عرض الأمانة على المخلوقات في عالم الذر ، قال تعالى :

    ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
    ( سورة الأحزاب الآية : 73 )

    ولأن الإنسانَ قَبِل حمل الأمانة ، ولأنه قال : يا رب أنا لها ، استحق أن تُسخّر له السماوات والأرض .


    ﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾
    ( سورة الجاثية الآية : 13 )


    ولا شك أن المُسخَّر له أفضل عند الله من المُسَخَّر ، فأنت أيها الإنسان المخلوق المكرَّم ، لمّا قبِلتَ حمل الأمانة جعلك الله المخلوق المكرَّم .
    قال الإمام علي : << رُكِّب الملَك من عقلٍ بلا شهوة ، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان >> .
    إذاً : وجودنا على وجه العالم منحة من الله ، هذه المنحة اقتضت أن نُكلف أن نعبده فعلة وجودنا على وجه الأرض أن نعبد الله ، قال تعالي :

    ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ .
    ( سورة الذاريات ) .


    هذه علة وجودنا .
    حينما تذهب إلى بلد لتنال الدكتوراه ، وهذا البلد كبير فيه حدائق ، فيه وزارات ، فيه ملاهٍ ، فيه دور سينما ، فيه متاحف ، فيه أسواق ، أنت في هذا البلد لك هدف واحد ، علة وجودك في هذا البلد أن تنال الدكتوراه ، وعلة وجود الإنسان في هذا الأرض أن يعبد الله ، الدليل :
    ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

    كلُّ شيء يقرِّب من الله فهو مشروعٌ :

    أيها الإخوة ، ما دامت علة وجودنا أن نعبد الله فأيّ شيء في الكون يقربك من الله مشروع ، وأي شيء في الكون يبعدك عن الله غير مشروع ، هذه حقيقة كبرى .
    لو أن الطالب ذهب إلى بلد ليدرس فأيّ شيء يقرّبه من تحقيق هدفه مشروع ، وأي شيء يبعده عن هدفه غير مشروع .
    لذلك أيها الإخوة الكرام ، نحن في أمسّ الحاجة إلى فهم هذا المعني الدقيق :
    ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
    الإنسان هو المخلوق المكرَّم ، فإذا عرف الله ، واستقام على أمره سبق الملائكة المقرَّبين ، وإذا غفل عن الله ، وتفلت من منهجه انحط إلى أسفل سافلين .

    الناس صنفان لا ثالث لهما :


    هؤلاء البشر أيها الإخوة ، على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتمائهم ، وأعرافهم ، وأنسابهم ، ومذاهبهم ، وطوائفهم ، واتجاهاتهم ، وأطيافهم ، هم عند الله رَجُلان لا ثالث لهما : رجل عرف الله فانضبط بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه ، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة ، ورجل غفل عن الله ، وتفلت من منهجه فشقي ، وهلك في الدنيا والآخرة ، ولا تجد نموذجا ثالثا ، هذا تقسيم رب السماوات والأرض .

    ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
    ( سورة الليل )
    هذا النموذج الأول :
    ﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
    صدّق أنه مخلوق للجنة ، فلما صدّق أنه مخلوق للجنة اتقى أن يعصي الله ، فلما اتقى أن يعصي الله بنى حياته على العطاء ، فهذه خصائص ثلاث : صدق بالحسنى ، والحسنى هي الجنة ، واتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء ، هي خصائص المؤمن ، جعل الآخرة أكبر همه ، وجعلها مبلغ علمه ، وجعلها منتهى آماله ، ومحط رحاله ، فنقلَ اهتماماته كلها إلى الآخرة ، عندئذٍ اتقى أن يعصي الله ، عندئذٍ أراد أن يدفع ثمن الجنة ، وثمن الجنة هو العمل الصالح .

    الإنسان يسلَم بالاستقامة و يسعد بالعمل الصالح :


    كما هو معلوم أن الإنسان بالاستقامة يسلم ، لكن بالعمل الصالح يسعد .


    ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
    ( سورة فصلت الآية : 20 )
    لكن :


    ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
    ( سورة فصلت )
    بالاستقامة يسلم ، وبالعمل الصالح يسعد .
    لذلك أيها الإخوة ، إن الله جل جلاله ( جواد ) ، منح الخلائق الوجود ، فأنت موجود ، ووجودك منحة من الله ، لكن هذا الذي لا يفقه حقيقة وجوده إنسان شارد ، لماذا أوجدك ؟ ليسعدك .

    ﴿ إ لاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ .
    ( سورة هود الآية : 119 ) .
    خلقهم ليسعدهم ، خلقهم ليرحمهم ، خلقهم ليسلمهم ، خلقهم ليجعل لهم جنتين : جنة في الدنيا وجنة في الآخرة .

    3 – لابد من التخلُّقِ بصفة الجود :

    إن الله جل جلاله ( جواد ) ، يحب الجود ، ولا أزال أركز على هذه النقطة ، يمكن أن تعبد الله بأن تتخلق بكمال مشتق من كماله ، هو ( جواد ) ، يحب الجود ، يحب العطاء ، فالمؤمن يبني حياته على العطاء .
    أيها الإخوة ، دققوا : تقسيمات الأرض لا تنتهي ، دول الشمال ، دول الجنوب ، العرق الآري ، العرق الملوّن ، الأغنياء ، الفقراء ، الأقوياء ، الضعفاء ، الأصحاء ، المرضى ، تقسيمات البشر لا تنتهي ، أما البطولة فأن تعتمد تقسيمات خالق البشر ، خالق البشر عنده مؤمن أو كافر ، مستقيم أو منحرف ، يعطي أو يأخذ ، ينصف أو يجحد ، يصدق أو يكذب ، فإن الله ( جواد ) يحب الجود ، فإذا أردت أن تتقرب إلى الله تخلق بالكمال الإلهي .
    لذلك الأنبياء جاؤوا إلى الدنيا فأعطوا ولم يأخذوا ، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا .
    دقق ، في حياة المؤمن يحب أن يدعو إلى الله ، يحب أن ينفق ماله ، ووقته ، وخبرته ، وجهده ، بنى حياته على العطاء ، بالتعبير المعاصر استراتيجيته العطاء ، يعطي وهو في قمة السعادة ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء عاش الناس لهم ، الأنبياء عاشوا للناس ، الأنبياء ملَكوا القلوب ، الأقوياء ملكوا الرقاب ـ ودقق ـ الناس جميعاً من دون استثناء تبع لقوي أو نبي ، اسأل نفسك هذا السؤال : أنت لمن ؟ هل أنت تابع للأقوياء ؟ معك صلاحية ؟ تحتل منصبا ؟ قوي ؟ غني ؟ متبحر في العلم ، هذا التبحر يدر عليك دخلاً كبيراً ؟ أنت إذاً تابع للأقوياء .
    هل أنت مؤمن ؟ تعطي من وقتك ، من خبرتك ، من جهدك ، من معلوماتك ، فإذا أسعدك أن تعطي فأنت من أهل الآخرة ، وإذا أسعدك أن تأخذ فأنت من أهل الدنيا ، ببساطة بالغة يمكن أن تقيّم نفسك ما إذا كنت من أهل الدنيا أو من أهل الآخرة ، فما الذي يُسعِدك أن تعطي أو أن تأخذ ؟ إن الله ( جواد ) يحب الجود .

    ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها :


    دقق الآن ، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها .
    عَنِ الْمُغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
    (( إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا ، قِيلَ وَقَالَ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ )) .
    [ متفق عليه ]
    هناك إنسان ذو هموم عالية جدا ، وهناك إنسان تافه .

    ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾
    ( سورة الكهف )
    ما له وزن ، هؤلاء لهم :


    ﴿ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ ﴾
    ( سورة الأنعام الآية : 124 )
    لا يبالي الله بأي أودية الدنيا هلك الإنسان الشارد ، لأنه غارق في ملذاته ، غارق في سفاسف الأمور ، في أشياء لا تقدم ولا تؤخر ، ما هو الضابط في هذا ؟
    حينما تُقبل على شيء فهذا الشيء هل يصل معك إلى القبر ؟ أم يبقى عند شفير القبر ؟ هذا هو الضابط .
    هناك إنسان يعتني ببيته عناية بالغة ، لم يرتكب معصية ، لكن هذه العناية البالغة التي امتصت كل وقته ، هل تكون معه في القبر ؟ لا ، لكن العمل الصالح يدخل معه في القبر .

    يجب أن تكون الرؤية صحيحة موافقة للشرع :


    أيها الإخوة الكرام ، القضية قضية مهمة جداً ، أنا ما الذي ينفعني في المستقبل ؟ عمل صالح ، طاعة لله ، تلاوة للقرآن ، دعوة إلى الله ، تربية للولد ، إعطاء من المال ، ما الذي يدخل معي في القبر ؟ هذه الأعمال .
    إنّ الإنسان حينما يأتيه ملك الموت يقول :


    ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾
    ( سورة المؤمنون الآية : 100 )
    البطولة ألا تندم ، متى لا تندم ؟ إذا عملت لأُخراك ، و متى تندم ؟ إذا عملت لدنياك ، لأن الدنيا تغر وتضر وتمر .


    ﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾
    ( سورة لقمان )
    الدنيا تغر ، كيف ؟ تظنها بحجم أكبر من حجمها ، هذا الحجم الكبير في مقتبل الحياة ، بعد حين تراها بحجم أقلّ من حجمها ، لكنك عند مغادرة الدنيا لا ترى الدنيا شيئاً ، لا ترى إلا الله .
    البطولة أن تصح رؤيتك وأنت في مقتبل حياتك حتى يأتي عملك صحيحاً .
    (( يحب الله معالي الأخلاق و يكره سفاسفها )) .
    دقق : أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ )) .
    [ الترمذي ]
    لذلك :
    (( إن الله جل جلاله جواد يحب الجود ، ويحب معالي الأخلاق ، و يكره سفاسفها )) .
    ورد في الحديث القدسي الصحيح :
    (( أن الجن والإنس في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي خيري إلي العباد نازل ، وشرهم إليّ صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض منهم عني ناديته من قريب )) .
    [ الجامع الصغير عن أبي الدرداء بسند ضعيف ]
    وفي الحديث القدسي عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ :
    (( يَا عِبَادِي ، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا ، فَلَا تَظَالَمُوا ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي ، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، فَسَأَلُونِي ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ )) .
    [ أخرجه مسلم ]
    هذا منهج ، فإنْ جاءت الأمور كما تحب فيجب أن تحمد الله عز وجل ، وإن جاءت على غير ما تحب فلا تلومنّ إلا نفسك .

    ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ .
    ( سورة الشورى ) .
    الإنسان حينما يفقه حكمة المصيبة ينضبط ، حينما تفهم على الله فتنة المصيبة تكون قد قطعت أربعة أخماس الطريق إلى الله عز وجل .

    إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ :


    أيها الإخوة ، روي الترمذي في سننه من حديث سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
    (( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ )) .
    [ الترمذي ]
    إذا قدمت صدقة فلتكن من أطيب مالك ، إذا قدمت هدية لتكن من أطيب الهدايا ، لأن ((اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ )) .
    هؤلاء الذين ينفقون شيئاً يكرهونه ، ينفقون طعاماً تعافه أنفسهم ، هؤلاء لا يتقربون إلى الله بهذا الشيء :
    (( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ )) .

  8. #68

    افتراضي

    النظافة الأخلاقية في الإسلام :


    (( نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ )) .
    النظافة من الإيمان ، هناك نظافة جسمية ، ونظافة نفسية ، هناك إنسان صادق ، أمين .
    ما أروع ما قاله سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما سأله النجاشي عن الإسلام ، وعن نبي الإسلام ، قال :
    (( أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ ، وَصِدْقَهُ ، وَأَمَانَتَهُ ، وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالصِّيَامِ ... )) .
    [ أحمد عن أم سلمة ]
    هذه هي الجاهلية الأولي ، قال تعالى :


    ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾
    ( سورة الأحزاب الآية : 33 )
    نفهم من هذه الآية أن هناك جاهلية ثانية ، هي أمرّ وأدهى ، يوم يؤتمن الخائن ، ويخوَّن الأمين ، يصدَّق الكاذب ، ويكذَّب الصادق ، يضام الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، موت كقعاص الغنم كما ترون ، لا يدري القاتل لمَ يَقتُل ؟ ولا المقتول فيمَ قُتِل .
    (( يوم يكون المطر قيظا ، والولد غيظا ، ويفيض اللئام فيضا ، ويغيض الكرام غيضا )) .
    [ رواه ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة ]
    هذه الجاهلية الثانية ، الجاهلية الأولى التي قال عنها سيدنا جعفر : (( أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ ، وَصِدْقَهُ ، وَأَمَانَتَهُ ، وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالصِّيَامِ ... )) .
    ـ دقق ـ إنْ حدثك فهو صادق ، وإن عاملك فهو أمين ، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف ، هذه هي صفات المؤمن ، هذه أركان الاستقامة ، إن عاملك فهو أمين ، إن استثيرت شهوته فهو عفيف ، وتاج ذلك : نعرف نسبه ، فدعانا إلى الله لنعبده ، ونوحده ونخلع ما كان يعبد آبائنا من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء .
    هذا هو الإسلام ، الإسلام مجموعة قيم أخلاقية ، أما حينما أقول : بني الإسلام علي خمس ، الخمس شيء ، والإسلام شيء آخر ، بني الإسلام ، الإسلام مجموعة قيم أخلاقية ، الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان .

    ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ .
    ( سورة القلم )
    لا تُقبل الشعائر إلا بصحة المعاملات :


    ما لم تكن أخلاقك صارخة ، ما لم يكن التواضع ، والحب ، والرحمة ، والصدق ، والأمانة ، والكرم ، والعطاء ، والعفو ، والحلم فلا ترقى إلى مستوى المؤمنين ، أما الصلاة والصيام والحج فهذه عبادات شعائرية ، لكن الأصل العبادة التعاملية ، بل إن العبادة الشعائرية لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادة التعاملية ، لذلك قال بعض العلماء : ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام ، فالصلاة عبادة شعائرية .
    عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
    (( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا )) .
    [ ابن ماجه ]
    انتهت الصلاة .
    الصوم :
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ ، وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ )) .
    [ أخرجه أحمد و البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة ]
    الحج :
    (( من حج بمال حرام ، وقال : لبيك اللهم لبيك ينادى : أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك )) .
    [ سلسلة الأحاديث الضعيفة ]
    الزكاة :

    ﴿ قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ .
    ( سورة التوبة ) .
    العبادات الشعائرية لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية .
    فلذلك :
    (( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ ، فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ ـ ساحات دوركم ـ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ )) .
    [ الترمذي ]

    مسكُ الختام :


    ملخص الملخص : يجب أن تتخلق بكمال مشتق بكمال الله .

    ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
    ( سورة الأعراف الآية : 180 )
    لا تقِس نفسك بالصلاة ، قس نفسك بالكمال ، هل أنت جواد ؟ هل أنت صادق ؟ هل أنت أمين ؟ هل أنت متواضع ؟ هل أنت محسن ؟ هل أنت منصف ؟ هذا يرفعك عند الله ، إذا ضُمَّ إلى عبادتك الشعائرية نجحت ، وأفلحت ، وفزت .


    والحمد لله رب العالمين

  9. #69

    افتراضي

    اسم الله : الجواد(2)

    1 –

    1-معنى الجواد :

    أيها الإخوة الكرام ، لازلنا في اسم الله ( الجواد ) ، والجواد من الجود ، والجود أن تأتي بالجيد من القول والعمل ، الله عز وجل صاحب الأسماء الحسنى :

    ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
    ( سورة الأعراف الآية : 180 )

    المؤمن حسَنُ الأخلاق :


    بشكل منطقي وحتمي الذي يتصل بصاحب الأسماء الحسنى يجب أن يكون أخلاقيا ، يعني الصفة الصارخة في المؤمن أنه إنسان أخلاقي ، وإن صح التعبير كلمة الإيمان مرتبة ، مرتبة علمية ، ومرتبة أخلاقية ، ومرتبة جمالية ، المؤمن صادق لأنه موصول بالله عز وجل ، يشتق منه الكمال ، المؤمن أخلاقي ، هذا المعنى ورد عن ابن القيم رحمه الله فقال : " الإٍيمان هو الخلق ، فمَن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان " .
    لا تصدق أن يكون المؤمن مؤمناً إن لم يكون أخلاقيا .
    فلذلك أيها الإخوة ، الجواد من الجود ، والجود أن تأتي بالقول الحسن والخلق الحسن ، والفعل الحسن ، والجود أيضا هو الكرم ، فالجواد معطاء سخيّ ، تسخُو نفسه في العطاء ، ويرتاح للعطاء .
    هكذا الله عز وجل خلق الخَلقَ ليرحمهم ، قال تعالى :


    ﴿ إ لاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
    ( سورة هود الآية : 119 )
    خلقهم ليرحمهم ، خلقهم ليسعدهم .
    إذاً المعنى الأول : الجود من أتى بالجيّد من القول والعمل ، والجود هو الكرم العطاء .

    2 – من صفات المؤمن الجود والعطاء :

    لذلك الصفة الأولى للمؤمن : أنه يعطي ، يبني حياته على العطاء ، يشعر بالتفوق إذا أعطى ، يشعر بالنجاح إذا أعطى ، وإن أردت مقياسا دقيقا للمؤمن فالمؤمن يعطي ، وغير المؤمن يأخذ ، واسأل نفسك هذا السؤال الصعب : ما الذي يسعدك أن تعطي أم أن تأخذ ؟ المؤمن يسعده أن يعطي ، يعطي من وقته ، يعطي من ماله ، يعطي من جاهه ، يعطي من خبرته ، لأنه يعلم علم اليقين أنه إذا أعطى فإن الله سبحانه وتعالى سيغمره بالفضل ، هو ذكي جدا ، وفي نظر غير المؤمن يبدو المؤمن ليس ذكيا لأنه يعطي ، والطرف الآخر يأخذ .
    لذلك أقول دائما : الأقوياء يأخذون ، والأنبياء يعطون ، والناس جميعاً تبعٌ لقوي أو نبي ، لأنك مؤمن فأساس حياتك العطاء ، تعطي بسخاء ، وتعطي بغير حساب ، ولا تسعد إلا إذا أعطيت ، تعطي كل شيء منحك الله إياه ، تبذله للناس ، والله عز وجل عدّ أيّ عطاء من قِبَل المؤمن لأيّ مخلوق قرضًا له ، قال تعالى :


    ﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾
    ( سورة البقرة الآية : 245 )
    والله الذي لا إله إلا هو مِن حِكمِ الله العظمى أنك إذا أعطيت كافأك في الدنيا قبل الآخرة ، يعطيك عطاء يخجلك في الدنيا ، لأنه أكرم الأكرمين .
    لذلك ( الجواد ) من الجود ، والجود أن تأتي بالجيد من القول والفعل ، أو الكرم العطاء ، السخاء ، الأريحية ، ورجل جواد أيْ كثير العطاء .

    3 – الجودُ بالنفس أقصى غاية الجود :

    لكن الجود بالنفس أن تلزم نفسك بالجهاد في سبيل الله ، والجهاد في سبيل الله أقصى غاية الجود ، والجود بالنفس أقصى غاية الجود .
    لذلك الحديث عن الشهداء :


    ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾
    ( سورة آل عمران )
    الشهيد بذل أثمن ما يملك ، بذل حياته .
    لكن كتعليق سريع كي تعرفوا خطورة حقوق العباد : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
    (( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ )) .
    [ أخرجه أحمد و مسلم عن ابن عمرو ]
    الشهيد بذل حياته لله ، حقوق العباد مبنية على المشاححة ، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة .

    4 – أعطِ مما أعطاك الله :

    أيها الإخوة ، في صحيح البخاري من حديث أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول حينما جاءه رسول إحدى بناته ، برسالة أن ابنها يجود بنفسه ، سيغادر الحياة ، فقال عليه الصلاة والسلام ، وقد بعث إليها بالرسالة :
    (( إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى )) .
    [ متفق عليه ]
    هذا كلام جامع مانع .
    لذلك في بعض الأدعية عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ :
    (( اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ ، اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ ، اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ )) .
    [ الترمذي ]
    يا رب وفقني أن أجعل هذا الذي منحتني إياه في سبيلك ، وهذا مستنبط من قوله تعالى :


    ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾
    ( سورة القصص الآية : 77 )
    آتاك علماً فابتغِ به الدار الآخرة ، آتاك فخلقاً فابتغِ به الدار الآخرة ، آتاك فصاحة فابتغِ بفصاحتك الدار الآخرة ، آتاك مالاً ، آتاك جاهاً ، آتاك خبرة ، آتاك وسامة ، أيّ شيء آتاك الله به فابتغِ .
    أيها الإخوة ، المؤمن يوظف كل ما أعطاه الله في سبيل الله .
    يروى أن رجلا من علماء القلوب سأله رجل عن الزكاة ، فقال : عندنا أم عندكم ؟ قال : سبحان الله ! ما عندنا وما عندكم ؟ قال : عندكم الزكاة ربع العشر ، أما عندنا فالعبد وماله لسيده ، وهذا مأخوذ من قوله تعالى :


    ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
    ( سورة الأنعام )
    قمة العقل والذكاء أن تعطي مما أعطاك الله ، لذلك :
    (( إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى )) .
    (( اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ )) .
    كنت تتمنى بيتاً غير هذا البيت ، هذا البيت الذي منحك الله إياه ، كنت تتمنى زوجه غير هذه الزوجة .
    (( اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ )) .
    إذًا هناك شيء تحبه ، وما سمح لك أن تأخذه ، فالفراغ الناشئ عن انشغالك به هو ليكنْ في سبيل الله .
    الإنسان يطمح أن يكون ذا دخل غير محدود ، لكن مشيئة الله ولحكمة بالغة ، جعله ذا دخل محدود ، فالمال الذي كان يمكن أن يشغله عن الله ، والوقت الناتج عن عدم انشغاله بهذا المال ليكنْ في سبيل الله ، ليطلب العلم .
    إذاً :
    (( إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى )) .
    (( وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ )) .
    (( الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن )) .
    [ الجامع الصغير عن أبي هريرة بسند فيه مقال ]
    الإيمان بالقدر نظام التوحيد .

    ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾
    ( سورة الشعراء )
    قال :
    (( وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ )) .
    [ رواه مسلم عن أُسامة بن زيد رضي اللّه ]
    معنى تحتسب أي فلتكتفِ بنصيب الصبر كأجر من الله عز وجل .

    5 – من معاني الجود : سهولة البذل والعطاءِ :

    من معاني الجود : سهولة البذل ، أحياناً الشحيح تقنعه ، تأتيه بالأدلة ، ترجوه ، تتوسل إليه أن يساهم بمشروع خيري ، بصعوبة بالغة ، بجهد جهيد ، ثم يعطيك النزر القليل ، لكن من معاني الجود : سهولة البذل والإنفاق ، وتجنب مالا يحمد من الأخلاق ، ويكون العبادة المتقنة ، ومن ثمرتها الجود .
    أنا لا أصدق أن ترى مؤمنا شحيحاً ، لا أصدق أن ترى مؤمناً جباناً ، البخل والجبن يتناقضان مع أخلاق المؤمن ، المؤمن كريم وشجاع ، كريم لأنه يرى المعطي .
    (( أنفق بلال ، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا )) .
    [ رواه الطبراني ، عن ابن مسعود ]
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِي :
    (( أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ )) .
    [ متفق عليه ]
    والمؤمن شجاع ، يرى أن له عند الله أجلاً لا يتقدم ولا يتأخر ، وقد قالوا : " كلمة الحق لا تقطع رزقا ، ولا تقرِّب أجلاً " .
    أيها الإخوة ، يكون الجود باشتقاق هذا الكمال من الله ، الاتصال ـ دققوا في هذا المعنى ـ لا يمكن أن تتصف بالرحيم إلا وأن تشتق منه الرحمة ، لا يمكن أن تتصل بالغني إلا وتشتق منه الغنى ، المؤمن عنده غنى ، عفيف ، لا يتضعضع أمام الغني .

    6 – المؤمن عفيف :

    ورد في الأثر: " من جلس إلى غني فتضعضع له ، يعني تمسكن أمامه ، ذهب ثلثا دينه .
    المؤمن عفيف يؤمن أن الله لا ينساه من فضله ، والله مرة زارني إنسان قدمت له ضيافة قطعة حلوى ، فقطع أول لقمة وقبل أن يضعها في فمه قال : سبحان من قسم لنا هذا ولا ينسى من فضله أحدا ، كلمة ولا ينسى من فضله أحدا .
    كن له كما يريد يكن لك كما تريد ، عبدي أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما أريد ، كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد ، أتعبتك فيما أريد ، ثم ما يكون إلا ما أريد .
    (( اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها )) .
    [ أخرجه ابن عدي ، والديلمي عن أنس ]
    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
    (( مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ )) .
    [ ابن ماجه ]
    يا رب ماذا فَقَد مَن وجدك ؟ لم يفقد شيئا ، وماذا وجد مَن فَقَدك ؟ لم يجد شيئا ، وإذا كان الله معك فمَن عليك ؟ إذا كان الله معك سخر عدوك لخدمتك ، وإذا كان الله عليك تطاول عليك أقلُّ ما في الناس .
    لذلك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
    (( لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا ، وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي ، وَقَدْ اتَّخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا )) .
    [ متفق عليه ، واللفظ لمسلم ]
    الخليل هو الله .

    7 – يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ :

    يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
    (( يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ـ أي لا ينقصها ـ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ )) .
    وفي الحديث القدسي :
    (( يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، فَسَأَلُونِي ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ )) .
    [ أخرجه مسلم عن أبي ذر ]
    أيها الإخوة الكرام ، يجب أن نؤمن إيماناً قطعيا يقينياً أن الله إذا قنّن على عباده ، قنّن بالأمطار ، قنّن بالأرزاق فلا يمكن إلا أن يكون تقنين الله عز وجل تقنين تأديب لا تقنين عجز .
    لذلك أهل الدنيا يخيفون الضعاف ، هناك أزمة مياه بالعالم ، وأزمة غذاء ، هذا تخويف :

    ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾
    ( سورة الحجر )
    مرة اطلعت على بحث علمي أنه اكتشف في الفضاء الخارجي سحابة يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة في اليوم بالمياه العذبة ، ثم يقولون لك : حرب مياه ، تقنين الله عز وجل تقنين تأديب ، لا تقنين عجز ، أما نحن حينما لا تكفي الطاقة الكهربائية للاستهلاك في وقت الذروة نقطع الكهرباء ، قطع الإنسان للكهرباء تقنين عجز ، أما إذا قنن الإله فتقنينه تأديب ، وشتان بين التقنينين .
    (( يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ )) .

    8 – الله حكيم في عطائه عليم بمواضعه :

    لكن الشيء الدقيق الدقيق جداً ، أن الله سبحانه وتعالى عليم بموقع جوده ، فقد تجد إنسانا جوادا سخيا ، لكن يعطي عطاء عشوائياً ، من قال له كلمتين يعطيه ، بتحقيق أو من دون تحقيق ، يستحق ، أو لا يستحق ، هذا المال قد يستعين به على معصية ، أو على طاعة ، لكن ليس عنده معلومات دقيقة ، لكن الله سبحانه وتعالى وهو أحكم الحاكمين ، يأتي عطاءه بحكمة بالغة ، وباستحقاق ، وبحكمة ، وبخيرية .
    لكن هذا الشيء يذكرني أن النبي صلى الله عليه وسلم عقب بعض الغزوات استعرض الأسرى ، فقد كان من بين الأسرى امرأة وقفت وقالت : يا رسول الله ، هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن علي منّ الله عليك ، وخلِّ عني ، ولا تشمت بي أحياء العرب ، فإن أبي كان سيد قومي ، يفك العاني ، ويعفو عن الجاني ، ويحفظ الجار ويحمي الديار ، ويفرج عن المكروب ، ويطعم الطعام ، ويفشي السلام ، ويحمل الكَلَّ ، ويعين على نوائب الدهر ، وما آتاه أحد بحاجة فرده خائباً ، أنا سفانه بنت حاتم الطائي ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام :
    (( يا جارية ، هذه صفات المؤمنين حقاً ، ثم قال : ارحموا عزيز قوم ذل وغني افتقر ، وعالم ضاع بين الجهال )) .
    هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم :
    (( ارحموا عزيز قوم ذل وغني افتقر وعالم ضاع بين الجهال )) .
    فمنّ النبي عليها ، وأكرمها ، وحملها بما تحتاج ، وأرسلها إلى قومها ، فحينما رأت هذا العطاء وهذا الكرم ، استأذنته بالدعاء ، هنا الشاهد .
    [ ذكر هذه القصة ابن هشام في سيرته ، والطبري في تاريخه ]
    الله عز وجل كرمه بحكمة بالغة ، في موضوعه ، قالت سفانه : أصاب الله ببرك مواقعه ، ولا جعل الله لك إلى لئيم حاجة .
    سُئل أحدهم : ما الذل ؟ قال : أن تقف بباب اللئيم ثم يردّك .
    ما قال لا قط إلا في تشهده * لولا التشهد كانت لاءه نعم
    [ قول الفرزدق يصف به النبي عليه الصلاة والسلام ]
    المؤمن يخجل من كلمة ( لا ) ، بل يبذل كل ما عنده .
    لذلك استأذنته بالدعاء ، فقالت هذه المرأة التي منّ النبي عليها ، وأطلق سراحها وأكرمها ، وأرسلها إلى أهلها : أصاب الله ببرك مواقعه ، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة ، ولا سلب نعمة عن كريم قوم إلا جعلك سبباً في ردها ، ورجعت إلى أهلها ، والتقت مع أخيها الذي نسيها ، فوقعت أسيرة ، فقالت لأخيها عدي بن حاتم : ائتِ هذا الرجل ، فإني قد رأيت هدياً ، وسمتاً ، ورأياً يغلب أهل الغلبة ، ورأيت فيه خصالاً تعجبني ، رأيته يحب الفقير ، ويفك الأسير ، ويرحم الصغير ، ويعرف قدر الكبير ، وما رأيت أجود منه ، ولا أكرم منه ، وإن يكن نبياً فللسابق فضله ، وإن يكن ملكاً فلا تزال في عزّ مُلكه .
    الشاهد : أن الإنسان من علامات توفيق الله له أن يضع معروفه عند من يستحقه ، فقد تكرم إنسانا ، ثم يتنكر لك .
    أعلـمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني
    وكم علمته نظم القوافي فـلما قال قافية هجاني
    ***
    هذا هو اللئيم ، اللئيم يرد على الإحسان بالإساءة ، لكن الكريم يرد على الكرم بكرم كبير .

  10. #70

    افتراضي

    9 – من معاني الجواد : الطُّرُق :

    أيها الإخوة ، ( الجواد ) أيضاً : جمع جادة ، الطريق ، ( الجواد ) جمع جادة ؛ أي الطريق ، إذاً : الله جواد ، أي يهدينا إلى طريق سلامتنا ، يهدينا إلى طريق سعادتنا ، يهدينا إلى طريق سرورنا ، يهدينا إلى الجنة ، يهدينا إلى الإيمان .
    لذلك الله عز وجل بيّن في كتابه الحلال والحرام ، الخير والشر ، الحق والباطل ، طريق التوبة ، وطريق الاستغفار ، ما أمرك أن تتوب إليه إلا ليتوب عليك ، ما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك ، ما أمرك أن تعود إليه إلا ليقبلك ، رسم الطريق الموصل إليه ، أعطاك وسائل التقرب إليه ، أعطاك المال ، أعطاك الصحة ، أعطاك الشهوات ، الشهوات ترتقي بها إلى رب الأرض والسماوات ، أودع في نفسك حب المرأة ، امرأة لا تحل لك غضضت بصرك عنها ، ارتقيت ، تزوجت ، تأملت في امرأة تحل لك ، سعدت ، فشكرت ، فالشهوات ترقى بها مرتين ، ترقى بها شاكراً ، وترقى بها صابراً .
    إذاً : هو جواد هداك إلى طريقه ، إلى طريق يفضي إليه ، هداك إلى طريق طاعته ، هداك إلى طريق الجنة ، هداك إلى سلامتك ، هداك إلى سعادتك ، هذا معنى : ( الجواد ) ، أرشدك إلى الطريق ، فهو يهديهم :

    ﴿ سُبُلَ السَّلاَمِ ﴾
    ( سورة المائدة الآية : 16 )
    المؤمن في سلام مع نفسه ، ما عنده اختلال توازن ، ما بنى مجده على أنقاض الآخرين ، ما بنى غناه على إفقارهم ، ما بنى عزه على إذلالهم ، متوازن ، المؤمن في قلبه من الراحة النفسية ما لو وزعت على أهل بلد لكفاهم ، هذا معنى ( الجواد ) ، الله عز وجل قال :

    ﴿ وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ ﴾
    ( سورة يونس الآية : 25 )
    هذا الذي ترونه في العالم هذا مِن فعل الشيطان ، الله عز وجل يدعو إلى دار السلام ، الحروب ، والقتل ، والاجتياح ، والاعتقال ، والهدم ، هذا من فعل الشيطان ، إن هذا من عمل الشيطان :
    ﴿ وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ ﴾


    ﴿ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ .
    ( سورة يونس الآية : 25 )


    ﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾
    ( سورة هود )
    أيها الإخوة الكرام ، من أسماء الله ( الجواد ) ، أن يهديك سبيل الرشاد ، يهديك سبيل السلامة .

    رأيُ ابن القيم في معنى الجواد :


    ابن القيم رحمه الله ، يرى أن ( الجواد ) ، أي أنه أعطاك الأوامر والنواهي لترقى بفعل الأوامر ، وترقى بترك النواهي ، بيّن لك الحلال والحرام ، لترقى بأخذ الحلال ورك الحرام ، الله عز وجل جواد أرادك أن تكون في جنة عرضها السموات والأرض .
    فلذلك أيها الإخوة ،
    ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
    أي تقترب إليه بكمال مشتق من كماله .

    والحمد لله رب العالمين

 

 
صفحة 7 من 10 الأولىالأولى ... 345678910 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30 - 1 - 2012, 02:09 AM
  2. تعال واكتشف نفسك هل تحتاج الى دكتور نفسي ولا لا؟
    بواسطة مليش غيرك يارب في المنتدى تطوير الذات
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 22 - 11 - 2011, 09:24 PM
  3. تعليم البرنامج الهندسي Sap 2000 فيديو للدكتور عاطف العراقي
    بواسطة white.bakar في المنتدى منتدى البرامج العام والشروحات المصورة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 29 - 10 - 2011, 09:42 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©