قهوتنا على الانترنت
صفحة 8 من 10 الأولىالأولى ... 45678910 الأخيرةالأخيرة
النتائج 71 إلى 80 من 95
  1. #71

    افتراضي

    اسم الله الحيى(1)



    1 ـ ورود هذا الاسم في السنة فقط :

    هذا الاسم لم يرد في القرآن الكريم ، ولكنه ورد في السنة ، فقد سماه النبي صلي الله عليه وسلم سمى ربه بالحيي :
    (( النبي صلي الله عليه وسلم رأى رجلاً يغتسل بلا إزار (بلا ثياب) ، فصعد المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال : إن الله عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر (أي عن نظر الآخرين) ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر ))
    [ رواه أبو داود عن يعلى بن أمية]

    الله عز وجل يستحي من عبده إذا سأله ألا يجيبه :

    وقد ورد هذا الاسم مطلقاً مراداً به العالمية دالاً على كمال الوصفية :
    (( إن ربكم تبارك وتعالي حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً ))
    [ أخرجه أبو داود عن سلمان الفارسي]
    أي الله يستحي من عبده إذا سأله ألا يجيبه ، إذا دعاه ألا يلبيه ، إذا استغفره ألا يغفر له ، إذا تاب إليه ألا يتوب عليه ، لذلك قالوا ما أمرنا أن نتوب إليه إلا ليتوب علينا وما أمرنا أن نستغفره إلا ليغفر لنا وما أمرنا أن نسأله إلا ليعطينا.
    ورد في بعض الأحاديث الصحيحة أنه :
    (( إذا كان ثلث الليل الأخير نزل ربكم إلي السماء الدنيا فيقول : هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له ؟ حتى يطلع الفجر))
    [ أخرجه أحمد عن أبي هريرة]

    بطولة الإنسان أن يسأل الله عز وجل عملاً صالحاً يتقرب به إليه :

    المؤمن أيها الأخوة ، له مناجاة مع الله عز وجل .
    إنما أشكو بثي وحزني إلي الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ، كلام سيدنا يعقوب فالإنسان حينما تلم به ملمة يلوح له شبح المصيبة ، يخاف شيئاً ، يخشى شيئاً الله عز وجل علمنا أن نسأله وأن ندعوه وأن نستغفره وأن نتوب إليه ، لأنه حيي كريم ، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً ، فكما أن الله يستحي منك ينبغي أن تستحي أنت منه والحياء من الإيمان.
    مرة ثانية أيها الأخوة إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً ، لذلك البطولة أن تحسن أن تسأله ، اسأله ما يرضيه ، اسأله ما يقربك إليه ، اسأله خير الآخرة ، اسأله أن تعرفه ، اسأله أن تستقيم على أمره ، اسأله عملاً صالحاً تتقرب به إليه ، اسأله العلم لأن كرامة العلم أعظم كرامة .

    ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾
    ( سورة النساء )
    أي الإنسان يسأل ملكاً ، الملك ماذا يعطي ؟ يعطي بيتاً ، يعطي مركبة ، تسأله قلماً ، البطولة أن تسأله بقدر كرمه ، أن تسأله بقدر غناه ، أن تسأله بقدر محبته لك ، أن تسأله لأنه على كل شيء قدير.

    2 ـ من معاني الحيي : المتصف بالحياء :

    أيها الأخوة ، الدعاء هو العبادة ، فإن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً ، الحيي المتصف بالحياء ، نحن تعلمنا ونذكر هذا كثيراً أن قوله تعالى :

    ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ .
    ( سورة الأعراف الآية : 180 ) .
    يعني أنت لن تستطيع أن تتقرب إلى الله بأفضل من كمال مشتق منه ، هو حيي فأنت أيها المؤمن يجب أن تتخلق بهذا الخلق ، والحياء من الإيمان ، علامة الإيمان الحياء والحياء مؤشر على الإيمان .
    فالحيي المتصف بالحياء ، صفة خلقية رقيقة لطيفة تمنع النفس عن أن تقترف شيئاً مناقضاً لما هو معروف عندها .


    لكل إنسان فطرة تتفق مع منهج الله عز وجل :

    أيها الأخوة ، قد لا ينتبه الإنسان إلى بعض المصطلحات سمى الله الأعمال الطيبة التي تنسجم مع الفطرة معروفاً لأن الفطر السليمة في أصل خلقها تعرفها ، القضاء البريطاني يأخذون عشرة من الطريق يعرضون عليهم جريمة بحسب الفطر السليمة قد يكشفون الحقيقة ، الإنسان له فطرة سليمة لذلك الحياء أن تمتنع عن فعل شيء تعرفه فطرتك السليمة بداهة ابتداءً من دون تعليل .
    البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ، لك فطرة هذه الفطرة تتفق مع منهج الله مئة بالمئة ، يعني ما أمرك الله بشيء إلا وفطرتك وجبلتك ترتاح له ، وما نهاك عن شيء إلا وفطرتك وجبلتك تنفر منه .
    لذلك سميت الأعمال الطيبة التي أودعت قيمتها في فطرة الإنسان معروفاً ، وسمي الشيء الذي تأباه الفطر السليمة منكراً ، من كلمة معروف ومنكر يعني هذا الشيء يتوافق مع فطرة النفس توافقاً تاماً الدليل :

    ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾

    ( سورة الروم : 30)
    لأن إقامة وجهك للدين حنيفاً ينقلب على فطرتك :
    ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (30) ﴾
    ( سورة الروم : 30)

    الإسلام دين الفطرة :

    أن تقيم وجهك للدين حنيفاً ، إقامة وجهك للدين حنيفاً هو نفسه فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله :
    ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا {7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا {8} ﴾ .
    ( سورة الشمس ) .
    المعنى الدقيق الإنسان حينما يفجر لا يحتاج إلى من يعلمه ولا إلى من يرشده ولا إلى من يذكره ولا إلى من ينصحه يكتشف بفطرته ذاتياً وبداهةً أنه أخطأ هذه الفطرة ، لذلك قالوا الإسلام دين الفطرة ، كل الأمر إلهي إن طبقته ترتاح نفسك فلذلك :

    ﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ (7) ﴾
    ( سورة الحجرات) .

    الحياء علامة الإيمان :

    الشيء الدقيق أن الإنسان حينما يصطلح مع الله يصطلح مع فطرته ، يرتاح ، هذه الراحة لا توصف ، والله بعد أن يتوب الإنسان كأن جبالاً أزيحت عن صدره ، صار خفيفاً انسجم مع فطرته ، تماماً كمركبة من أرقى الأنواع من أغلى الأنواع من أحدث الأنواع سرت بها في طريق وعر هذه المركبة السيارة مصممة للطريق المعبد لا تكتشف ميزاتها إلا في الطريق المعدل ، سهولة في الحركة ، نعومة في الصوت ، سرعة في المشي ، أما إذا سرت بها في طريق وعر كله صخور وأكمات تتكسر ، تماماً كالنفس ، الله عز وجل حيي ، هذه صفة من صفات الله عز وجل ، واسم من أسمائه ، حيي في ذاته وفي صفاته وقد فطرنا على الحياء فالإنسان إذا كان وقحاً يسقط من عين نفسه ، في تعبير معاصر ينهار داخلياً ، إذا وقح بذيء اللسان ، قاسي الكلمات .
    يقول عليه الصلاة والسلام فيما ورد صحيح البخاري من حديث ابن مسعود :
    (( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت ))
    [ أخرجه البخاري عن ابن مسعود]
    هذا الحديث دقيق جداً ، يعني الإيمان علامته الحياء ، فالذي لا يستحي لا خير فيه ولا جدوى منه ولا أمل في صلاحه ، علامة الإيمان الحياء .

    3 ـ الفرق بين الحياء و الخجل :

    لكن لابد من التفريق بين الحياء كفضيلة وبين الخجل كمرض نفسي ، الخجل مرض ، أحياناً الإنسان يخجل من أن يطالب بحقه ، يخجل أن ينطق بالحق ، يخجل أن يصرح بالحقيقة ، هذا مرض ، الخجل يعدّ نقيصة في شخصية الإنسان ، لكن الحياء فضيلة ، أنا أستحي ولكني أطالب بحقي بأدب ، أنا أستحي ولكنني لا أستحي من الحق ، لذلك:
    (( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت ))
    [ أخرجه البخاري عن ابن مسعود]
    يوجد معنى آخر دقيق جداً ، أنك إذا كنت ترضى عن الله عز وجل لا تعبأ بكلام الناس ، هذا العمل إن لم تستحِ من الله (في بعض المجتمعات الإسلامية التعدد غير مقبول إطلاقاً لكن إنسان له أخ وتوفي و له خمسة أولاد وهو عمهم لو تزوج زوجة أخيه ورعى الأولاد وضمهم إليه لا يوجد مانع ) هذا يرضي الله عز وجل لكن لا يرضي الناس ، فإذا لم تستحِ من الله في شيء تفعله فاصنع ما شئت ، لا تعبأ بكلام الناس .

    المنافق من أرضى الناس جميعاً :

    المؤمن يتعامل مع جهة واحدة هي الله عز وجل ، المؤمن يخاف الله وحده ولا يعبأ بكلام الناس وإرضاء الناس غاية لا تدرك ، ومن أرضى الناس جميعاً فهو منافق ، في بحياته كلمة لا ، لا يستحي بها ، شيء يتناقض مع منهجه قد رفض دعوة فيها معاصي ، يعني الناس أحياناً يضحون بطاعتهم لربهم مراعاة لسمعتهم بين الناس هذا خطأ كبير، إذا لم تستح من الله كان عملك صحيحاً وفق المنهج تبتغي به رضوان الله عز وجل ، فاصنع ما تشاء ، شخص سأل النبي الكريم عندي يتيم أفأ ضربه ؟ قال : مما تضرب منه ولدك . إذا ابنك أردت أن تؤدبه لمصلحته لا عليك لا تعبأ ، ضرب يتيم ، هذا ابني ، كما أنني أؤدب ابني أؤدب اليتيم ، إذا لم تستح فاصنع ما تشاء ، إذا لم تستح من الله .
    لذلك اعمل لوجه الواحد يكفك الوجوه كلها ، من جعل الهموم هما واحداً كفاه الله الهموم كلها .

    4 ـ الحياء صفة عظيمة من صفات المؤمنين :

    في حديث طويل لأبي سفيان مع هرقل يقول أبو سفيان : فوالله لولا الحياء من أن يؤثروا عليّ كذباً لكذبت عنه ، كان يعارض النبي عليه الصلاة والسلام ، فلما سأل هرقل عن رسول الله قال لولا الحياء من أن يؤثروا عليّ كذباً لكذبت عنه ، الحياء يردع ، والحياء ضمانة الذي عنده حياء فيه صفة عالية جداً .
    سيدنا موسى كان حيياً :

    ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (25) ﴾
    ( سورة القصص ) .
    لو أنها قالت إن أبي يدعوك ، يقول لها ما هي المناسبة ؟ صار في حوار :

    ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (25) ﴾
    ( سورة القصص ) .
    لذلك :

    ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) ﴾
    ( سورة الأحزاب) .
    إذاً الحياء من صفات المؤمنين .

    من لا يستحي لا خير فيه :

    لذلك قالوا : العدل حسن لكن في الأمراء أحسن ، والحياء حسن لكن في النساء أحسن ، والسخاء حسن لكن في الأغنياء أحسن ، والصبر حسن لكن في الفقراءأحسن ، والتوبة حسن لكن في الشباب أحسن .
    يعني الشاب ألزم ما يلزمه التوبة ، والمرأة ألزم ما يلزمها الحياء ، والغني ألزم ما يلزمه السخاء ، والفقير ألزم ما يلزمه الصبر ، والأمير ألزم ما يلزمه العدل ، ورد :
    أحب ثلاثاً ، وحبي لثلاث أشد ، أحب الطائعين ، وحبي للشاب الطائع أشد ، أحب المتواضعين ، وحبي للغني المتواضع أشد ، أحب الكرماء ، وحبي للفقير الكريم أشد ، وأبغض ثلاثاً ، وبغضي لثلاث أشد ، أبغض العصاة ، وبغضي للشيخ العاصي أشد ، أبغض المتكبرين ، وبغضي للفقير المتكبر أشد ، أبغض البخلاء ، وبغضي للغني البخيل أشد .
    فالحياء من الإيمان ، وإذا لم تستحِ فاصنع ما شئت على معنيين : إن لم تستحِ فلا خير فيك ، وإن لم تستحِ من الله فافعل ما شئت ولا تعبأ بكلام الناس .
    في آيات دقيقة جداً من هذه الآيات :

    ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195) ﴾
    ( سورة البقرة )
    إن لم تنفقوا أو : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة إن أنفقت كل أموالكم ، لذلك الإسلام وسطي .

    حياء الشرع هو الحياء الذي يحفظ للعبد استقامته :

    أيها الأخوة ، حياء الشرع هو الحياء الذي يحفظ للعبد استقامته هذا حياء الشرع لأن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ )) .
    [ أخرجه أحمد ، والترمذي والحاكم ، والبيهقي عن عبد الله بن مسعود ]
    أدخلت إليه طعاماً اشتريته بمال حلال لذلك يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، يقول العبد يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له .
    ولحكمة بالغة بالغة بالغة جعل الله الحلال صعباً والحرام سهلاً ، لو عكس الآية لأقبل الناس على الحلال لا حباً في الله ولا رغبة في طاعته ولكن لأنه أسهل ، لكن لحكمة بالغة بالغة بالغة جعل الله الحلال صعباً ، يعني الإنسان يشتغل ساعات طويلة يأخذ مبلغاً معيناً ، يوجد إنسان آخر يأخذ هذا المبلغ في ربع ساعة ولكن بالحرام ، ففرق كبير بين الحلال والحرام .

    بطولة الإنسان أن يبدأ من النهاية :

    أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، البطولة أن تبدأ من النهاية ، الآن في دورات مشهورة جداً البرمجة العصبية اللغوية يعني في قاعدة فيها ابدأ من النهاية ، شيء دقيق جداً ابدأ من الموت ثم اعمل ، تؤسس عملاً ، تدرس ، تنال الدكتوراه ، تؤسس شركة ، ولكن لأنك بدأت من الموت أنت تراقب الله عز وجل لا تعصي الله وتسرع إليه ، ابدأ من النهاية وأن تذكر الموت والبلى ، فإن فعلتم ذلك فقد استحييتم من الله حق الحياء :
    (( أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، البطولة )) .
    [ أخرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود]
    وفي كل دروس أسماء الله الحسنى البطولة أن تعرف أسماء الله الحسنى وأن تتخلق بكمالاتها ليكون هذا التخلق بكمالاته سبباً للاتصال به :

    ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ .
    ( سورة الأعراف الآية : 180 ) .

    دين الإنسان الحقيقي في بيته و عمله :

    مرة ثانية أيها الأخوة ، الدين الحقيقي ليس في المسجد ، في المسجد أن أجل أن تتلقى تعليمات الصانع في درس علم ، وفي المسجد من أجل أن تقبض ثمن استقامتك وأنت في الصلاة ، لكن دينك في مكتبك ، دينك في دكانك ، دينك في السوق ، دينك في بيعك وشرائك ، دينك في صناعتك ، في مواد مؤذية للإنسان توضع في الأغذية ، السعر يزداد والأرباح تزداد لكن على حساب صحة الناس ، في أشياء لا تعد ولا تحصى ، هرمونات ترش بها النباتات تصبح الحبة كبيرة جداً ولها ألوان زاهية لكنها مسرطنة الهرمونات ، فالإنسان دينه في عمله ، دينه في بيته ، خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي .

    خاتمة :

    لذلك أيها الأخوة ، الحياء أن تستحي من الله أن تعصيه ، أن تستحي من الله أن تستخدم جارحة من جوارحك في معصية الله ، الحياء أن ترى أن الله معك ، في رواية أخرى أن إنساناً ـ كما قال النبي الكريم ـ اغتسل أمامه عرياناً ، قال خذ إجارتك لا حاجة لنا بك إني أراك لا تستحي من الله .
    فالحياء من علامات الإيمان ودائماً المؤمن يستر جسمه وغير المؤمن يكشف عورته ، الإنسان في بيته يرتدي ثياباً معقولة ، أما غيره إنسان يكون بالثياب الداخلية في بيته أمام أولاده ، أمام بناته ، ما في حياء ، والله في جامعة من جامعات الدول العظمى كانت ترفع شعار لا إله حدثني طالب قال دورات المياه مشتركة ما في حواجز بينهما إطلاقاً ، صالون كبير فيه خمسين ستين مكان لقضاء الحاجة بلا حواجز.
    (( اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى )) .
    [ أخرجه أحمد ، والترمذي والحاكم ، والبيهقي عن عبد الله بن مسعود ]

    والحمد لله رب العالمين

  2. #72

    افتراضي

    اسم الله الحيى (2)


    أيها الأخوة الكرام ، لازلنا في اسم الحيي ، فالحياء وصف لكمال الله عز وجل ، فالله عز وجل ذات كاملة لا يتعارض مع حكمته ، ولا يتعارض مع بيان الحق ، ولا مع بيان الحجة ، هذا ينقلنا إلي معنى دقيق يجب أن يكون في المؤمن ، فالمؤمن حيي يشتق حياءه من كمال الله عز وجل ، لكن حياءه لا يمنعه أن يدلي بالحجة وأن يصدح بالحق وأن يقول الحق ولو كان مرّاً ، فإذا منعه شيء ما أن ينطق بالحق أو أن يكون منصفاً فهو نقيصة في الإنسان يمكن أن تسمى الخجل ، الخجل أن تمتنع أن تنطق بالحق ، تسكت ، وقد يكون هذا المرض منتشراً في العالم الإسلامي ، لا أحد ينهى عن المنكر ، لذلك ورد في الحديث الصحيح :
    (( إن الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ))
    [ أخرجه مسلم عن أبي هريرة]
    أفضلها التوحيد وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .

    معاني التوحيد :

    الإيمان شيء والتوحيد شيء آخر ، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً ، أن ترى أن يد الله تعمل وحدها ، التوحيد أن ترى أن الله في السماء إله وفي الأرض إله ، التوحيد أن تؤمن بما قال الله عز وجل :
    ﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) ﴾
    ( سورة الكهف)
    التوحيد أن ترى أنه لا معطي ولا مانع ولا خافض ولا رافع و لا معز ولا مذل إلا الله ، التوحيد أن تجعل علاقتك بالله وحده ، التوحيد أن تعمل لوجه واحد عندئذ يكفيك الهموم كلها ، التوحيد ألا تدعو مع الله إله آخر :

    ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) ﴾
    ( سورة الشعراء )

    من زاد توحيده زادت خشيته و طاعته لله تعالى :

    التوحيد كلمة لكن إن تعيشها تحتاج لجهد كبير ، التوحيد أن ترى أن كل الخلق لا شيء أمام إرادة الحق ، كلما زاد التوحيد زاد الكمال ، كلما زاد التوحيد زادت الخشية ، كلما زاد التوحيد زادت الطاعة ، كلما زاد التوحيد ازداد الأمن في قلب الإنسان :

    ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ .
    ( سورة الأنعام )
    الحديث الصحيح :
    (( إن الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا اله إلا الله ...))
    [ أخرجه مسلم عن أبي هريرة]

    التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً :

    التوحيد هو الذي ينجي بل إن نهاية العلم التوحيد ونهاية العمل التقوى ، فإذا وحدت واتقيت الله جمعت طرفي المجد ، نهاية العلم أن توحده ونهاية العمل أن تتقيه ، لذلك :

    ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ .
    ( سورة آل عمران الآية : 102 )
    فالتوحيد هو الإيمان الحقيقي ، التوحيد هو فحوى دعوه الأنبياء جميعاً .

    ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ .
    ( سورة الأنبياء )

    من كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً :

    كأن الله سبحانه وتعالى ضغط فحوى دعوة الأنبياء جميعا بآية واحدة :

    ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ .
    ( سورة الأنبياء )
    لا إله إلا أنا توحيد ، فاعبدون أي أطيعون ، بل إن الله سبحانه وتعالى حينما أمر النبي الكريم أن يقول :

    ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ (6) ﴾
    ( سورة فصلت)
    وكأن الآية الكريمة ضغطت القرآن كله ولخصته بهذه الكلمات :

    ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) ﴾
    ( سورة الكهف )
    قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد ، العمل فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ، هذا كلام معجز ، كلام بليغ ، أنت حينما ترى أن الله وحده ولا جهة سواه تتصرف ؛ هو المتصرف ، هو المسير ، هو الخالق ، هو البارئ ، هو المعطي ، هو المانع ، هو الرافع ، هو الخافض ، هو المعز ، هو المذل ، تحصر علاقتك به وحدك ، فقد نجوت من كل أمراض النفس .

    من عمل عملاً يبتغي به وجه الله تعالى هذا تعبير عن إيمانه :

    بشكل مبسط لو دخلت إلي دائرة حكومية وقال لك أحدهم : هذا الطلب لا يسمح لشخص في هذه الدائرة أن يوافق لك عليه إلا المدير العام ، هل تبذل ماء وجهك لموظف ؟ لحاجب ؟ لمعاون المدير العام ؟ أبداً ؛ لأن صلاحية التوقيع في هذا الموضوع في يد المدير العام وحده ، أنت حينما توقن أن الأمر بيد المدير العام لا تبذل ماء وجهك أمام أحد على الإطلاق .
    فالإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق .
    أحيانا حجر قد يسبب حادثاً مروعاً ، تقف وتزيحه إلى جانب الطريق هذا إيمان أنت حينما تعمل عملاً تبتغي به وجه الله هذا تعبير عن إيمانك .

    الترابط الوثيق بين الحياء و الإيمان :

    إخوتنا الكرام ، الإيمان حركة لا يوجد إيمان سكوني ، لا يوجد إنسان مؤمن معجب بالإسلام ، الإعجاب السلبي ليس إيماناً ، النمط الساكن غير الحركي ليس إيماناً ، ما إن تستقر حقيقة الإيمان في نفس المؤمن حتى تعبر عن ذاتها بحركة نحو الخلق ، أبداً ما إن تستقر حقيقة الإيمان في نفس المؤمن حتى تعبر عن ذاتها بحركة نحو الخلق ، فالإيمان حركة ، الإيمان عمل ، الإيمان إيجابية ، الإيمان عطاء ، لذلك وأدناها أن تميط الأذى عن الطريق ، أن تعمل عملاً صالحاً ، أن تطعم جائعاً ، أن تدل ضالاً ، أن توجهه توجيها شديداً ، أن تنصح ، أن تنطق بالحق ، والحياء شعبة من الإيمان ، من لا حياء له لا إيمان له ، ومن لا إيمان له لا حياء له ، العلاقة علاقة ترابطية بين الحياء وبين الإيمان .
    الحقيقة في آخر الزمان ينزع الحياء من وجوه النساء ، ينزع الحياء من وجوه النساء ، وتذهب المروءة من رؤوس الرجال ، وتنزع الرحمة من قلوب الأمراء ، لا حياء في وجوه النساء ولا نخوة في رؤوس الرجال ولا رحمة في قلوب الأمراء ، هذه من علامات آخر الزمان .

    الدنيا منقطعة فهي أحقر عند الله من أن تكون عطاءً أو عقاباً :

    لذلك الله عز وجل حينما قال :
    ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ .
    ( سورة البقرة الآية : 26 ) .
    الله عز وجل حيي ، لكن هذه الآية تؤكد أنه لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها ، والحقيقة هذه الآية حيرت العلماء ، بعوضة ، بعوضة في القرآن الكريم ما من مخلوق أهون على البشر من بعوضه ، هذا المعنى جاء به النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال :
    (( لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ )) .
    [ الترمذي عن سهل بن سعد ]
    هي أقل من جناح بعوضة لأنها منقطعة ، لأن الموت ينهي كل شيء ، الموت ينهي قوة القوي ، الموت ينهي ضعف الضعيف ، الموت ينهي غنى الغني ، الموت ينهي فقر الفقير ، الموت ينهي صحة الصحيح ، الموت ينهي مرض المريض ، الموت ينهي وسامة الوسيم ، والموت ينهي دمامة الدميم ، ما دامت الدنيا منقطعة هي أحقر عند الله من أن تكون عطاءً أو من أن تكون عقاباً ، لذلك قد يعطي الدنيا لمن يحب الله ولمن لا يحب ، أعطى الدنيا لفرعون هل يحبه الله عز وجل ؟ أعطاها لقارون هل يحبه الله عز وجل ؟ الذي أحبه ماذا أعطاه ؟ قال :

    ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً (14) ﴾
    ( سورة القصص )

    المال ليس مقياساً لمحبة الله لعبده :

    اسأل نفسك دائماً عطاؤك مِن عطاء مَن ؟ من عطاء الله ، لكن من أي نوع ؟ أعطى فرعون الملك وهو لا يحبه ، وأعطى سيدنا سليمان الملك وهو يحبه ، فإذا أعطى شيئاً واحداً لمن يحب ولمن لا يحب إذاً هذا الشيء ليس مقياساً ، أعطى المال لمن لا يحب ؛ أعطاه لقارون ، أعطاه لمن يحب لسيدنا عثمان ، فالمال أعطي لمن يحب ولمن لا يحب إذاً ليس مقياساً ، ما المقياس ؟

    ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) ﴾
    ( سورة القصص )

    العلم و الحكمة فضل الله الكبير على الإنسان :

    إذا كان عطاؤك من الله من نوع عطاء العلم والحكمة :

    ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ .
    ( سورة النساء ) .
    دقق ، خالق السماوات والأرض يقول لك :

    ﴿ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ .
    ( سورة النساء ) .
    فضل كبير أن تعرف الله ، فضل كبير أن تعرف أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى ، فضل الكبير أن تعرف أن الله حيي كريم قوي رحيم حكيم :

    ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾
    ( سورة الأعراف)

    الحياء الحقيقي أن يتخلق الإنسان بالكمال الإلهي :

    كنت أوضح هذه الآية ببعض الأمثلة ، طفل صغير قال لك مرة : معي مبلغ عظيم ، طفل والده مدرس دخله محدود فإذا قال ابنه الصغير معي مبلغ عظيم يتصور مئتي ليرة ، فإذا قال مسؤول كبير : أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً من دولة عظمى تقدر مئتي مليار دولار ، الكلمة نفسها قالها طفل صغير فقدرتها بمئتي ليرة ، وقالها مسؤول كبير فقدرتها بمئتي مليار دولار ، فإذا قال ملك الملوك ومالك الملوك :

    ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ .
    ( سورة النساء ) .
    الحقيقة العطاء الحقيقي أن تعرفه :
    (( ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء ))
    [ ورد في الأثر]
    إذاً :

    ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ .
    ( سورة البقرة الآية : 26 ) .
    كأن هذه الآية تبين أن هناك أشياء إن سكت عنها هذا ليس حياء ، الحياء أن تتخلق بالكمال الإلهي ، الحياء أن تمتنع عن فعل معصية .

    المؤمن لا يستحي من الحق :

    أيها الأخوة ، آية قرآنيه يقول الله عز وجل :

    ﴿ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ (53) ﴾
    ( سورة الأحزاب ) .
    إذاً أنت ينبغي أن تنطق بالحق ، يجب أيها المؤمن إن أردت أن تتقرب من الله بكمال الله ، بالحياء يجب ألا تستحي من الحق ، إن استحييت من الحق فهذا ليس حياء بل هو خجل والخجل نقيصة في الإنسان .
    إن الله لا يستحي من الحق لذلك الإنسان بحق نفسه ضعيف ، أما أخوه قد يتكلم عنه إن أطلنا عليه الجلوس ، مثلاً العيادة فواق ناقة ، أي مده العيادة مدة حلب ناقة ، المريض يحتاج إلى أدوية ، يحتاج إلى وضع معين ، فينبغي ألا نطيل عليه الجلوس ، لو أن فئة أطالت الجلوس وقال أحدهم يكفي نحن أثقلنا عليك سامحنا ، فإن الله لا يستحي من الحق .

    الدين النصيحة :

    عود نفسك أن تكون جريئاً ، معقول سيدنا عمر يمشي في الطريق رأى غلماناً يلعبون فلما رأوه وكان ذا هيبة عظيمة تفرقوا إلا واحداً منهم بقي في مكانه بأدب لفت نظره فلما وصل إليه قال : أيها الغلام لما لا تهرب مع من هرب ؟ قال : أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك ولست مذنباً فأخشى عقابك والطريق يسعني ويسعك .
    أنا متألم من خلق الخجل ، يعني تأتيه ابنة أخيه هو عمها بثياب فاضحة يستحي أن ينصحها ، لا انصحها ، أنت مثل ابنتي ، يا بنيتي هذه الثياب لا تليق بك ولا بأبيك ولا بأسرتك ، انصحها لذلك :
    ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ (79) ﴾
    ( سورة المائدة )
    طبعاً أسلم للإنسان ألا ينصح أحداً ، دعه وشأنه ، لا ، الحياء لا أن تستحي أن تنصح إنساناً ، الدين النصيحة ، الحياء أن تجهر بالحق ، الحياء أن تنصح ، الحياء ألا تبقى ساكتاً ، يعني اسكت حيث ترغب أن تتكلم وتكلم حينما ترغب أن تسكت ، إن كنت تملك حقيقة وكل من حولك ساكت تكلم .


    من حياء المؤمن أن ينطق بالحق و ينصف الآخرين :

    سيدنا عمر كان بين أصحابه قال له أحدهم : والله ما رأينا خيراً منك بعد رسول الله ، تغير لونه وأحدّ فيهم النظر ، إلى أن قال أحدهم : لا والله لقد رأينا من هو خير منك ، قال من هو ؟ قال الصديق ، دققوا الآن قال : كذبتم جميعاً ، عدّ سكوتهم كذباً ، قال كذبتم جميعاً وصدق هذا الذي تكلم ، كنت أضل من بعيري وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك ، هذا الذي قال لا والله لقد رأينا خيراً منك سكوته ليس حياء بل خجلاً ، الإنسان أحياناً يؤثر السلامة يبقى ساكتاً ، أما لو تكلم كلمة لغير الموقف كله .
    مرة مدح ابن أحد الخلفاء أمام علية القوم ، كل من كان جالساً مدح هذا الابن فهو ليس في مستوى أبيه ، وصل الدور عند الأحنف بن قيس بقي ساكتاً قال له الخليفة : تكلم ، قال : أخاف الله إن كذبت وأخافكم إن صدقت . فكان تلميحاً أبلغ من تصريح .
    أحياناً كلمة تحق بها حقاً وتبطل بها باطلاً ، أنا أريد أن نتأكد أن الحياء لا يعني أن تسكت عن أداء رسالتك أو أن تسكت عن الحق ، فالساكت عن الحق شيطان أخرس ، تلك صفة مذمومة ، الحياء أن تنطق بالحق ، الحياء أن تقول كلمة حق ، الحياء أن تنصف .

    الحياء لا أن تستحي من النطق بالحق بل أن تستحي من فعل المنكرات :

    شخص تخلف عن رسول الله ، فسأل النبي عليه الصلاة والسلام عنه ، فقال بعضهم : شغله بستانه عن الجهاد معك ، فقام أحد الصحابة متأثراً قال : لا والله يا رسول الله لقد تخلف عنك أناس ما نحن بأشد حباً لك منهم ولو علموا أنك تلقى عدواً ما تخلفوا عنك فتبسم عليه الصلاة والسلام .
    دافع عن أخيك ، أحياناً أنت جالس في مجلس يأتي ذكر أخيك هناك من يتهجم عليه وأنت تعلم علم اليقين أنه بريء من هذه الصفة ، تبقى ساكتاً السكوت أفضل ، لا تتكلم دافع عنه هذا واجبك ، فلذلك أي شيء منعك أن تنطق بالحق ، أن تجهر بالحق ، أن تكون منصفاً هو صفة ذميمة في الإنسان وليس حياءً ، الحياء أن تستحي من الله ، الحياء أن تستحي أن تقترف إثماً أو أن ترتكب معصية .
    أيها الأخوة الكرام ، الحياء لا أن تستحي من النطق بالحق بل أن تستحي من فعل المنكرات .
    والحمد لله رب العالمين

  3. #73
    تاريخ التسجيل
    15 - 10 - 2009
    ساكن في
    دنيا العذاب
    العمر
    44
    المشاركات
    123
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي

    جزاك الله كل خير
    و جعله الله فى ميزان حسناتك

  4. #74

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة البرنس المصرى مشاهدة المشاركة
    جزاك الله كل خير
    و جعله الله فى ميزان حسناتك
    جزانا الله واياكم
    يتبع مع
    اسم الله : الخلاق

  5. #75

    افتراضي


    اسم الله : الخلاق(1)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

    من أسماء الله الحسنى : ( الخلاق) :

    أيها الإخوة الكرام ، مع اسماً جديد من أسماء الله الحسنى والاسم اليوم "الخلاق" هذا الاسم العظيم ورد مطلقاً يفيد المدح والثناء على الله عز وجل ، مراد به العلنية ، دالاً على كمال الوصفية ، فقد ورد في قوله تعالى :

    ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ﴾ .
    ( سورة الحجر ) .
    وفي قوله أيضاً :

    ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾
    ( سورة يس ) .

    الخلاق المبدع كماً ونوعاً :

    "الخلاق" من حيث الصياغة اللغوية اسم مبالغة لاسم الفاعل ، تقول : غافر وغفار ، خالق وخلاق ، وماذا تعني المبالغة في أسماء الله الحسنى ؟ تعني الكم ، والكيف الكم والنوع .
    أي للتقريب ؛ غافر يغفر ذنباً واحداً ، لك ذنب يغفره الله لك فهو غافر ، لكن لبعض الناس مئة ألف ذنب ، الله غفار يغفرها مهما كثرت ، و هناك ذنب كبير جداً ، ويغفر الذنب مهما عظم .
    المبالغة تعني الكم ، والنوع ، مهما عظم الذنب يغفره الله فهو غفار ، ومهما كثرت الذنوب يغفرها الله فهو غفار ، الله عز وجل خالق ، لكن "خلاق" فيها معنى الكم يخلق ما يشاء ، وفيها معنى النوع ، الكم في قوله تعالى :

    ﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ﴾ .
    ( سورة النساء ) .
    يخلق مليارات ، مليارات المليارات ، هذا الكم ، أما النوع :

    ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ .
    ( سورة النمل ) .
    الإتقان .

    ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ .
    ( سورة التغابن ) .
    يعني الخلاق المبدع ، كماً ونوعاً .

    من لوازم الخلاق كمالُ الخَلقِ والتصرُّفِ :

    لكن أيها الأخوة ، معنى الخالق حتى نفهم "الخلاق" معنى الخالق أي أن الله سبحانه وتعالى خلق من لا شيء كل شيء ، على غير مثال سابق ، لكن الله جل في علاه سمح للإنسان أن يعطى هذا الاسم ، الدليل قال الله عز وجل :

    ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ .
    ( سورة المؤمنون ) .
    الإنسان أحياناً يصنع طاولة ، يصنع شيئاً من كل شيء ، وعلى مثال سابق ، صنعة الإنسان يصنع شيئاً من كل شيء ، المواد الأولية كلها يأخذها من الأرض ، والفكرة يراها بعينه ، الإنسان إذا صنع شيئاً يصنع شيئاً من كل شيء ، وعلى مثال سابق ، بينما خالق السماوات والأرض يصنع كل شيء من لا شيء ، وعلى غير مثال سابق .
    الإنسان حينما يوازن لأن الله سمح لهذا الإنسان الذي يصنع شيئاً من كل شيء ، أن يُسمى مجازاً خالقاً ، وتأتي الآية الكريمة : ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ .
    أي الله عز وجل أودع بالإنسان كلية بحجم البيضة ، صغيرة ، تعمل بصمت بلا ضجيج ، بلا تكلفة ، تعمل ليلاً نهاراً ، وأنت نائم ، وأنت تمشي ، وأنت تتحرك ، وأنت مسافر ، وأنت مقيم ، وكل كلية فيها عشرة أضعاف حاجتك ، عشرة احتياطات ، فالكليتان فيهما عشرون احتياطاً ، أما الكلوة الصناعية كحجم الطاولة ، يجب أن تستلقي على السرير ، ثماني ساعات ، وأن تدفع مبالغ طائلة ، وأن تتعطل ثلاث مرات في الأسبوع ، وأن تتألم ، هذه كلية صناعية ، وتلك كلية طبيعية .
    آلة التصوير ، فيها بكل ميليمتر عشرة آلاف مستقبل ضوئي ، بينما العين بالميليمتر هناك مئة مليون مستقبل ضوئي ، ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ .

    الله تعالى ليعرفنا بذاته العلية سمح لذاته العلية أن توازن مع صنعة خلقه :

    الله عز وجل ليعرفنا بذاته العلية سمح لذاته العلية أن توازن مع صنعة خلقه قال :

    ﴿ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ .
    ( سورة الأنعام ) .
    أحياناً يصنع الإنسان حاسوباً ، يقرأ مئات ملايين الحروف في الثانية ، لدرجة أنك إذا أعطيته الأمر رأيت النتيجة ، الله قال ﴿ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ .
    أي لا يوجد زمن بين المقدمة والنتيجة ، إذاً أن يوازي الإنسان صنعة الواحد الديان بين أن ترى وردة طبيعية فواحة الرائحة ، تحس أنها تأخذ بالألباب ، وبين أن ترى وردة صنعت من مادة بترولية تمجها نفسك بعد حين ، بينما ترى امرأة في محل بيع ألبسة مجسد لامرأة ، وبين أن ترى امرأة حقيقية هي ابنتك مثلاً ، مسافة كبيرة جداً بين امرأة مصنوعة من مادة صناعية ، وبين إنسانة تتحرك فيها حياة ، فيها فكر ، فيها مشاعر ، فيها روح ، فيها فهم ، فيها علم ، لذلك ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ .
    الإنسان صنع طاولة ، هذه الطاولة جامدة ، تبقى هكذا إلى أبد الآبدين ، لكن ما صنع شيئاً ، صنع ذكر وأنثى ؟ هذه الطاولات تتوالد ؟ هذا شيء معجز ، خلق ذكراً ، وخلق أنثى ، وخلق ميلاً متبادلاً بينهما ، ومن هذا الميل المتبادل ينتج أطفالاً ، هذا شيء عظيم .

    الموازنة بين صنعة الله المتقنة و صنعة الإنسان :

    نظام الزوجية مطبق في كل شيء ، مطبق في النبات .

    ﴿ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ .
    ( سورة الرعد الآية : 10 ) .
    تصور لو لم يكن هناك بذور ، الله خلق مليارات الأطنان من القمح ، استهلكوا ، ما الحل ؟ النبات في بذرة ، والبذرة بالقوة شجرة ، لو أكلت حبة تين كلها بذور ، كل بذرة شجرة ، أحياناً يكون بالسمكة في مبيض ، في ملايين البيوض ، وكل بيضة سمكة ، بالتوالد هذا عطاؤنا .
    لذلك أيها الأخوة ، الفكر البشري حينما يمشي في طريق الموازنة بين صنعة الديان ، وبين صنعة الإنسان يرى عظمة الله عز وجل ، لأنهم قالوا قديماً :
    وبضدها تتميز الأشياء .
    فلذلك الله عز وجل خلق كل شيء من لا شيء ، بينما الإنسان خلق شيئاً من كل شيء ، والله عز وجل خلق كل شيء من لا شيء من دون مثال سابق ، أما أي شيء صنعه الإنسان وفق مثال سابق ، الغواصة تقليد للسمكة ، والطائرة تقليد للطائر ، الحديث عن الطيور حديث لا ينتهي ، قد تقطع الطيور رحلة تزيد عن 17 ألف كم ، كيف تهتدي ؟ لا أحد يعلم حتى الآن ، بالتضاريس تهتدي في الليل ، كلما وضعت نظرية لاهتداء الطيور في هذه الرحلة الطويلة العلم يراها عاجزة عن تفسير بعض حالات الطيران .
    إذاً الله عز وجل أمرنا أن نوازن بين صنعته المتقنة ، وبين صنعة الإنسان ، لا يوجد إنسان يقدر أن ينزع سن من إنسان إلا بألم ، يقول لك صار هناك مادة مخدرة ، حتى نعطي هذه المادة المخدرة لا بد من وخزة في اللثة ، يتألم ، أما الطفل حينما ينزع الله له أسنان اللبن بلا ألم إطلاقاً ، لأن الله لطيف .

    التقنين الإلهي تقنين تأديب لا تقنين عجز :

    إذاً : اسم "الخلاق" تعني إتقان الصنعة ، واسم "الخلاق" تعني الخلق اللانهائي ، كل شيء الله عز وجل يخلقه لا حدود لخلقه ، هذا الذي يقال أنه في أزمة مياه ، أزمة غذاء ، هذا الكلام ليس صحيحاً .

    ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ .
    ( سورة الحجر ) .
    لذلك التقنين الإلهي لا يمكن أن يكون تقنين عجز ، إنه تقنين تأديب فقط .

    ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ .
    ( سورة الجن ) .

    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾ .
    ( سورة الأعراف الآية : 96 ) .
    لذلك أي تفسير يتجه نحو أزمات قادمة هو كلام مفتعل ، له هدف خسيس ، الله عز وجل خلاق عليم .
    قرأت بحثاً عن سحابة في الفضاء الخارجي يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة في اليوم بالمياه العذبة ، في بلاد أخرى يهطل في الليلة الواحدة ما يساوي أربعمئة مم يعني المعدل السنوي لدمشق على مرتين ، بليلة واحدة ، إذا أعطى أدهش ، الله خلاق الأرزاق بيده ، المياه بيده ، أمطار السماء بيده .
    لذلك إذا قنن الله عز وجل فتقنينه تقنين تأديب ، لا تقنين عجز ، والله عز وجل ثبت مليارات القضايا ، ثبت نظام البذور ، ثبت خصائص المعادن ، ثبت مليارات القوانين ، لكنه حركة الرزق والصحة ، حركهما من أجل أن يأخذ بيدنا إليه ، فالإنسان حريص على رزقه ، وحريص على صحته ، فمن خلال الرزق والصحة يمكن أن يأخذ الله بيد عباده إليه هذا نوع من أنواع التربية ، إذاً الله عز وجل "خلاق عليم" .

    تسخير كل شيء في الكون للإنسان :

    شيء آخر : الإنسان حينما يقول الله له :

    ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ .
    ( سورة البقرة الآية : 21 ) .
    هناك مفهوم الربوبية ، في نظام الربوبية ، مفهوم عطاء ، الله عز وجل خلق الكون ، الكون وما سواه ، خلق الإنسان ، خلق الحيوان ، خلق النبات ، هذا عطاء ، الله عز وجل منحك نعمة الإيجاد ، منحك نعمة الإمداد ، أمدك بالهواء ، أمدك بالماء ، أمدك بالنبات ، أمدك بالحيوان ، أمدك بمقومات حياتك ، هذا معنى الرب خلق وأمدّ ، مفهوم الربوبية مفهوم العطاء ، منحك نعمة الوجود ، منحك مقومات الحياة ، منحك كل شيء ، كل شيء في الكون مسخر لك ، هذا مفهوم الربوبية ، لكنه أرسل إليك رسلاً ، افعل ولا تفعل ، في أمر ، في نهي ، في حلال ، في حرام ، في مكروه ، في سنة ، في فرض ، في واجب ، في محرم ، هذا المفهوم الآخر مفهوم التشريع ، مفهوم الإلوهية .


    اختلاف الناس بمفهوم الإلهية و ليس بمفهوم الربوبية :

    لذلك البشر لم يختلفوا على مفهوم الربوبية أبداً ، حتى الذين عبدوا الأوثان .

    ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ .
    ( سورة الزمر الآية : 38 ) .
    لماذا تعبدون الأصنام ؟

    ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ .
    ( سورة الزمر الآية : 3 ) .
    إذاً ليس هناك اختلاف في الأرض على مفهوم الربوبية ، إبليس اللعين آمن بالله رباً ، قال ربي :

    ﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾ .
    ( سورة ص ) .
    إبليس آمن بالله خالقاً ، قال :

    ﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾ .
    ( سورة الأعراف ) .
    آمن به ، آمن بالآخرة ، قال :

    ﴿ َأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ .
    ( سورة الأعراف ) .
    آمن به مربياً ، وخالقاً ، وعزيزاً ، وآمن باليوم الآخر .
    إذاً ليس مفهوم الربوبية محل اختلاف إطلاقاً ، محل الاختلاف مفهوم الإلهية .

    انضباط الشهوات وفق منهج الله تعالى ليرقى بها الإنسان صابراً و شاكراً :

    الإنسان أودع الله فيه الشهوات ، ليرقى بها تارة صابراً ، وتارة شاكراً إلى رب الأرض والسماوات ، هذه الشهوات لا بد من أن تنضبط ، تنضبط بمنهج الله عز وجل ، الشهوة يمكن أن تتحرك بموجبها 180 درجة ، سمح لك بمئة درجة ، المرأة محببة .

    ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ ﴾ .
    ( سورة آل عمران الآية : 14 ) .
    لكن سمح لك بالزواج ، يوجد بحياتك محارم ، الأم ، والأخت ، والبنت ، والعمة ، والخالة ، وبنت الابن ، وبنت الأخ ، وبنت الأخت ، وبنت البنت ، هذه محارم سمح لك بحيز لا يمكن أن تتجاوزه ، صار شيء بحياتك اسمه حرام ، الزنا حرام ، والقتل حرام ، أكل أموال الناس بالباطل حرام ، مفهوم الإلوهية ، مفهوم الرسالة ، مفهوم الأمر والنهي هذا محل خلاف .
    لذلك تشريعات الأرض تتناقض مع تشريعات السماء ، صار في شرك ، صار في كفر .

    الربط بين مفهوم الربوبية ومفهوم الإلوهية لحكمة من الله تعالى :

    الآن الله عز وجل لحكمة بالغة ٍ بالغة ربط بين مفهوم الربوبية ، ومفهوم الإلوهية ، قال :

    ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ .
    ( سورة البقرة الآية : 21 ) .
    المرأة قد تقول لابنها : يا بني والدك لا يرضى أن تأتي بعد الساعة التاسعة يغضب أشد الغضب إنه يرزقنا ، إنه يطعمنا ، إنه يكسونا ، إنه يحبنا ، أي أعطته مبرر الطاعة لأنه يعطي .
    ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ من هي الجهة التي ينبغي أن تطيعها ؟ هي الجهة الخالقة ، الخالق وحده ينبغي أن تطيعه ، الخالق وحده ينبغي أن تنصاع لأمره .
    فلذلك ورد في بعض الآثار القدسية :
    (( إني والجن والإنس في نبأ عظيم : أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري )) .
    [ أخرجه الحكيم البيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء ] .
    المجتمعات المتفلتة يعبد فيها غير الخالق .
    (( أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ))
    [ أخرجه الحكيم البيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء ] .

    صنعة الله المتقنة :

    لذلك : ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ﴾ ، يخلق ما يشاء كماً ، وإذا صنع شيئاً صنعه بإتقان ما بعده إتقان .
    البعوضة أحقر مخلوق عند الإنسان ، يوجد برأسها مئة عين ، بفمها 48 سناً ، بصدرها ثلاثة قلوب ، قلب مركزي ، وقلب لكل جناح ، لكل قلب دسامان ، وأذينان ، وبطينان ، هناك جهاز استقبال حراري ، وجهاز تحليل دم ، وجهاز تخدير ، وجهاز تمييع ، بخرطومها ست سكاكين ، و بأرجلها مخالب ، ومحاجم .

    ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ .
    ( سورة البقرة الآية : 26 ) .
    لو وازنت بين صنعة الإنسان ، مع أن الإنسان إذا شرد عن الله عز وجل يؤخذ بصنعة الإنسان ، وبين صنعة الواحد الديان .
    هذه البقرة معمل ، معمل يقدم لك هذا الحليب ، الذي هو أحد أسباب الغذاء ، هذا الحليب بلا صوت ، بلا ضجيج ، بلا تلوث ، تأكل الحشيش تعطيك الحليب ، تصنع منه مشتقات الألبان ، لو فكر الإنسان في طعامه .
    ﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ .
    ( سورة عبس ) .
    كيف القمح هو المحصول الأول في حياة الإنسان ، ساق السنبلة هي الغذاء الأول للحيوان ، كيف أن القمح غذاء كامل للإنسان ، ساق السنبلة غذاء كامل للحيوان .

    ﴿ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ .
    ( سورة النازعات ) .

    منهج الله منهج واسع جداً علينا التقيد به :

    أخوانا الكرام ، إذا الإنسان تفكر في آيات الله الدالة على عظمته عرفه ، وإذا عرفه أحبه ، ومن أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه ، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه .
    تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
    لـو كان حبك صادقاً لأطعته إن الـمحب لمن يحب مطيع
    ***
    يمكن أن نستنبط أن الجهة الوحيدة التي يمكن أن تطاع هي الجهة الخالقة ، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ يعني مفهوم الربوبية مفهوم عطاء ، خلق ، إكرام ، منح ، مفهوم الإلوهية مفهوم انضباط ، في أمر ، في نهي ، في حلال ، في حرام ، في واجب ، في سنة ، في سنة مؤكدة ، في كراهة ، في تحريم شديد ، في أحكام لا تعد ولا تحصى .
    لذلك منهج الله منهج واسع جداً ، يجب أن تتقيد به لعل الله سبحانه وتعالى يسلمنا جميعاً ، ويسعدنا جميعاً .
    والحمد لله رب العالمين

  6. #76

    افتراضي

    اسم الله : الخلاق(2)

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

    من أسماء الله الحسنى : ( الخلاّق ) :

    1 – معنى ( الخلاّق ) :

    أيها الإخوة الكرام ، لا زلنا في اسم الله ( الخلاّق ) ، و( الخلاّق ) كما قلت صيغة مبالغة من الخالق ، والخالق ، هو الذي خلق كل شيء من لا شيء على غير مثال سابق .

    2 – الفرق بين خلق الله ونسبة الخلق إلى الإنسان :

    أما إذا نسبنا مجازاً إلى الإنسان الخلق فهو الذي يصنع شيئاً من كل شيء ، وعلى مثال سابق ، لذلك فرق كبير بين صنعة الإنسان وبين صنعة الواحد الديان .
    على كلٍّ ، ( الخلاّق ) هو المبدع كَمًّا وكيفاً ، وقد قال الله عز وجل :


    ﴿ الَّذِي أَحْسَن كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
    ( سورة السجدة الآية : 7 )

    التفكَّر عبادة من العبادات :

    وبالمناسبة ، هناك عبادة هي أرقى عبادة على الإطلاق ، إنها عبادة التفكر ، الأصل فيها قوله تعالى :

    ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
    ( سورة آل عمران )
    الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان قوة إدراكية ، ونصب له كوناً ينطق بكل تفاصيله بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، وقد قال الله عز وجل :


    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
    ( سورة السجدة الآية : 7 )
    والله عز وجل جعل التفكر بآياته الكونية والتكوينية والقرآنية سبيلاً إلى معرفته ، قال تعالى :

    ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
    ( سورة الجاثية )
    أي ليس هناك من طريق للإيمان لعظمة الله إلا التفكر في آياته .


    ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ ﴾
    ( سورة النحل الآية : 104 )

    الكون صورة للقدرة للإعجاز والقدرة الربانية :

    فلذلك يمكن أن نقف وقفة متأنية عند خلق السماوات والأرض ، هذا الكون هو ما سوى الله ، وعُبر عنه في القرآن الكريم بمصطلح السماوات والأرض ، السماوات والأرض مصطلح قرآني ، يعني الكون ، والكون ما سوى الله .

    الكون متحرّك :

    الكون متحرك ، وبناء على قانون الجاذبية لولا أنه متحرك لاجتمع الكون كله في كتلة واحدة ، المليار مليار مجرة ، وكل مجرة فيها مليار مليار نجم ، لولا أن الكون متحرك ، لولا أن كل كوكب يتحرك ويدور حول كوكب آخر لاجتمع الكون كله في كتلة واحدة .
    أما بحركة الكوكب فتنشأ عنها قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة ، فالمحصلة حركة مع سكون ، أو سكون حركي ، وهذا شيء دقيق جداً ، أنه شيء متحرك ويبدو ساكنًا .
    الأرض متحركة ، في الثانية تقطع ثلاثين كيلومترا في الثانية ، في عشر ثوانٍ 300 كم ، في عشرين ثانية 600 كم ، في ستين ثانية ساعة ، ففي الساعة نقطع مئات ألوف الكيلو مترات ، هذا شيء من مسلَّمات العلم الفلكي :
    ﴿ الَّذِي أَحْسَن كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
    لما يعوِّد الإنسان نفسه بأن يجول في آيات الله الدالة على عظمته يزداد معرفة بالله ، لأن الله سبحانه وتعالى :


    ﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ﴾
    ( سورة الأنعام الآية : 103 )

    سرعة الضوء :

    ولكن العقول تصل إليه ، فإذا كان بُعْد أقرب نجم ملتهب عنا أربع سنوات ضوئية ، وأي طالب في الإعدادي يحسب ، الضوء سرعته 300 ألف كم في الثانية ، ضرب ستين بالدقيقة ، ضرب ستين بالساعة ، ضرب 24 باليوم ، ضرب 365 بالسنة ، ضرب أربعة ، في ثوان يُحسب هذا الرقم ، لو أن طريقًا معبدًا لهذا الكوكب ، ومعنا مركبة أرضية ، سرعتنا 100 ، قسم هذه المسافة على 100 ، الناتج كم ساعة ، قسم على 24 كم يوم ، قسم على 365 كم سنة ، من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب نحتاج إلى 50 مليون عام ، من أجل أن تعرف ماذا تعني أربع سنوات ضوئية ، أربع سنوات ضوئية تعني قيادة مركبة إلى هذا الكوكب خمسين مليون عام ، الإنسان كل عمره مئة عام إذا عاش هذا السن .
    هناك شيء في الكون مذهل ، أربع سنوات خمسين مليون عام ، أربعة آلاف سنة بُعد نجم القطب عنا ، من أربع سنوات لأربعة آلاف سنة ، مليونا سنة ضوئية ، المرأة المسلسلة عشرين مليار سنة ، بُعد أحد الكواكب ، لذلك :


    ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ﴾
    ( سورة فاطر الآية : 28 )
    وكلمة ( إنما ) تعني أن العلماء وحدهم ولا أحد سواهم ، لذلك :
    ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ﴾
    إذا كانت الشمس تكبر الأرض بمليون و300 ألف مرة ، وجوف الشمس يتسع لمليون و300 ألف أرض ، وبين الأرض والشمس 156 مليون كم ، وأن نجماً صغيراً أحمر اللون في برج العقرب اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما .

    ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾
    ( سورة غافر )
    هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟
    إذاً : لولا أن كل كوكب يتحرك ، وينشأ عن هذه الحركة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة لاجتمع الكون كله في كتلة واحدة :
    ﴿ الَّذِي أَحْسَن كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾

    تفاوت درجة انصهار العناصر في الكون :

    تصور أن كل عناصر الكون يحكمها قانون الانصهار ، كلما ارتفعت الحرارة ازدادت سرعة الذرات ، فأخذ الجسم أو العنصر شكلاً ، من الحالة الصلبة إلى الحالة اللزجة ، إلى الحالة المائعة ، إلى الحالة الغازية ، أيّ شيء إذا رفعت حرارته انتقل من حالة الصلابة إلى الميوعة ، إلى الغازية ، حتى صخور البازلت ترونها تمشي في البراكين كالأنهار ، ولو ـ نظرياً ـ رفعنا الحرارة أكثر لأصبح صخر البازلت بخاراً ، هذا قانون .
    الآن دقق : لو أن كل عناصر الكون لها درجة انصهار واحدة ، ما الذي يحصل ؟ الكون كله إما أنه صلب ، أو مائع ، أو غاز ، أما أنت ترى طاولة صلبة ، ومقعد وثير لين ، وماء تشربه ، وهواء تستنشقه ، من الذي قنن أن كل عنصر في الأرض له درجة انصهار ، لولا هذا التفاوت في درجات الانصهار لكان الكون كله في حالة واحدة ، أنت عندك بيت من الإسمنت ، صلب ، فيه حديد ، فيه مقاعد وثيرة ، فيه ماء تشربه ، فيه هواء تستنشقه ، فيه غازات ، فيه سوائل ، فيه معادن .
    إذاً : لو فكرنا في أن درجة انصهار العناصر متفاوتة لعرفنا قيمة هذه النعمة .

    تناسق الأرض وتناسبها لحجم الإنسان :

    أيها الإخوة ، أنت وزنك بالأرض 60 كغ ، على القمر عشرة كغ ، على كوكب بحجم الشمس ضرب مليون ضعف ، 60 مليون كغ ، من صمم الأرض بحجم يتناسب معنا ؟ هذا من نعم الله الكبرى ، أنك موجود على كوكب وزنك 60 كغ ، لكن على كوكب آخر قد يكون الوزن 60 مليون كغ ، صارت الحركة أشغالا شاقة إذاً : من جعل هذه الأرض متناسبةً مع حاجاتك .

    دوران الأرض على محور متعامدٍٍ لمستوى دورانها :

    شيء آخر ، الأرض تدور ، دقق في هذا الكلام ، لو أن الأرض تدور على محور موازٍ لمستوى دورانها ، أي الشمس تدور هكذا لانتهت الحياة ، تدور هكذا ، وجه فيه أشعة شمس بشكل دائم ، هذا الوجه حرارته 350 درجة ، تنتهي الحياة ، والقسم الثاني حرارته 270 تحت الصفر ، هذا لو أن الأرض تدور على محور موازٍ لمستوى دورانها ، من الذي صمم أنها تدور على محور مبدئياً متعامد مع مستوى دورانها ، لما دارت الأرض على محور متعامد مع مستوى دورانها كان الليل والنهار .

    ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ﴾
    ( سورة فصلت الآية : 37 )
    لو أن سرعة الأرض عالية جداً في دورانها ، الليل ساعة ، والنهار ساعة لاضطربت الحياة ، لو أنها بطيئة ، الليل شهر ، والنهار شهر ، وأنت طاقتك 8 ساعات عمل ، يجب في النهار أن تعمل وترتاح ، وتعمل وترتاح ، الحياة اضطربت ، هذا نائم ، هذا مستيقظ ، الأرض كلها يلفها الظلام في 12 ساعة ، وكلها يلفها النور والضياء في 12 ساعة .
    لذلك دوران الأرض على محور ليس موازياً لمستوى دورانها ينشأ منه الليل والنهار ، لو أن الأرض تدور حول الشمس على محور عمودي على مستوى دورانها صار هنا الصيف إلى أبد الآبدين ، وهنا الشتاء إلى أبد الآبدين ، ليس هناك في فصول ، لأنها تدور حول محور مائل على مستوى دورانها ، تدور هكذا ، هنا الصيف ، فلما انتقلت إلى هنا صار الشتاء ، هنا الشتاء وهنا الصيف ، إذا جاءت أشعة الشمس عمودية على سطح الأرض كان الصيف ، فإذا جاءت مائلة كان الشتاء ، لما يقول الله لك :


    ﴿ وَمِنْ آيَاتِه اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾
    ( سورة فصلت الآية : 37 )
    وقدر أقواتها في أربعة أيام ، يعني الصيف ، والشتاء ، والربيع ، والخريف ، هذا النظام نظام غذائي أيضاً .
    لذلك أيها الإخوة :

    ﴿ وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾
    ( سورة يوسف )
    يجب أن تتفكر ، والله عز وجل يقول لك :
    ﴿ وَمِنْ آيَاتِه اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾

    دوران الأرض حول الشمس :

    الآن الأرض تدور حول الشمس بمسار إهليلجي ، والمسار الإهليلجي فيه قطر أطول ، وقطر أصغر ، الآن الأرض في اتجاه إلى القطر الأصغر ، المسافة في القطر الأصغر قلّت ، الجاذبية ازدادت ، فهناك احتمال أن تنجذب الأرض إلى الشمس ، وإذا انجذبت إلى الشمس تبخرت في ثانية واحدة ، لأن جوف الشمس الحرارة فيه عشرون مليون درجة ، ما الذي يمنع أن تنجذب الأرض إلى الشمس وتنتهي الحياة ؟ الذي يمنع هذا أن الله جل جلاله يرفع سرعتها ، فإذا ارتفعت سرعتها نشأ عن هذه السرعة الزائدة قوة نابذة زائدة تكافئ القوة الجاذبة الزائدة ، وتبقى على مسارها .

    ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ﴾
    ( سورة فاطر الآية : 41 )
    من آيات الله الدالة على عظمته أن تبقى الأرض على محور دورانها ، وعلى خط سيرها حول الشمس ، الآن تجاوزت هذه المنطقة التي فيها القطر أصغر ، ورفعت سرعتها فنشأ من هذه السرعة الزائدة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فبقيت على مسارها ، فلما وصلت إلى القطر الأطول الجاذبية ضعفت ، والسرعة عالية ، هناك احتمال كبير أن تتفلت الأرض من جاذبية الشمس ، فإن تفلتت انتهت الحياة ، لأنها تصبح قبراً جليدياً .
    إذا ابتعدت الأرض عن مصدر الطاقة والحرارة تصبح قبراً جليدياً ، 270 تحت الصفر ، وتنتهي الحياة ، من الذي يخفض سرعتها هنا من أجل أن ينشأ عن تخفيض السرعة قوة نابذة أقلّ تكفئ القوة الجاذبة الأقل ؟ الله جل جلاله ، لذلك :


    ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾
    ( سورة الزمر الآية : 67 )

    الشمس طاقة وضياء :

    من قال : هناك كواكب منطفئة في الأرض ، وهناك كواكب ملتهبة ، لولا أن هناك كواكب ملتهبة ، وكواكب منطفئة لما كانت الحياة ، الشمس مصدر الطاقة ، والشمس متألقة من خمسة آلاف مليون عام ، والعلماء يقدرون أن عمر الشمس يستمر إلى خمسة آلاف مليون عام أخرى ، هذه الطاقة من أودعها فيها ؟
    ﴿ وَمِنْ آيَاتِه اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾

    الهواء :

    أيها الإخوة ، من الذي خلق الهواء ؟ الهواء طبقة فوق الأرض ، سمك هذه الطبقة 65 ألف كم ، من الذي قنن هذا الهواء أن يتحرك مع الأرض ؟ لو أن حركة الهواء منفصلة عن حركة الأرض ما الذي يحصل ؟ ينشأ تيارات أعاصير على سطح الأرض سرعتها 1600 كم .
    مرة في دمشق هبت رياح عاصفة هُدمت أبنية ، وانهارت جدران ، وانهارت أسوار ، السرعة كانت 125 كم ، فإذا كانت السرعة 1600 كم لا يبقَى على وجه الأرض شيء ، لو أن الهواء ثابت والأرض تدور ، من الذي قدر أن الهواء يدور مع الأرض ، لذلك :

    ﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ﴾
    ( سورة الروم الآية : 42 )
    ما قال : على الأرض ، لأن الهواء مع الأرض ، أنت تمشي في الأرض لا على الأرض ، لأن الهواء عُدّ مع الأرض ، لذلك لولا أن الهواء ثابت مع الأرض لهُدم كل شيء على سطح الأرض ، وبعض الأعاصير بأمريكا تقترب سرعتها من 500 كم لا يبقَى شيء على وجه الأرض ، تُدمر مدنًا بأكملها .
    فلذلك أيها الإخوة ، الهواء أولاً وسيط ، ولولا الهواء لما سمعت كلامي ، رواد الفضاء على سطح القمر يتكلمون باللاسلكي بينهم ، يكون واقفًا إلى جانب الرائد لا يسمعونه ، هناك وسيط ، الهواء وسيط ينقل لك الصوت ، ينقل لك الحرارة ، فالهواء وسيط ، هو ينقل لك الدفء ، والحرارة ، والصوت .

    الماء :

    من الذي خلق الماء ، لا لون له ، ولا طعم له ، ولا رائحة ، وسيط أيضاً .


    ﴿ مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾
    ( سورة الأنبياء الآية : 30 )
    لو أن الفكر انطلق في التفكر في خلق السماوات والأرض لعرف الله ، هذا الإله العظيم ينبغي أن يُطب وده ، وهذا الإله العظيم ينبغي أن يطاع فلا يعصى .


    ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
    ( سورة آل عمران الآية : 102 )
    قال علماء التفسير : معنى :
    ﴿ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
    أي : أن تطيعه فلا تعصيه ، وأن تشكره فلا تكفره ، وأن تذكره فلا تنساه .

    المشيمة :

    أيها الإخوة ، حينما يولد الطفل ينزل من رحم الأم مع قرص لحمي اسمه المشيمة ، وهذه المشيمة قرص لحمي يجتمع فيها دم الوليد مع دم أمه ، في أثناء الحمل يجتمع دم الأم مع دم الجنين في المشيمة ، ولا يختلطان ، ولكل دم زمرته ، كيف ؟ لأن بين الزمرتين غشاء سماه علماء الطب الغشاء العاقل ، لأنه يقوم بأعمال يعجز عنها العقلاء ، ما هذه الأعمال ؟
    أولاً : هذا الغشاء العاقل بين دم الأم ودم الجنين ، ولا يختلطان ، ولو أن إنساناً أعطي دماً من زمرة غير زمرته لمات فوراً بما يسمى انحلال الدم ، الغشاء العاقل يأخذ الأوكسجين من دم الأم ، ويطرحه في دم الجنين ، ثم يأخذ السكر من دم الأم ، ويطرحه في دم الجنين ، لما أخذ الأوكسجين قام بدور جهاز التنفس ، ولما أخذ السكر قام بدور جهاز الهضم ، ثم يأخذ الأنسولين من دم الأم ، ويطرحه في دم الجنين ، صار بدم الجنين سكر و أوكسجين وأنسولين ، احترق السكر ، ولد طاقة ، والجنين حرارته 37 ، من أين جاءت هذه الحرارة ؟ من احتراق السكر بالأوكسجين عن طريق الأنسولين الذي أمنه الغشاء العاقل من دم الأم إلى دم الجنين ، وينشأ عن هذا الاحتراق ثاني أوكسيد الكربون ، يأتي الغشاء العاقل فيأخذ ثاني أوكسيد الكربون من دم الجنين ويطرحه في دم الأم ، لذلك جزء من نفس الأم هو نفس جنينها ، أنفاس الأم في أثناء التنفس جزء منه أنفاس دم الجنين ، الآن الغشاء العقل يأخذ من دم الأم عوامل المناعة ، فجميع الأمراض التي أصيبت بها الأم تنتقل عوامل مناعتها إلى دم الجنين ، فالجنين محصن من كل الأمراض التي أصيبت بها أمه ، يدُ من ؟ يد الله عز وجل .
    الآن الغشاء العاقل يأخذ من دم الأم كل حاجات الجنين الغذائية ، البروتينات والشحوم ، والشحوم الثلاثية ، والسكريات ، والنشويات ، والمعادن ، وأشباه المعادن والفيتامينات ، يأخذ كل عناصر الغذاء من دم الأم بنسب تتبدل كل ساعة ، لو أوكِل أمر الغشاء العاقل إلى نخبة من أطباء الأرض لمات الجنين في ساعة واحدة ، يأخذ هذا الغشاء العاقل من دم الأم كل عوامل التغذية ، ومكونات الغذاء بمعايير دقيقة جداً فيطرحها في دم الأم ، يأخذها من دم الأم ، ويطرحها بدم الجنين ، يكون الهضم وما يسمى بالاستقبلاب ، ينتج عن هذا الهضم حمض البول ، يأتي الغشاء العاقل فيأخذ حمض البول من دم الجنين ، ويضعه في دم الأم ، فجزء من بول الأم هو بول جنينها .
    وقد يحتاج الجنين إلى مادة غذائية معينة ، فيكيف يخبر أمه ؟ لا طريق للتواصل بينهما ، عن طريق أن الأم تشتهي طعاماً في أثناء الحمل فيه هذه المادة ، تصميم من ؟ خلق من ؟
    لذلك أيها الإخوة :

    ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
    التفكر في خلق السماوات والأرض يضعك أمام عظمة الله ، وأنت إذا عرفت الله عز وجل فلا بد من أن تطيعه ، وسبحان الله عز وجل ! قال بعض الشعراء :
    تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
    لـو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لـمن يحب يطيع
    ***

    والحمد لله رب العالمين

  7. #77

    افتراضي

    اسم الله : القدير (1)

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

    من أسماء الله الحسنى : ( القدير ) :

    أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم هو ( القدير ) ، ونحن حينما ونقرأ الآية الكريمة :

    ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
    ( سورة الأعراف الآية : 180 )

    1 – الإنسان ضعيف عاجز :

    إذاً : أسماء الله كلها حسنى ، وصفاته كلها فضلى ، والإنسان في أصل فطرته ، مفطور على حب القدير ، هناك ضَعف في أصل خلق الإنسان ، هذا الضعف لصالحه ، هذا الضعف الذي في أصل خلق الإنسان أحد أسباب تدينه ، حتى الذين يؤمنون بديانات أرضيه ليس عندها أصل عند الله سبحانه وتعالى هم يلبون حاجه في نفوسهم أتت من ضعفهم ، فالضعيف يحتاج إلى قوي .
    ﴿ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾
    ( سورة النساء ) .

    ﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾ .
    ( سورة المعارج ) .
    فالإنسان دون أن يشعر يتجه إلى قوي يلوذ به ، إلى قوي يحميه ، إلى قوي يدافع عنه ، إلى قوي يلجأ إليه .
    فالإنسان حينما يتجه إلى الله الحقيقي خالق السموات والأرض ، يكمل ضعفه الذي أراده الله باعثاً إلى معرفة الله وطاعته ، وقطف ثمار عبوديته لله عز وجل .
    فالإنسان ضعيف ، وهذا الاسم :

    ﴿ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
    ( سورة فاطر )

    2 – الإنسان مفطور إلى الاتجاه إلى قوي :

    بالمناسبة أيها الأخوة ، طبيعة النفس تقتضي أنها لا تتجه إلا لما توقن أنه يعلم ، ويسمع ، ويرى .

    ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
    ( سورة غافر )
    الله عز وجل إن تكلمت فهو يسمع ، وإن تحركت فهو يرى ، وإن أضمرت فهو يعلم ، يسمعك إذا دعوته ، ويراك إذا توجهت إليه ، ويعلم سرك وجهرك ، وفضلا ًعن ذلك الإنسان لا يتجه إلى جهة إلا إذا أيقن أنها تسمعه ، وأنها قادرة على أن تلبيه .
    الإنسان بحاجه إلى مبلغ فلا يذهب إلى إنسان فقير ، لأن هذا مضيعة للوقت ، يذهب إلى من يتوهم عنده المبلغ .
    إذاً : أنت تدعو من ؟ تدعو من يسمعك ، وتدعو من هو قادر على حل مشكلتك ، وتدعو من يحبك ، القوي الذي يعاديك لا تتجه إليه ، تتجه إلى قوي يريد أن يرحمك ، فلمجرد أن تدعو الله عز وجل ـ دقق ـ لمجرد أن تدعو الله عز وجل فأنت مؤمن بوجوده ، ومؤمن بسمعه وبصره وعلمه ، ومؤمن بقدرته ومؤمن برحمته .
    لذلك قال تعالى :

    ﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾
    ( سورة الفرقان الآية : 77 )
    عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ :  وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ  ، قَالَ :
    (( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ )) .
    [ الترمذي ]
    في رواية أخرى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
    (( الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ )) .
    [ الترمذي ]
    الدعاء هو العبادة ، فلمجرد أن تدعو الله من أعماق قلبك ، وأنت موقن بأنه يعلم ، ويسمع ، ويرى ، وهو قادر على أن يلبّيك ، وهو يحب أن يلبيك ، يحبك ويرحمك ، فأنت مؤمن .
    لذلك بعض الأسماء أحياناً أقرب إلى الإنسان من بعض الأسماء الأخرى ، أنت إنسان ضعيف مفتقر :
    ﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعً ﴾
    شديد الجذع ، حريص على ما في يديه :
    ﴿ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾
    ضعفك وهلعك ، وشدة خوفك ، وحرصك على ما في يديك ، هذه الصفات التي هي صفات ضعف في أصل خلقك هي لصالحك .

    3 – كل شيء بيد الله القويّ :

    مِن هنا يأتي اسم ( القدير ) ، إنك تعتز بقوي .
    اجعل لربك كل عـز ك يستقر ويثبــت
    فإذا اعتززت بمن يمو ت فإن عزك مـيت
    ***
    أنت كمؤمن حينما تعتز بالله فأنت أقوى الأقوياء .
    ورد في بعض الآثار : " إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، وإذا أدرت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله أوثق منك بما في يديك ، إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاَتق الله .
    إخوتنا الكرام ، لا يجتمع مرض نفسي مع الإيمان ، لأن الله موجود ، كل شيء بيده .
    تصور شابا سيق إلى الخدمة الإلزامية ، ووالده قائد الجيش ، وفي الجيش عريف ، ومساعد ، وملازم ، وملازم أول ، ورائد ، ومقدم ، وعقيد ، وعميد ، كلها هذه الرتب مهما علت فهي تحت قبضة أبيه ، فإذا هدده عريف وبكى فهو غبي جداً .

    4 – الإيمان بأن الله قويٌّ يبعث على الطمأنينة والثبات والنصر :

    حينما يؤمن الإنسان بالله فأيّ قوي هو في قبضة الله ، كل ما حولك بيد الله ، كل مَن حولك بيد الله ، كل مَن فوقك بيد الله ، كل مَن تحتك بيد الله ، لا يمكن أن يقبل خوف وفزع ، وهلع وانهيار مع الإيمان بالله ، بل إن الإيمان بالله أصل في الصحة النفسية ، التماسك والقوة والمعنويات المرتفعة ، ومواجهة الأخطار بثبات ، ورباط جأش يحتاج إلى إيمان .
    القصص التي يرويها القرآن هي لمن ؟ هي لنا :


    ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
    ( سورة الشعراء )
    بل بالمنظور الأرضي احتمالات النجاة صفر ، فرعون بجبروته ، بقوته ، بأسلحته ، بحقده ، بطغيانه ، وراء فئة وشرذمة قليلة جداً مستضعفه خائفة ، وصلت إلى البحر ، وهو مِن ورائهم .


    ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾
    ( سورة الشعراء )
    الله عز وجل يريدك أن تثق به ، يريدك أن تكون مطمئناً لقدرته ورعايته .
    فلذلك من صفات المؤمن أنه واثق من نصر الله عز وجل ، النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذهب إلى الطائف وكذبه أهلها ، واستخفوا به ، واستهزؤوا به ، وأغروا صبيانهم ، أي نالوه بالأذى ، وسال الدم من قدمه ، الآن قفل راجعاً إلى مكة ، يقول له زيد : يا رسول الله ، كيف ترجع إلى مكة وقد أخرجتك ؟ أنا أتصور إذا كان هناك خط بياني الدعوة قد وصل الخط إلى النهاية الصغرى ، مكة أخرجته ، وكذبته ، وكفرت بدعوته ، واستهزأت به ، فلما لجأ إلى أهل الطائف فعلوا به أشنع مما فعل أهل مكة ، ليس له أحد ، فقال كلمة لا تنسى ، قال : يا زيد إن الله ناصر نبيه ، هذه ثقة الإنسان بالله مبعثها معرفته .
    ولما انتقل من مكة إلى المدينة مهاجراً ، ووضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، مكافأة على من يقتله ، أو من يقبض عليه ، وهذا رقم فلكي في مقاييس ذلك العصر ، تبعه سراقه ليلقي القبض عليه ، أو ليقتله ، ويأخذ المئة ناقة ، فقال له النبي الكريم بكل بساطه : يا سراقة ، كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ ماذا يقول ؟! أنت ملاحق مهدور دمك ، تقول : كيف بك يا سراقه إذا لبست سواري كسرى ؟ أي أنك سوف تصل إلى المدينة سالماً ، وسوف تؤسس دولة ، وسوف تنشئ جيشاً ، وسوف تحارب أقوى دولة في العالم ، وسوف تنتصر عليها ، وسوف تأتيك غنائم كسرى إلى المدينة ، ولك يا سراقه سوار كسرى .
    أيها الإخوة ، الآن العالم الإسلامي خطه البياني في النهاية الصغري ، في الحضيض ، اصطلح العالم كله على محاربته ، وأي عمل عنيف على سطح الأرض ينسب إلى المسلمين ، والعالم شرقاً وغرباً يحارب المسلمين ، والإعلام بكل قوته يحارب المسلمين ، والمؤمن الصادق لا تضعف معنوياته أبداً ، إن الله ناصر هذا الدين ، إن الله لا يتخلى عن المؤمنين ، وأخطر شيء في حيات الأمة أن يهزم الإنسان من الداخل :

    ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
    ( سورة آل عمران )

    أوهام لا أساس لها من الصحة تتناقض مع الإيمان بالله :

    إخوتنا الكرام ، إذا توهم الإنسان توهماً أن الله لا يعلم ما يجري فهذا يناقض إيمانه بالله ، لأن الله عز وجل يقول :
    ﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا ﴾
    ( سورة الأنعام الآية : 59 )
    وإذا توهم أن الله لا يقدر أن يدمر أعداءه هو واهم ، وهذا يناقض إيمانه بالله عز وجل :
    ﴿ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
    وإذا توهم أن الله لا يعنيه ما يجري في الأرض فهو واهم ، لأن الله عز وجل يقول :
    ﴿ فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
    ( سورة الزخرف الآية : 84 )
    وإذا توهم أن أعداء المسلمين يفعلون شيئاً ما أراده الله فهو واهم ، لقول الله عز وجل :

    ﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ ﴾ .
    ( سورة الأنفال ) .
    يجب أن تؤمن أن الله يعلم ، وهو قادر ، ويعنيه ما يجري في الأرض ، وهؤلاء أعداؤه لا يستطيعون أن يتحركوا إلا بإذنه ، ولن يتفلتوا من قبضته .
    إذاً : هناك حكمة بالغة فيما يجري ، ولصالح المسلمين ، ولكن هذه نعمة باطنة ، وليست نعمة ظاهرة ، قال تعالى :

    ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾
    ( سورة لقمان الآية : 20 )
    إذاً : كلمة ( القدير ) تملأ النفس طمأنينة ، تملأ النفس ثقة بنصر الله عز وجل .

    5 – ورودُ اسم ( القدير ) في الكتاب والسنة :

    هذا الاسم أيها الإخوة ورد في القراَن وفي السنة معاً ، في القرآن ورد في قوله تعالى في سورة الروم :


    ﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾
    ( سورة الروم )
    ورد أيضاً في ثلاثين موضعا في القرآن الكريم ، كقوله تعالى :


    ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ .
    ( سورة آل عمران )
    في ثلاثين آية في القراَن ورد فيها :
    ﴿ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
    وآية واحدة ورد فيها :
    ﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾
    وفي الحديث الشريف في قوله عليه الصلاة والسلام :
    (( لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ؛ اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ )) .
    [ رواه البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه ]
    وهذا هو التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد :
    (( اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ )) .
    كن مع الله ترَ الله مـعك و اترك لكل وحاذر طمعك
    و إذا أعطاك من يمنـعه ثم من يعطي إذا ما منعـك
    ***

    ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ﴾
    ( سورة فاطر الآية : 2 )
    إذا كان الله معك فمن عليك ؟! وإذا كان عليك فمن معك ؟! ويا رب ، ماذا فقَد من وجدك ؟ وماذا وجد مَن فقدك ؟
    شيء آخر ، في ثلاثين موضعا في القراَن الكريم ورد اسم ( القدير ) ، من هذه المواضع مثلاً :


    ﴿ عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾
    ( سورة الممتحنة )
    إذاً : هذا الاسم ( القدير ) ورد في القراَن والسنة .

    6 – اشتقاق اسم ( القدير ) في اللغة العربية :

    من أي فعل اشتُق ؟ إما من التقدير ، وإما من القدرة ، فالإنسان أحيانا يكون عالما ، إذاً : عنده تقدير دقيق ، و أحيانا يكون قويا عنده قدرة ، وأحياناً تلتقي مع إنسان بأعلى درجات العلم ، لكنه لا يملك أن ينفذ ما يطمح إليه ، وقد تجد إنسانا آخر في أعلى درجات القوة ، ولكن لا يعلم ماذا يفعل ، فهو إمّا قوي لا يعلم ، وإما عالم لا يقدر .
    تماماً كما ذكرت من قبل : أحياناً الإنسان يقدر إنساناً ولا يحبه ، وقد يحب إنساناً ولا يقدره ، يكون الأب ، وتكون الأم أحياناً بأعلى درجات الحب ، لكن لم يتح لها أن تكون مثقفة ثقافة عالية ، لها ابن يحمل أعلى شهادة ، يحب أمه حباً لا حدود له ، لكن في ميزان العلم لا وزن لها ، وقد يلتقي مع إنسان عالم كبير لكنه لئيم ، فيقدّر علمه ، ولا يحبه ، لكن الذات الإلهية بقدر ما تعظمها بقدر ما تحبها .


    ﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾
    ( سورة الرحمن )
    بالجلال تعظمه ، وبالإكرام تحبه ، هذه أسماء الله الحسنى .
    الله عز وجل قدير ، من التقدير ، يعني أنه ذو علم دقيق جداً ، وقدير من القدرة ، فبقدر ما تطمئن إلى علمه تطمئن إلى قدرته ، وبالعكس ، وبقدر ما تطمئن إلى قدرته تطمئن إلى علمه .
    فإذاً : اسم ( القدير ) مأخوذ من التقدير ، أو من القدرة .
    للتقريب : طبيب يتفقد مرضاه ، وقف عند مريض ، قرأ اللائحة الطبية ، رأى الضغط مرتفعا ، وهو طبيب ، أعطى أمراً ، وأمره نافذ ، أن يوقفوا الملح في الطعام ، الأمر سلطة ، وقراءة التقرير علم ، أن الضغط مرتفع ، والضغط المرتفع خطر ، فأعطى أمراً بمنعه من تناول الملح في وجباته الرئيسية .

    7 – اسم ( القدير ) يدور مع الإنسان في جميع حياته :

    الله عز وجل له قضاء وقدر ، القضاء علم ، والقدر تقدير ، وهذا الاسم يدور مع الإنسان في كل شؤون حياته ، الله عز وجل علم من هذا الإنسان كبراً ، فهيأ له معالجة حكيمة ، وضعه بموقف وقد أُهين به ، حينما يهان يتألم أشد الألم ، ثم يلقي في روعه أن هذه الإهانة بسبب الكبر الذي يظهر منك ، فصار الله عز وجل قديرا يعلم بدقة ، وقدير يملك القدرة كي يعيده إلى الصواب .
    الله عز وجل قدير ، وقدير صيغة مبالغة لقادر ، قادر قدير ، غافر غفور غفار ، وصيغ المبالغة كثيرة جداً ، فاعول فاروق ، فعِل حذر ، لو عدتم إلى كتب اللغة لرأيتم صيغ المبالغة صيغاً عديدة ، منها فعِل ، فلان حذر ، فلان فاروق ، يفرق بين المتناقضات .
    لذلك قادر اسم فاعل ، وقدير صيغة مبالغه لاسم الفاعل ، مقتدر من اقتدر ، والفعل خماسي فيه حروف زائدة ، والزيادة في المبنى دليل على الزيادة في المعنى .
    أيها الإخوة ، الله عز وجل مع عباده يعلم أحوالهم ويعالجهم ، وكما يقول العوام : العين بصيرة واليد قصيرة ، هذا شأن الإنسان ، وقد يكون الإنسان قديرا ، لكنه جاهل ، قدير جاهل ، متعلم ضعيف ، لكن الله قدير ، قدير بعلمه ، قدير بقوته .
    إذا لُذت به فأنت في مأمن ، وأنت في راحة ، وأنت في طمأنينة ، والله عز وجل قال :

    ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
    ( سورة الرعد الآية : 28 )
    وبالمناسبة من باب التعليق اللغوي : لو أن الله قال : تطمئن القلوب بذكر الله ، ما المعنى ؟ أي أنها تطمئن بذكر الله وبغير ذكر الله ، إما حين يقول :
    ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
    فيعني : لا تطمئن إلا بذكر الله ، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطمئن إلا إذا كنت مع الله ، لأن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال والقوة لكل الناس ، لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه من المؤمنين ، والأمن نعمة يختص بها المؤمن :


    ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾
    ( سورة الأنعام )
    إذاً : أيها الإخوة ، ( القدير ) ، من القدرة ، و( القدير ) من العلم من التقدير ، قدير من التقدير ، قدير بالقدرة ، هو يعلم ، وقادر على أن يعطيك سؤلك .
    لذلك عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
    (( الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ )) .
    [ الترمذي ]

    خاتمة :

    وهذا الاسم العظيم من أقرب الأسماء إلى الإنسان ، فأنت ضعيف وهو قدير ، أنت فقير وهو غني ، أنت لا تعلم وهو يعلم ، يا رب أنا لا أعلم ، لكنك تعلم ، أنا ضعيف ، لكنك قوي ، أنا فقير ، ولكنك غني ، والإنسان المؤمن يقوى بمن يعبده ، فأنت ضعيف ، لكنك مع القوي .
    أيها الإخوة الكرام ، معية الله لها نوعان : معية عامة ، فهو معكم أينما كنتم ، ومعية خاصة معية المؤمنين ، فهو معكم بعلمه ، لكنه الله مع المؤمنين ، معهم ناصراً وحافظاً ، ومؤيداً وموفقاً ، إذا قال الله عز وجل :

    ﴿ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
    ( سورة الأنفال )
    أي معهم بحفظه وتأييده ، ونصره وتوفيقه .

    والحمد لله رب العالمين

  8. #78

    افتراضي

    اسم الله : القدير (2)

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

    من أسماء الله الحسنى : ( القدير ) :

    أيها الإخوة الكرام ، لا زلنا مع اسم ( القدير ) .

    1 ـ الإنسان ضعيف :

    الله جل جلاله قدير ، والإنسان ضعيف ، وشأن الإنسان أن يكون مفتقرا إلى الله ، وشأن الله أن يقوي الإنسان الذي افتقر إليه ، وهذا من خصائص الإنسان ، الله سبحانه وتعالى جعل في أصل خلق الإنسان ضعفاً لصالحه ، لأن الإنسان لو خلق قويا لاستغنى بقوته ، فشقي باستغنائه ، خُلق ضعيفا ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ، شأن الإنسان أن يكون ضعيفاً ، لكنه يقوى بالله عز وجل .

    ﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إلاّ الُمُصَلّيِنَ ﴾
    ( سورة المعارج )
    ﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾
    والهلوع شديد الجزع ، فشأن الإنسان أنه جزوع هلوع ومنوع ، وشأن الإنسان أنه ضعيف ، لكن الإنسان إذا افتقر إلى الله يقوى ، إذا افتقر إلى الله يصبح عالماً ، إذا افتقر إلى الله يصبح غنياً .
    يا أيها الإخوة الكرام ، العبد عبد ، والرب رب ، ما مِنْ إنسان افتقر إلى الله عز وجل كرسول الله ، ومع ذلك رفع الله شأنه ، وأعلى قدره ، قال الله تعالى :

    ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
    ( سورة الشرح )

    درسان بليغان من غزوة بدرٍ وحنين :

    فكلما افتقرت إلى الله تولاك الله ، وكلما اعتدت بنفسك تخلى عنك ، ودرس بليغ من غزوة بدر .

    ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
    ( سورة آل عمران الآية : 123 )
    في بدر الصحابة الكرام افتقروا إلى الله فانتصروا ، أما في حنين :
    (( وقد أعجبتهم كثرتهم قالوا : لن نغلب من قلة )) .
    [ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عباس ]
    نحن كثيرون ، قال تعالى :

    ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَم تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾
    ( سورة التوبة )
    وهذان درسان بليغان في حياتنا ، إذا قلت الله تولاك ، ونصرك ، وأيدك ، وحفظك ، ووفقك ، إذا قلت : أنا ، خبراتي ، ثقافتي ، أسرتي ، جماعتي ، حينما تعتد بغير الله يتخلى عنك ، هذا درس بليغ .
    لذلك ورد في بعض الآثار :
    (( ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا ، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف له ذلك من نيته إلا جعلت الأرض تحت قدميه ، وقطعت أسباب السماء بين يديه )) .
    [ رواه ابن عساكر عن كعب بن مالك ]
    إذاً : الله عز وجل قدير ، الله عز وجل عليم ، الله عز وجل غني ، المؤمن يفتقر إلى الله .
    وما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالافتقار إليك فقري أدفع
    وما لي سوى قرعي لبابك حيلة فإذا رددت فأي باب أقرع
    ***
    الافتقار إلى الله يرفه شأن العبدَ :

    افتقر يرفع الله شأنك ، افتقر ينصرك ، افتقر يؤيدك ، افتقر يعزك ، قل أنا ، يتخلى الله عنك .
    مَن نحن أمام أصحاب رسول الله ؟ في حنين أصحاب النبي وهم صفوة الخلق ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام :
    (( إن الله اختارني واختار لي أصحابي )) .
    [ الجامع الصغير عن أنس بسند ضعيف ]
    ومع ذلك هم نخبة الخلق ، وفيهم سيد الخلق ، لما اعتدوا بأنفسهم ، وقالوا :
    (( لن نغلب من قلة )) ، تخلى الله عنهم ، فمَن نحن ؟ .
    لذلك أيها الإخوة :

    ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
    ( سورة الأعراف الآية : 180 )
    هو ( القدير ) ، هو القوي ، هو الغني ، شأن العبد أن يكون مفتقرا إلى غنى الله عز وجل ، شأن العبد أن يعترف بضعفه أمام الله عز وجل ، شأن العبد أن يكون مفتقرا إلى رب العالمين .
    لذلك ما لم يفتقر العبد إلى الله ، ما لم يمرغ جبهته في أعتاب الله ، ما لم يتذلل إلى الله فيما بينه وبين الله فلن يستطيع أن يأخذ من كمالات الله .
    أيها الإخوة ، ضعف العبد باعث إلى الإقبال على الله ، ضعفه هو الذي يدفعه إلى الله ، والنقطة الدقيقة جداً بقدر افتقارك إلى الله تكون قوياً وغنياً وعالماً ، والشيء الذي ينبغي أن يقال بوضوح : الله عز وجل يرفع قدر العبد بين الخلق ، إذا أحب الله عبداً ألقى محبته في قلوب الخلق .
    لذلك الله عز وجل ( قدير ) ، والله عز وجل قادر ، والله عز وجل مقتدر ، قادر اسم فاعل ، قدير اسم مبالغة من اسم الفاعل ، مقتدر من فعل اقتدر ، وفي صحيح الإمام البخاري يقول عليه الصلاة والسلام :
    ((لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ )) .
    هناك من يملك ولا يحمد ، هناك من يحمد ولا يملك ، لكن الله جل جلاله له الملك وله الحمد ، ذو الجلال والإكرام ، بقدر ما تعظمه بقدر ما تحبه ، مالك الملك بيده كل شيء لكن كماله مطلق ، يملك ويُحمد .
    (( لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ ، وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) .

    2 ـ قدرةُ الله متعلقة بكل شيء ممكنٍ :

    قوة الله عز وجل مطلقة ، تعلقت بكل ممكن .
    لذلك لو أن الإنسان أصيب بمرض عضال يقين المؤمن أن الله على كل شيء قدير ، لو كان وحيداً وأعداؤه كثر إن الله على كل شيء قدير .

    ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
    ( سورة الشعراء )

    ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
    ( سورة الأنبياء )
    إنسان دخل إلى بطن الحوت ، وفي البحر ، وفي الليل ، وفي ظلمة بطن الحوت ، سيدنا يونس :
    ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

    ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
    ( سورة الأنبياء )
    هل من مصيبة أكبر من أن يجد الإنسان نفسه فجأة في بطن حوت ؟ وحينما عقب على هذه القصة بقوله :
    ﴿ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
    قلبها إلى قانون ، لئلا تتوهم أن هذه قصة قد وقعت ولن تتكرر ، لئلا يغدو كتاب الله تاريخاً ، أراده قوانين :
    ﴿ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
    أيها الإخوة ، القنوط من رحمة الله ، واليأس ، والشعور بالإحباط والاستسلام للقدر ، وأن تقول : انتهى المسلمون ، هذا من ضعف الإيمان .

    ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
    ( سورة آل عمران )

    3 ـ العلمُ من لوازم قدرةِ الله :

    بالمناسبة أكثر الآيات التي ورد فيها اسم ( القدير ) ورد مع القدير العليم ، لأن العلم من لوازم القدرة .
    جراح بيده مقطع ، الشيء الدقيق جداً علمه ، هنا فيه عصب ، هنا فيه وريد هنا فيه شريان ، الجراح علمه بدقائق خلق الإنسان يجعله قديراً على إنجاح العملية .
    لذلك : من لوازم القدرة العلم ، الله عز وجل يذكر في أكثر الآيات أنه عليم قدير ، فعلمه من لوازم قدرته ، القدرة قد تكون عشوائية ، لكنه إذا رافقها علمٌ تغدو قدرة واعية ، هذا في الإنسان ، فكيف بالواحد الديان ؟ ففي صحيح البخاري :
    (( لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحمد )) .
    إخواننا الكرام ، ليس مع الإيمان مرض نفسي ، وليس مع الإيمان إحباط ، وليس مع الإيمان شعور بالإخفاق ، وليس مع الإيمان يأس ، ليس مع الإيمان انكماش ، هذه كلها أعراض الإعراض عن الله عز وجل ، أما المؤمن لأنه يعلم علم اليقين أن أمره كله بيد الله ، وأن الخير كله من عند الله ، وأنه لا رافع ، ولا خافض ، ولا معز ، ولا مذل إلا الله ، وأنه لا معطي ، ولا مانع إلا الله ، فهذا اليقين عند المؤمن يرفعه عن أن ييأس ، أو عن أن يتطامن ، أو عن أن يستسلم ، معنوياته المرتفعة بسبب يقينه أن الأمر بيد الله ، الله عز وجل قبل أن يأمرك أن تعبده طمأنك ، وقال لك :

    ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
    ( سورة هود الآية : 123 )

    التوحيد يملأ القلب أمنا وطمأنينةً :

    إخواننا الكرام ، لا تحل مشكلاتنا بأن الله خلق السموات والأرض ، لا تحل مشكلاتنا إلا بالإيمان بأن الأمر بيد الله .

    ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ ِلَهٌ ﴾
    ( سورة الزخرف الآية : 84 )

    ﴿ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾
    ( سورة الكهف )
    ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
    آيات التوحيد تملأ النفس طمأنينة ، هو قدير ، وأنت ضعيف ، هو أقوى من أعدائك ، أقوى من كل قوة في الكون ، هو خالق السماوات والأرض .

    ﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾
    ( سورة الأعراف الآية : 54 )
    إنسان يصنع طائرة ، ويبيع الطائرة ، الطائرة قوة مخيفة ، لكن بيد غير الصانع ، صنعت ، وبيعت ، الدولة التي اشترتها قد تقصف بها بلاداً صديقة للبلاد الصانعة لها .
    أما الآية دقيقة جداً :
    ﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾
    أيّ شيء خلقه أمره بيد الله .
    الآية الثانية :

    ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾
    ( سورة الزمر )
    ما من شيء مخيف إلا بيد الله ، بالضبط لو أنك رأيت وحوشاً كاسرة جائعة مفترسة مخيفة ، لكنها مربوطة بأزمة محكمة بيد جهة قوية حكيمة رحيمة عادلة ، علاقتك مع من مع ؟ الوحوش أم مع الذي يملكها ؟ مع الذي يملكها ، والآية الدقيقة :

    ﴿ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
    ( سورة هود )
    إخواننا الكرام ، عندما يوحد الإنسان يمتلئ قلبه أمنا ، وأماناً ، وتفاؤلاً ، وبشراً ، الأمر بيد الله ، ولا يعقل ولا يقبل أن يسلمك الله إلى غيره ، ثم يأمرك أن تعبده ، طمأنك وقال :
    ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
    هو القدير .
    لذلك في صحيح البخاري :
    (( لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) .
    اللهم لا مانع لما أعطيت ، إذا أعطاك ما يمنعه ؟ لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، هذا التوحيد .

    ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ﴾
    ( سورة فاطر الآية : 2 )
    (( اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ )) .
    [ رواه البخاري ومسلم ، عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه ]

    لا ينفع ذكاءُ العبد مع الله :

    الذكي ، والعاقل ، والذي يتقد حيوية ونشاطاً ، وامتلاكاً لحيلة ، هذا لا ينفعه مع الله شيء .
    (( إن الله تعالى إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه )) .
    [ أخرجه الخطيب في التاريخ عن ابن عباس ] .
    الذكاء لا ينفع مع الله عز وجل ، ينفع معه الاستقامة ، ينفع له أن تكون محسناً ، ينفع له أن تكون مستقيماً على أمره ، ينفع له أن تكون مفتقراً إليه ، ينفع له أن تكون محباً ، أما أن يكون ذكياً ، الله عز وجل :
    (( إن الله تعالى إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه )) .
    الأذكياء إذا اعتدوا بذكائهم يرتكبون حماقات لا أول لها ولا آخر .

    ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾
    ( سورة محمد )
    النجاح بيد الله ، ثمن النجاح الاستقامة ، أما الذكي ، والذي يملك خبرات عالية جداً ، والذي يملك أساليب ناجحة جداً ، والقوي ، والمعتد بنفسه فهذا الله عز وجل يأخذ منه عقله ، فيقع عليه العقاب الأليم .
    وحينما يشرك الإنسان يؤتى من مَأمَنِه ، وأحياناً يتفوق طبيب باختصاصه تفوقًا كبيرًا ، ويتوهم أحياناً أنه لن يصاب بالأمراض التي اختص فيها ، فلحكمة بالغة الطبيب الهضمي يصاب بقرحة ، لأنه اعتدّ بعلم ، وظن أن علمه يمنعه من أن يصاب بمرض من اختصاصه ، والقوي يعتد بقوته ، فيأتي أضعف منه فينتصر عليه .
    التوحيد أخطر شيء في الدين ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
    إذاً :
    (( لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ )) .
    الذي أوتي حظاً من عقل :
    (( وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ )) .
    لا ينجيك من الله أن تكون ذكياً ، لا ينجيك من الله أن تكون ذا خبرة عالية جداً ، لا ينجيك من الله أن تكون لك جماعة إسلامية ، لا ينجيك من الله خطة وضعتها بإحكام .
    لذلك أنا أقول دائما : إن أمة قوية خططت لبناء مجدها على أنقاض الشعوب ، وبناء رخائها على إفقار الشعوب ، وبناء قوتها على إضعاف الشعوب ، وبناء غناها على إفقار الشعوب ، وبناء عزتها على إذلال الشعوب ، إن هذه القوة الغاشمة نجاح خططها على المدى البعيد يتناقض مع وجود الله :
    (( وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ )) .
    لذلك :
    (( الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني منهما شيئا أذقته عذابي ولا أبالي )) .

    [ أخرجه أحمد ، وأبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة ، ابن ماجة عن ابن عباس ] .
    لذلك ورد في بعض الأحاديث :
    (( من علم منكم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي )) .
    [ أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن ابن عباس ]
    إخوانا الكرام ، الأصل هو العلم ، أن تعلم أن أسماء الله كلها حسنى ، وأن صفاته كلها فضلى ، لذلك هناك من يقول : يا رب لا نسألك رد القضاء ، ولكن نسألك اللطف به ، لا يا رب اصرف عني هذا كله ، لمَ لا تتوقع أن يكون هذا الشيء غير محقق ، لا ، اطلب من الله كل شيء .

    4 ـ دعاء العبد ربَّه لأنه قدير على الإجابة :

    عندما تدعو الله تكون عابدا لله ، كيف ؟ لمجرد أنك تدعو الله فأنت مؤمن بوجوده ، لأن الإنسان لا يدعو جهة لا يؤمن بها ، ولمجرد أنك إذا دعوت الله أنك مؤمن بسمعه ، يسمعك ، لأن الإنسان في الأصل لا يدعو جهة لا تسمعه ، ولمجرد أنك دعوت الله فأنت مؤمن بقدرته .
    إن إنساناً مفتقر إلى مبلغ كبير لا يسأل طفلاً صغيراً لا يملكه ، ولمجرد أنك تدعو الله فأنت مؤمن برحمته ، والذي يدعو الله مؤمن بوجود الله ، وبسمعه ، وبقدرته ، وبرحمته .
    لذلك :
    (( الدعاء هو العبادة )) .
    (( الدعاء مخ العبادة )) .
    [ أخرجه الترمذي عن أنس ]
    لأن الله عز وجل يقول :

    ﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾
    ( سورة الفرقان الآية : 77 )
    علامة إيمانك الصحيح أن تدعو الله ، والدعاء سلاح المؤمن ، وأنت بالدعاء أقوى إنسان ، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك ، وإذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله .
    لذلك أيها الإخوة :

    ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ﴾
    ( سورة الأحزاب )
    القدر الفعل ، والمقدور العلم ، الله عز وجل عليم قدير ، القضاء والقدر ، القضاء هو الحكم ، والقدر تقدير فعل بحسب العلم .
    الله عز وجل يطلع على إنسان مستقيم ، علم الله باستقامته يقدر له توفيقاً ، يطلع على إنسان كاذب علم الله بكذبه يقدر له علاجاً ، فمجمل القضاء والقدر أن الله يعلم ، ويقدر لهذا الإنسان ما يناسبه .
    تماماً كالطبيب وقف أمام مريض ، أخذ ملفّه فوجد فيه أن الضغط مرتفع جداً ، علمه بضغطه المرتفع جعله يعطي أمراً بمنع الملح عنه ، ووصف دواء يخفض الضغط .
    أنا أبّسط ، لا تعقّد الأمور ، الله عز وجل يعلم ، وحينما يعلم يقدر لك الشيء المناسب ، فقضاؤه وقدره علمه وحكمته ، علمه ومعالجته ، وكل شيء بقضاء من الله وقدر ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والقضاء والقدر يذهب الهم والحزن .
    (( ولكل شيء حقيقة ، وما بلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه )) .
    [ أخرجه أحمد ، والطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه ]
    هذا هو التوحيد ، وهذا هو الإيمان بالله .

    خاتمة :

    فيا أيها الإخوة ، مرة ثانية شأن العبد أن يكون فقيراً ، وشأن العبد أن يكون جاهلاً ، وشأن العبد أن يكون ضعيفاً ، الضعيف إن أقبل على الله يقوى ضعفه ، والفقير إذا أقبل على الله يغتني بإقباله ، والجاهل إذا أقبل على الله يعلمه الله .

    ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾
    لذلك : يمكن أن تضيف إلى اللبن خمسة أضعاف حجمه ماء ، ويكون شراباً سائغاً ، لكن لا يحتمل اللبن قطرة واحدة من البترول ، عندئذٍ لا تشربه ، يعنى العبادة مما يناقضها الشرك .

    ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾

    مما يناقض العبادة الشرك بالله عز وجل ، لكن ما دام فيه توحيد ، ما دام فيه استغفار ما دام فيه إقبال ، ما دام فيه اعتراف بالذنب ، الله عز وجل غفور ، وما أمرنا أن نستغفره إلا ليغفر لنا ، وما أمرنا أن نتوب إليه إلا ليتوب علينا ، وما أمرنا أن ندعوه إلا ليجيبنا .
    فشأن العبد أن يكون ضعيفاً ، مفتقراً ، وشأن الرب أن يكون معطياً ، جواداً كريماً ، فالقدير من أقرب الأسماء الحسنى إلى الإنسان ، لأنه ضعيف .
    لذلك الباعث عن التدين في الإنسان ضعفه ، وعظمة الله عز وجل ، حتى الذين ضلوا سواء السبيل ، وعبدوا آلهة غير الله ، هم بهذا الباعث ، بباعث من ضعفهم عاشوا في الأوهام ، لكن المؤمن عاش مع الواحد الديان .

    والحمد لله رب العالمين

  9. افتراضي

    جزاك الله خيراً اخي ورضي عنك وغفر لك

  10. #80

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة التائبة الى الله مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيراً اخي ورضي عنك وغفر لك
    وجزاكم مثله ان شاء الله
    يتبع مع

    اسم الله : المؤمن

 

 
صفحة 8 من 10 الأولىالأولى ... 45678910 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30 - 1 - 2012, 02:09 AM
  2. تعال واكتشف نفسك هل تحتاج الى دكتور نفسي ولا لا؟
    بواسطة مليش غيرك يارب في المنتدى تطوير الذات
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 22 - 11 - 2011, 09:24 PM
  3. تعليم البرنامج الهندسي Sap 2000 فيديو للدكتور عاطف العراقي
    بواسطة white.bakar في المنتدى منتدى البرامج العام والشروحات المصورة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 29 - 10 - 2011, 09:42 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©