كان عليك أن ترحل، أن تمضي في طريقك دون أن تنظر خلفك إلى ماضي يؤلمك، أن تصمت.. أن تزهق روحك، وتودع ألامك، تدفن روحك في زجاجة مغلقة، ثم تلقي بها في النهر، لتغرق للأبد.. فقط لأنك كنت تحب بصدق!
كان عليك أن تبقى وحيدا بأوجاعك، في ضياعك، وأوهامك التي ظننهتها ذات يوم أحلاما، تجر قدميك بعيدا عن كل مكان يذكرك بضعفك وتمردك وعصيانك.. كنت ضعيفا فزدت قوة، كنت متمردا فآويت إلى الهداية، كنت عاصيا فرحمك الله رحمة واسعة.. كنت أنا وأنت: لا شيء، سوى مجرد رقم في تعداد ضحاياها.. فقط لأنك كنت تحب بصدق!
أتذكر معي تلك المذبحة.. عام وألف عام كان فيه القلب يهوى، يعشق، ويبحث في الحب، ويناظر العشاق من كل جيل، وكنت هناك تعيش فوق جبل من الهواء، داخل بلون فارغ من الاكسجين، تطير في السماء، عالق كسحابة منذ سنوات، لا تعرف ما ذنبها.
ترغب في الحرية، في الانتقال من ظلمة إلى نور، ومن نور إلى جنة، ومن جنة إلى حياة تتقاسم فيها نسمات الهوى مع من تحب، انتبه: أنت بشر لا ملاكا، وأحلامك كانت كابوس غبي.. فقط لأنك كنت تحب بصدق!
معذرة، لا تغضبوا إذا رويت لكم أوجاعه، فهو يتألم مثلكم، لا.. بل أكثر، أنتم تصرخون بصوت مسموع، وعليه أن يصمت، أن يصرخ في عقله، ويبتلع لسانه، لأن صوته مكتوم، وصفاته تمنعه، الحق أقول لكم: كان يحب بصدق!
أتدركون أنها خطيئة، كيف للحب أن يقابله خيانة، وللاخلاص أن يقابله ندالة، وللسعادة أن يقابلها جراحا وأوجاعا، أقول لكم: عندما يكون الحب بالأوزان، يربح الأثقل، وتكون الخيانة، عندما يكون الإخلاص بالعقل تفوز المصلحة، وتكون الندالة، عندما تكون السعادة مصنوعة، تزيد الجراح وتتنوع الأوجاع.
والآن.. إليك نصائحي: أنظر إلى ماضيك القبيح، تألم حتى يحترق الصمت مع أسرار المذبحة، ازهق روحك إن استطعت، ودع آلامك، رغم أنها باقية بين أسوار الزمن، ادفن روحك واغرق وتفادى عشب ينمو فوق سطح ماء النهر، ربما يحتجزك للنهاية، أو يلتقطك صياد ماهر، فقط كن حذرا ولا تحب بصدق!
إذا دفعتك الوحدة إلى الأوجاع، فاهرب إلى قوتك قبل ضعفك، لا تقذف بنفسك وسط الضياع، كن فارس نبيل يهزم الأوجاع، كن أي شيء.. ولكن لا تحب بصدق!