) حسرة جلساء أهل السوء
حسرة جلساء أهل السوء يوم انساقوا معهم يقودونهم إلى الرذيلة ويصدونهم عن الفضيلة إنها لحسرة عظيمة في يوم الحسرة يعبرون عنها بعضِّ الأيدي يوم لا ينفع عض الأيدي كما قال ربي :
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا } ( الفرقان 27 : 29 )
وفلان في هذه الآية هو صاحب السوء الذي يدعوك إلى شريط الأغاني والفيلم الخليع والمجلة الساقطة وإلى كل ما ألهاك عن طاعة الله وذكره .
: {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } ( الزخرف 67 )
فكل حبيب سيعادي حبيبه إلا المتحابون في الله وكل صديق سيتبرأ من صديقه إلا من كانت صداقتهم على طاعة الله .
فإن كنت ممن ابتلوا بصحبة من لا تقربك إلى الله صحبتهم فتبرأ منهم الآن قبل أن يتبرءوا منك
لكن متى وأين ؟ أما الزمان فمعلوم وأما المكان ففي النار
**إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ (166)وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } ( البقرة 166 : 167 )
فهذه حسرة الأتباع المقلدين لأصحاب السوء ولعلماء الضلالة فالنجاة والفوز وإتباع النبيفالسنة كسفينة نوح من ركبها فقد نجا ومن تخلف عنها فقد هلك فليست الحجة في قول فلان وفلان إنما الحجة في قول النبي العدنان إنها حسرة الأتباع المقلدين .
6) الحسرة على أكل الحرام
الحسرة على أموال جمعت من وجوه الحرام ( ربا ورشوة وغش وغصب وسرقة واحتيال وغير ذلك )
فيا الله أيُّ حسرة أعظم على أمرئٍ آتاه الله مالا في الدنيا فيعمل فيه بمعصية الله فيرثه غيره فيعمل فيه بطاعة الله فيكون وزره عليه وأجره لغيره .
7) حسرات متفرقة
أيُ حسرة أكبر على امرئ أن يرى عبداً كان الله ملكه إياه في الدنيا يرى في نفسه أنه خيرٌ من هذا العبد فإذا هذا العبد أفضل منه يوم القيامة .
أيُ حسرة أكبر على امرئ أن يرى عبداً مكفوف البصر في الدنيا قد فتح الله بصره يوم القيامة وقد عمي هو إن تلك الحسرة لعظيمة عظيمة .
أيُ حسرة أكبر من امرئ علم علماً ثم ضيعه ولم يعمل به فشقي به وعمل به من تعلمه منه فنُجي به .
أيُ حسرة أعظم من حسرات المنافقين الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم يوم تبلى السرائر وينكشف المُخفى في الضمائر ويُعرضون لا تخفى على الله منهم خافية ثم يكون المأوى الدرك الأسفل من النار ثم لا يجدون لهم نصيراً .
8) الحسرة على ضياع الحسنات
الحسرة على أعمالٍ صالحة كانت الأمل بعد الله ولكنها ذهبت في ذلك اليوم العصيب إلى من تعديت حدود الله منهم فظلمتهم في مالٍ أو في دمٍ أو في عرضٍ فكنت مفلساً حقا .
وقد خاب من حمل ظلما فيأخذ هذا من حسناتك وهذا من حسناتك وهذا من حسناتك حتى تفنى حسناتك ولم تقضي ما عليك فيطرح عليك من سيئات من ظلمتهم ثم تطرح في النار أجارك الله من النار وجنبك سخط الجبار بفعل ما يرضي الواحد القهار .
ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرةأن النبي
قال :
" أتدرون من المفلس ، قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته حتى إذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم ثم طرح في النار ".
فأنا أذكر نفسي وهذا الصنف بقول النبي الأمين :
" من كانت له مظلمة لأخيه فيأتيه "
بل هناك نوع من أنواع القصاص يكون بين المؤمنين ويكون عند القنطرة
إنها القنطرة التي لا يعلم عنها الكثير من الناس شيئاً فهي القنطرة التي يقضي فيها المؤمنون من بعضهم البعض فبعد مرورك من على الصراط تظن أن الأمر قد انتهى عند ذلك ولم يبقى سوى دخولك الجنة وفجأة تجد نفسك على قنطرة المظالم التي قال عنها النبي الأمين كما عند البخاري من حديث أبي سعيد الخدري:
" إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاضون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا نُقوا وهُذبوا أُذن لهم بدخول الجنة ، فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل منه بمسكنه كان له في الدنيا ".
فالمظالم على القنطرة فهي بين المؤمنين الذين يدخلون الجنة فيقتص كل واحد منهم من الآخر بقدر مظلمته فيزداد ويرتفع المظلوم درجة في الجنة ويخسر الظالم درجة في الجنة ويخسر الظالم درجة في الجنة فيالها من حسن وإياك إياك ومظالم العباد .
ألم أقل لكم أن الأمر خطير جد خطير ولا يصلح فيه ولا ينجي منه إلا إصلاح الزاد والبعد عن ظلم العباد ....... " من كانت عنده مظلمة لأخيه من مال عرض فليأتيه فليتحلل منها ".
9) الحسرة عند مجئ جهنم
أخرج الإمام مسلم من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي:
" يُؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ".
فيا له من مشهد مهيب تتفطر منه القلوب .......فإذا جئ بجهنم لا يبقى مَلَك مُقرب ولا نبي مرسل إلا جثي على ركبتيه وقال يارب سلم سلم يقول الحق تبارك وتعالى :
كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } ( الفجر 21 : 24 )
تأمل معي الحسرة الشديدة لكل من فرط في حق الله جل وعلا إذا رأى جهنم فإنه يصرخ ويقول :
يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } كلمة يقولها كل من فرط في الصلاة وضيع وكل من عق والديه وكل من ظلم العباد وحارب الله بارتكاب الذنوب والموبقات كلمة تقولها كل من تركت حجابها .
فاتقوا النار أيها الأحبة فإن الله أوقد عليها ألف عام حتى أحمرت وألف عام حتى ابيضت وألف عام حتى اسودت فهي الآن سوداء قاتمة يصل الحجر إلى قعرها بعد سبعين سنة فإن قعرها بعيد وحرها شديد ومقامعها حديد .
10) حسرات واستغاثة أهل النار
وتأمل في حال الخلائق وقد قاموا من دواهي القيامة ما قاموا قد شُدت أقدامهم إلى النواصي واسودت وجوههم من ظلمة المعاصي ، ينادون من أكنافها ويصيحون في نواحيها وأطرافها
يا مالك قد حق علينا الوعيد يا مالك قد اثقلنا الحديد يا مالك قد نضجت منا الجلود
فتقول الزبانية : لا خروج لكم من دار الهوان فاخسأوا فيها ولا تكلمون ولو أخرجتم منها لكنتم إلى ما نُهيتم عنه تعودون ، فعند ذلك يقنطون وعلى ما فرطوا في جنب الله يتأسفون ولا ينجيهم الندم ولا يغنيهم الأسف بل يكبون على وجوههم مغلولين ، طعامهم نار وشرابهم نار ولباسهم نار ومهادهم نار
قول رب العالمين(لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ }
ويُلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون بالطعام فيُغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يُغني من جوع ويستغيثون بالطعام فيُغاثون بطعام ذي غُصة فيستغيثون بشراب
فيُرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم ، فإذا دخل الشراب بطونهم قطَّع ما في بطونهم فيقولون : ادعوا خزنة جهنم فيدعون خزنة جهنم :
وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } ( غافر 49 : 50 )
فيقولون ادعوا مالكا فيدعون فيقولون :
قول رب العالمين يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ } ( الزخرف 77 )
فيقولون ادعوا ربكم فلا أحد خير من ربكم فيقولون :
قول رب العالمين رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ }(1) فيجيبهم :
قول رب العالمين اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } ( المؤمنون 106 : 108 )
منتهى الحسرة وقصارها وإلي من بعد ذلك سيذهبون إذ قد هانوا على رب العالمين .
فعند ذلك يئسوا من كل خير وعند ذلك أخذوا في الزفير والحسرة والويل
قول رب العالمين : رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } ( غافر 12 )
فيقول الله تعالى مجيباً لهم : ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ }
ثم قول رب العالمين :رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} فيجيبهم الله تعالى:
أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ } ( إبراهيم 44 )
فيقولون : رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } فيجيبهم الله تعالى :
(أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }( فاطر 37 )
ثم قول رب العالمين رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ }فيجيبهم الله تعالى : اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } ( المؤمنون 106 : 108 )
فلا يتكلمون بعدها أبداً وذلك غاية شدة العذاب .
قال مالك بن أنس رضي الله عنه قال زيد بن أسلم في قوله تعالى :
سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } ( إبراهيم 21 )
قال صبروا مائة سنة ثم جزعوا مائة سنة ثم صبروا مائة سنة ثم قالوا :
سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا مالنا من محيص .
أتبعونى بأذن الله تعالى