وصلا إلى بيت النبي صل الله عليه وسلم .. فدخلا .. فإذا وسادة واحدة فدفعها النبي صل الله عليه وسلم إلى عدي إكراماً له .. وقال : خذ هذه فاجلس عليها .. فدفعها عدي إليه قال : بل اجلس عليها أنت .. فقال صل الله عليه وسلم : بل أنت .. حتى استقرت عند عدي فجلس عليها ..
عندها .. بدأ النبي صل الله عليه وسلم يحطم الحواجز بين عدي والإسلام ..
يا عدي أسلم .. تسلم .. أسلم تسلم .. أسلم تسلم ..
قال عدي : إني على دين ..
فقال صل الله عليه وسلم : أنا أعلم بدينك منك ..
قال : أنت تعلم بديني مني ؟
قال : نعم .. ألست من الركوسية ..
والركوسية ديانة نصرانية مشرّبة بشيء من المجوسية .. فمن مهارته صل الله عليه وسلم في الإقناع أنه لم يقل ألست نصرانياً .. وإنما تجاوز هذه المعلومة إلى معلومة أدق منها فأخبره بمذهبه في النصرانية تحديداً ..
قال : ألست من الركوسية ..
فقال عدي : بلى ..
فقال صل الله عليه وسلم : فإنك إذا غزوت مع قومك تأكل فيهم المرباع ؟ (المرباع : إذا غزت القبيلة قسم رئيسها الغنيمة أربعة أقسام فأخذ الربع له وحده ، وهذا حرام في دين النصرانية ، جائز عند العرب )
قال : بلى ..
فقال صل الله عليه وسلم : فإن هذا لا يحل لك في دينك ..
فتعجب لها عدي .. وقال : نعم ..
فقال صل الله عليه وسلم : أما إني أعلم الذي يمنعك من الإسلام ..
أنك تقول : إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة لهم ..
وقد رمتهم العرب ..
يا عدي .. أتعرف الحيرة ؟
قلت : لم أرها وقد سمعت بها ..
قال : فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد ..
أي سيقوى الإسلام إلى درجة أن المرأة المسلمة الحاجة تخرج من الحيرة حتى تصل إلى مكة ليس معها إلا محرم .. من غير أحد يحميها .. وتمر على مئات القبائل فلا يجرؤ أحد أن يعتدي عليها أو يسلبها مالها .. لأن المسلمين صار لهم قوة وهيبة .. إلى درجة أن أحداً لا يجرؤ على التعرض لمسلم خوفاً من انتصار المسلمين له ..
فلما سمع عدي ذلك .. جعل يتصور المنظر في ذهنه .. امرأة تخرج من العراق حتى تصل إلى مكة .. معنى ذلك أنها ستمر بشمال الجزيرة .. يعني ستمر بجبال طي .. ديار قومه ..
فتعجب عدي وقال في نفسه : فأين عنها ذُعّار طي الذين سعروا البلاد !!
ثم قال صل الله عليه وسلم : وليفتحن كنوز كسرى بن هرمز ..
قال : كنوز ابن هرمز ؟
إيوان كسرى
قال : نعم كسرى بن هرمز .. ولتنفقن أمواله في سبيل الله ..
قال صل الله عليه وسلم : ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج بملء كفه من ذهب أوفضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه ..
يعني من كثرة المال يخرج الغني يطوف بصدقته لا يجد فقيراً يعطيه إياها ..
ثم بدأ صل الله عليه وسلم يعظ عدياً ويذكره بالآخرة .. فقال
:
وليلقين اللهَ أحدُكم يوم يلقاه ليس بينه وبينه ترجمان ، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم ، وينظر عن شماله فلا يرى إلا جهنم " ..
سكت عدي متفكراً ..
ففاجأه صل الله عليه وسلم قائلاً : يا عدي .. فما يفرك أن تقول لا إله إلا الله ؟.. أو تعلم من إله أعظم من الله ؟!
قال عدي : فإني حنيف مسلم .. أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم فرحاً مستبشراً ..
قال عدي بن حاتم :
فهذه الظعينة تخرج من الحيرة تطوف بالبيت في غير جوار ..ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى ..
والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله (صل الله عليه وسلم) قد قالها " ..
فتأمل كيف كان هذا الأنس منه صلى الله عليه وسلم لعدي .. وهذا الاحتفاء الذي قابله به .. حتى شعر به عدي .. تأمل كيف كان كل ذلك جاذباً لعدي للدخول في الإسلام ..
فلو مارسنا هذا الحب مع الناس .. مهما كانوا .. لملكنا قلوبهم ..
فكـــرة.
بالرفق واستعمال مهارات التعامل والإقناع .. نستطيع أن نحقق الكثير..