أين الحل؟

" حسام " شاب وسيم. حباه الخالق عز وجل بجمال الصورة والشكل فهو متوسط الطول , حسن الوجه ، قمحي اللون عيناه عسليتان،قوي البنيان،كستاني الشعر,عذب الصوت. يتميز حسام بصفات أخري قلما تجدها في أقرانه فهو يتمتع باللباقة حين يتحدث لاسيما مع الجنس اللطيف كما أن له حضور غير عادي وقبول مع من يتحدث معه وقد مكنه من ذلك ثقافته في أمور السياسة والدين والمشاكل الإجتماعية ودراسته بقسم الفلسفة بكلية الآداب. عمل "حسام" في قسم رعاية الشباب في نفس الكلية التي تخرج منها.
لم يكن "حسام" من الشباب المعروفين بالتهور والإندفاع في كثير من الأمور الخاصة بالشباب كمعاكسات البنات بالشوارع أو التحرش بهن . كما أنه لم يكن من اللذين ابتلوا بالتدخين أو أيا من أنواع المخدرات فقد مرت فترة مراهقته بسلام دون زلات تذكر في هذا المقام.رسم حسام لشريكة حياته المنتظرة صورعديدة من نسج خياله فهو يراها مرة فائقة الحسن رائعة الجمال شقراء جميلة القوام معسولة في الغرام لذا فقد مال قلبه لزميلته في المكتب وتدعي "سعاد" . تارة أخري يراها سمراء ذات عيون كحيلة ورموش طويلة يكسو وجهها تعابير الخجل والحياء لكنها حين تعطي فبسخاء لذا فقد مال قلبه أيضا لإبنة الجيران وتدعي " هدير ".تارة أخري يراها تجمع بين صفات الجمال في الشكل وبين سمو الأخلاق ورجاحة العقل لذا نجده قد مال قلبه الي "ألفت" إبنة عمه. يراها أحيانا مثقفة تتناقش معه وتحاوره وإن كانت لها الغلبة تتنازل هي وتسايره لذا فقد سحرت لبه "مني" ابنة خاله.وقد يراها بسيطة غير متعلمة تتمتع بحسن النية يهيمن عليها بأفكاره ولا تتبع سوي قراره فهو عندها السيد وكل ما يقوله أو يفعله هو الأصلح والجيد ومن هنا أعجبته "فاطمة" أخت صديقه "حسن" .لعبت الحيرة بعقل وقلب "حسام" فكان يقول لنفسه لو أنني أستطيع أن أجد مزيج من كل هذة الصفات في فتاة واحدة وكان يضحك من نفسه حين يتذكر أن هذة الصفات بها متناقضات فهناك الشقراء والسمراء وهناك صاحبة الشخصية القوية وصاحبة الشخصية التابعة إلي آخر هذة المتناقضات مما كان يجعله يضحك ساخرا من نفسه وهو يحاورها حوارا داخليا طرفاه هو ونفسه إن جاز أن نعتبرهما طرفان . العجيب أن حسام لم يكن يكتم تلك المتناقضات في نفسه بل كان يبوح بها حتي لمن أعجب بهن ومال إليهن من البنات . لذا فإن كل واحدة منهن لم تغدق عليه بالحب والعواطف خشية أن يتركها ويذهب لغيرها فتتألم وتتحسر وتهان كرامتها .حتي أنهن كنا يصفن شخصيته الغريبة بمصطلحات عجيبة منها " المتردد "ومنها" غريب الطباع " ومنها " هواووي " كما كانت تصفه بها "فاطمة" أخت "حسن" صديقه وهي الجاهلة التي لم تحظي بقسط من التعليم لكنها أدركت فيه هذة الصفة بفطرتها النقية .وفي إحدي المرات جلس "حسام" مع صديقه المقرب "حسن" يتناقشا معا في هذة الصفة التي أبتلي بها "حسام" فقال له" حسن " :أنت ثابت الرأي في معظم قراراتك وغالبا ما يكون رأيك مصيبا في معظمها فلماذا أراك مترددا متناقضا في طلبك بخصوص شريكة حياتك؟ فمن المستحيل أن تجد الصفات كلها في شخصية واحدة . كما انه لا يمكن أن تتزوج خمسة لتتمتع مع كل واحدة بالصفات التي إخترتها من أجلها ثم تتركها لتذهب لغيرها والتي بها صفات مناقضة لسابقتها وهكذا . أخشي ياصديقي أن تكون هذة حالة مرضية عندك فلما لا تعرض نفسك علي طبيب نفسي لعلك تجد عنده حلا لمشكلتك . وافق "حسام" علي إستحياء ولكن شدد علي صديقه "حسن" بضرورة كتمان الأمر فوعده بذلك.في اليوم التالي ذهب "حسام" إلي عيادة الطبيب النفسي الدكتور "عادل" فأستقبله بحفاوة ومودة لما كان يربطه بوالد "حسام" من صداقة قديمة منذ أيام الدراسة ولعل هذا السبب هو الذي جعل "حسام" يختاره دون سواه ليعرض عليه مشكلته فهو صديق حميم لوالده . بدأ "حسام" في سرد مشكلته للدكتور "عادل" وأستمع الأخير بعناية وإهتمام بالغين وكعادة الأطباء النفسيين كان قد أجلس" حسام" مسترخيا علي مقعد هو أقرب إلي السرير منه إلي مقعد وعلي صوت موسيقي هادئة وضوء خافت ترك له العنان ليقول كل ما يريد وبالطبع كان يسجل حديثه . وما أن إنتهي "حسام" من السرد حتي أضاء الدكتور "عادل" الغرفة وأوقف جهاز التسجيل واتفق مع "حسام" علي عدة جلسات يواظب فيها علي الحضور للعيادة مطمئنا إياه بأن المسألة بسيطة ولا تحتاج إلا لبعض المصارحة منه والإطمئنان إلي طبيبه وأن يحكي ما بداخله دون تكلف أو تنميق وبأن يثق في طبيبه ثقة كبيرة وخاصة أنه كان صديق والده ويعتبره كأبنه .ذهب "حسام" للجلسة الثانية بعد يومين من الجلسة الأولي وسلم علي الدكتور "عادل" وبنفس مراسم الجلسة الأولي بدأت الجلسة الثانية إلا أنه في هذة المرة بدأ الدكتور "عادل" يسأل "حسام" بعض الأسئلة بعد أن حقنه بحقنه مهمتها أن تساعد الخلايا الذهنية في تذكر أحداث قديمة قد تكون في هامش الشعور والتي عادة ما يختزن بها الذكريات المؤلمة . بدأ "عادل" في سرد معظم ذكريات حياته حتي سن الرابعة عشر من عمره وهي بداية سن المراهقة عنده ثم حاول أن يطلب من الطبيب أن يؤجل الحديث عن هذة الفترة في جلسة تالية ولكن الطبيب أدرك من طلبه هذا أن الذكريات المؤلمة التي قد يكون "حسام" عاشها يبدو أنها في هذة المرحلة العمرية فرفض أن يستجيب لطلبه الذي وصل الي حد الرجاء وأصر أن يطرق الحديد وهو ساخن فخبرته الكبيرة في معالجة الأمراض النفسية كانت تمكنه من الإحساس باللحظة الحاسمة التي سيعرف فيها عقدة المريض الذي يعالجه. بدأ "حسام" حديثه عن هذة الفترة من حياته قائلا:............
********************************
إلي اللقاء مع الجزء الثاني والأخير
كتبها عصام الدين محمد " عصام قمر "