العربية في الامارات ثالث اللغات!
الانكليزية (بلكنة هندية) للتعاملات، والاوردية للشارع:
فادي عزام
17/03/2008
تبدو الأوردو في الشارع هي سيدة الموقف، وتحتل الانكليزية المكان الأول في التعامل وتنسحب اللغة العربية رويدا من بين أهلها والناطقين به الذين وجدوا أنفسهم فجأة مطالبين بتعلم لغات أخري كي يستطيعوا التعامل والتعايش في بلدهم، وتزدهر الروسية والتاغلوغ (المحكية في الفلبين) بالاضافة الي لغات أخري تعكس تنوع وثراء المجتمع الاماراتي وبنفس الوقت تدق ناقوس الخطر وتدعو المهتمين الي دعم اللغة العربية المتوارية في الصفوف الخلفية للتعامل والتواصل. تتصل صباحا مع البنك أو شركة التأمين يأتيك الرد بالانكليزية، تطالبهم بان يحولوك الي احد يتكلم العربية، بلطف بالغ يقولون انتظر، الانتظار يطول زمنا وأحيانا لا أحد يجيب، تعاود الاتصال يتكرر الموقف، وبعد جهد جهيد يأتيك صوت عربي، تعاتبه قائلا هل يظن البنك أن علي الجميع أن يتعلموا الانكليزية لكي يتعاملوا معه، وان كانوا يعرفونها كيف يفترض بهم أن يفهموا لهجة انكليزية خاصة بشبه القارة الهندية؟ يعتذر الشاب العربي، ويخبرك أنه اذا صممت علي التكلم بالعربية، هذا يدفع الادارة دفعا لتوظيف المزيد من العرب، ولكن للأسف الجميع حتي العرب يتكلمون الانكليزية مع العرب.
في الطائرة القادمة من سيدني، يصرّ شاب عربي حامل للجنسية الأسترالية ويعمل في أبو ظبي أن يكلّم الطاقم بالعربية، يدعي أنه لا يفهم أية لغة أخري ويبقي يلهج بالعربية، يحرج الطاقم ويحاولون أن يحضروا له المضيفة الوحيدة من الدرجة الأولي لتلبي طلبه وتفهمه، بينما نظرات الباقين تلومه وتقرعه هل يعقل انك لا تفهم الانكليزية، يجيبهم بالانكليزية ويخبرهم بأنه يفهمها ربما أحسن منهم، ولكن من حقي عندما أكون علي خطوط طيران عربية أو خطوط طيران متجهة لدولة عربية أن أجد أحدا يستعمل لغتي.
بعض المطاعم تقدم لوائح طعام بالانكليزية فقط، تدخل أسرة عربية تمسك اللوائح تشعر بالاحراج، يحاولون التواصل مع النادل الايطالي بالانكليزية المبسطة، يحاول النادل الشرح دون جدوي، تخرج العائلة من المطعم ويردد الرجل وهو خارج (أنا بدبي ولست في لندن لازم نعرف شو عما نأكل، علي الأقل علي المطعم احترام المكان الذي يعمل به).
هذا بعض من يوميات الناس وعلاقتهم مع اللغة في الامارات عموما ودبي علي وجه الخصوص، فاللغة العربية هي لغة ثانية في المعاملات اليومية في دبي وان لم نقل هي اللغة الثالثة، وتحسن بزمن قصير حال اللغة الانكليزية وتمكنت من فرض نفسها بقوة حتي علي المؤسسات العربية الخاصة وبعض المؤسسات العامة فأصبحت لغة المخاطبة، والتواصل والاجتماعات تعقد بالانكليزية.
الآخر في لغته
(جورج) من بريطانيا يعمل في دبي منذ 5 سنوات في مجال الاعلان، كل ما يعرفه من العربية ـ السلام عليكم ـ و ـ مرحبا ـ وبضع شتائم سوقية يمازح بها الشباب العرب في العمل، لم يفكر مطلقا بتعليم اللغة العربية، كما أنه لم يحتجها أبدا، وتعتبر هذه احدي أهم قدرات دبي علي جذب الاستثمارات.
(رانبيل) من الهند يعمل في مجال الدراسات التسويقية، مقيم في دبي من عشر سنوات وتعمل تحت يده مجموعة من الشباب العرب، عليهم جميعا أن يتقنوا الانكليزية ليتسني لهم التطور في الشركة، قلنا لهم ولكن دبي مدينة عربية، اعترض بشدة وقال لا. دبي مدينة عالمية ولغتها الانكليزية، ولن تحظي بفرصة عمل كبري بدون الانكليزية، وانه غير مضطر لتعلم اللغة العربية المعقدة.
مجموعة من الشباب العرب الذين يعملون تحت ادارة (رانبيل)، يقولون ان عملهم هو في القطاع الخاص بالعرب، أي باللغة العربية ولكنهم يضطرون لاتقان الانكليزية ليتواصلوا مع المدير والادارة، هذا جيد لهم مهنيا ولكنه محبط نفسيا لأن مديرهم لو تعلم العربية لكان قدّر انتاجهم وفهم صعوباتهم واقترب أكثر من مشاكلهم.
(بولا) من البرتغال، تعمل استشارية في شركة تقنية، تقول انها حاولت تعلم اللغة العربية ولكن لا توجد معاهد مختصة لتعليم الأجانب ذات كفاءة عالية، فمعظم المعاهد لتعليم العربية في دبي علي ندرتها تدرس اللغة العربية وكأنها للعرب لا للأجانب، واقترحت وجود معاهد تعتني بنشر اللغة العربية لتكون فرصة للأوروبيين والأجانب للاطلاع ولو علي أساسيات اللغة العربية والثقافة العربية أثناء فترة عملهم في البلاد.
(جوزفين) اسكتلندية درست اللغة العربية في مصر وتعمل في شركة خاصة بجبل علي وتستطيع التواصل بالعربية ولكنها تستغرب من العرب انهم يصرون علي محادثتها باللغة الانكليزية وكأن اتقانهم الانكليزية وحديثهم بها يقربهم من الأوروبيين، تضيف (جوزفين) التي تتحدث بلغة عربية واضحة، انها غيرت معظم آراءها السابقة عن العرب، بعد أن أتقنت لغتهم اكتشفت أنها صارت أكثر قدرة علي التعايش معهم وأنهم لا يختلفون عن باقي العالم المتحضر بالحلم والأمل، لكنهم يمتازون بالشفافية والعاطفة التي لا يخفونها.