تماضر بنت عمرو بن الحرث بن الشريد بن رباح السلمية
الاسم
تماضر بنت عمرو بن الحرث بن الشريد بن رباح السلمية .
اللقب
الخنساء
الأزواج
رواحة بن عبد العزى السلميثم مرداس بن أبى عامر السلمي .
الأولاد
عبد الله بن رواحة بن عبد العزى ، و يزيد و معاوية و عمرو عميرة من زوجها الثانى مرداس بن أبى عامر .
محل الإقامة
مع قبيلة بنى سُليم .
الوفاة
سنة 42 هـ / 646 م .
ولدت الخنساء فى قبيلة بنى سُليم ، وهى إحدى قبائل العرب الشهيرة ، وكان أبوها سيدًا من سادات قومها ، والخنساء هو لقب غلب على اسمها الحقيقى " تماضر " لما عُرِفت به من الجمال .
وقد بدأ ظهور اسم الخنساء فى كتب التاريخ والأدب ، مع خطبة فارس هوازن وشاعرها : " دريد بن الصمة " لها ، فقد رآها ذات يوم وهى تهنأ بعير لها ، فأعجب بها وبجمالها ، فانصرف إلى والدها " عمرو " يطلبها للزواج ، وفى طريقه فاضت شاعريته بأبيات تشي بإعجابه ، وتُمكن حُب الخنساء من قلبه ، فقال :
حيوا تماضر واربعوا صبحي *** وقفوا فإن وقوفكم حسبي
أخناس قد هام الفؤاد بكم ***وأصابه تبل من الحب

- وطلب " دريد " يد " الخنساء " من أبيها " عمرو " ، فوافق ، لكنه قال لدريد : ولكن لهذه المرأة فى نفسها ما ليس لغيرها ، وأنا ذاكرك لها . واستشار " عمرو " ابنته فى " دريد " سيد هوازن فارسها وشاعرها فأبت الخنساء أن توافق على هذا الزواج ، وقالت لأبيها : لا أدع بنى عمى الطوال مثل عوالي الرماح ، وأتزوج شيخا .

فرجع أبوها إلى دريد ، وقال له : يا أبا قرة قد امتنعت ولعلها تجيب فيما بعد . وعلم دريد بما قالته الخنساء عن كبر سنه فقال :
وقالت إنه شيخ كبير *** وهل خبرتها أني ابن أمس
ثم انصرف دريد يهجوها فى شعره ، بعدما أحس أنه طعن فى كرامته لرفضها الزواج منه ، وهو السيد الفارس الشاعر ، فاستحث بعص " بنى سُليم " الخنساء أن ترد عليه الهجاء ، فقالت : إنى لا أحب أن أجمع عليه همين ، ردِّ خطبته ، وهجائى له .

وعاشت الخنساء بين قومها تظللها رعاية أبيها وأخويها معاوية وصخر ، يُحترم رأيها ، ويُسمع لكلامها ، وتفتقت شاعريتها فكانت تقول البيتين والثلاثة من الشعر الجيد ، وكانت العرب تضع الشاعر فى مكانة عالية .
وقد تزوجت الخنساء من أحد أبناء عمومتها ويُدعى رواحة بن عبد العزى السلمي ، ويقال إنه كثير اللعب للميسر ، فانفصلت عنه بعدما أنجبت له " عبد الله " ، ويقال إن زوجها الأول أسلم بعد ذلك ، وعُرف باسم رواحة بن عبد العزيز السلمي.
ثم تزوجت من رجل آخر عُرف بكرمه وجوده وكثرة عطائه ، وهو " مرداس بن أبي عامر السلمي " الملقب بـ " الفيض " لكرمه ، فأنجبت منه أربعة أبناء ، ثم مات زوجها ، فعكفت على تربية أولادها ولم تتزوج مرة أخرى ، وتولى أخواها " معاوية وصخر " رعايتها هى وأبنائها .
وقد عُرف عن العرب فى جاهليتهم ، أنها كانت تقتتل لأتفه الأسباب ، وأن قبائلها كانت كثيرة الإغارة على بعضها البعض ، وشاءت الأقدار أن يقتل أخوها معاوية ، ثم يقتل أخوها صخر فى غزوة غزاها بنو أسد ، طعنه خلالها " أبو ثور الأسدى " طعنة قوية ، ظل صخر يتداوى منها حولا كاملا ثم مات بعدها ، فبكته الخنساء بكاءً شديدا ، وكان شعرها معبرًا عن حزنها العميق على أخيها فقالت فيه شعر الرثاء وأجادت ، ومن أشعارها فى رثاء صخر
يذكرنى طلوع الشمس صخرا *** وأذكره لكل غروب شمس
ولولا كثرة الباكين حولى *** على إخوانهم لقتلت نفسى

وشدت الخنساء رحالها إلى سوق عكاظ ، الذى كان قِبلة الأدباء والشعراء فى الجاهلية ، وقصدت شاعر العرب الشهير " النابغة الذبيانى " فى قبته الحمراء ، وأنشدته من شعرها ، وبخاصة قصيدتها التى تقول فيها
وإن صخراً لتأتم الهداة به *** كأنه علم فى رأسه نار
فقال لها النابغة : والله إنك أشعر الجن والإنس ، والله ما رأيت أننى أشعر منك .

ولما ظهر الإسلام ، و فتح المسلمون مكة المكرمة سنة 8 هـ توالت الوفود العربية على النبى - صلى الله عليه وسلم - لتعلن دخولها فى الإسلام ، وكانت " الخنساء " ضمن وفد بنى سليم الذين قدموا على النبى - صلى الله عليه وسلم - ففرح بها وبهم فرحًا شديدًا ، ورحب بها وبقومها ، ثم استنشدها النبى - صلى الله عليه وسلم - أن تقول بعض شعرها ، وأعجب بما قالت ، ودعاها إلى أن تقول المزيد وهو يشير بيده استحسانًا لما تقول ، وهو يقول : " هيه يا خناس " .

- ولما خرجت جيوش الإسلام لفتح بلاد فارس ، خرجت معهم الخنساء وأولادها الأربعة ، وفى ليلة معركة القادسية جمعت أولادها وأوصتهم بالجهاد فى سبيل الله وأن يبحثوا عن مواطن الخطر فى المعركة ليقاتلوا فيها عسى أن يظفروا بالشهادة ، وفى صبيحة المعركة خرج الأبناء للقتال ، تدوي فى أسماعهم وصية أمهم المجاهدة ، فاختارهم الله جميعا شهداء ، ولما بلغ الخنساء نبأ استشهاد أبنائها الأربعة لم تبكهم ولم تملأ الدنيا بأشعار فى رثائهم والحزن عليهم كما فعلت مع أخيها "صخر" ، وإنما قالت : الحمد لله الذى شرفنى بقتلهم وأرجو من ربى أن يجمعني بهم فى مستقر رحمته .
وكان " عمر بن الخطاب " - رضي الله عنه - يعطى الخنساء أرزاق أولادها الأربعة حتى قبض .
وقد عاشت الخنساء حتى توفيت فى بداية خلافة " عثمان بن عفان " - رضى الله عنه - سنة 24 هـ / 646 م .

كانت الخنساء تعتد بنفسها ، وتجد من أبيها وأخواتها احترامًا كبيرًا لها ولرأيها ، وصدق أبوها حين قال عنها عندما تقدم " دريد بن الصمة " لخطبتها : ولكن لهذه المرأة فى نفسها ما ليس لغيرها . ولم تقبل الزواج من " دريد " ذلك الشاعر الفارس كبير السن ، وفضلت أن تتزوج شابًا من شاب من قومها ، وهى تعلم أن " دريدًا " سوف يملأ الدنيا هجاء لها ولقومها ، انتقاما لكرامته المجروحة ، لكنها آثرت أن تفعل ما تقتنع به ، فوجدت من أبيها احترامًا لرأيها .

ومما اشتهرت به الخنساء حبها الأخوى النادر لأخويها ، وبخاصة " صخر " والذى بكته بكاءًا مريرًا بعد مقتله وأكثرت من قول الرثاء فيه وأجادت ، حتى اشتهرت بصخر ، واشتهر صخر بها ، فى وفاء نادر قلما يحدث ، ومن قولها فيه تمتزج الرثاء بالمآثر :
ألا يا صخر إن أبكيت عينى *** فقد أضحكتنى دهراً طويلا
دفعت بك الجليل وأنت حىّ ***ومن ذا يدفع الخطب الجليلا
إذا قبح البكاء على قتيل ***رأيت بكاءك الحسن الجميلا
ولعل الحزن الدائم للخنساء على أخيها " صخر " هو ما دفع " عمر بن الخطاب " - رضي الله عنه - أن يسألها عن السبب فى احمرار عينيها وتقرحهما .
فقالت : بكائى على السادات من مضر . فقال لها عمر : إنهم فى النار . فأدركت الشفقة قلب الخنساء وقالت : ذاك أطول لعويلي عليهم ، وكانت تقول : كنت أبكي لصخر على الحياة ، فأنا اليوم أبكي له من النار .

وفى يوم القادسية خرجت الخنساء مع جيوش المسلمين للجهاد فى سبيل الله ، وهى العجوز الضعيفة التى أحنى جسدها السنون والأحزان ، ورغم ذلك خرجت مع المجاهدين هى وأبناؤها الأربعة ، وفى معركة القادسية جمعت أولادها وأوصتهم بوصية بليغة احتفظت بها كتب التراث فقالت : يا بنى أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ، ووالله الذى لا إله إلا هو إنكم بنوا امرأة واحدة ، ما خنت أباكم ، ولا فضحت خالكم ، ولا هجنت حسبكم ، ولا غيرت نسبكم ، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل فى حرب الكافرين ، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " (آل عمران آية 200) فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين ، وبالله على أعدائه مستنصرين ، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت على ساقها ، واضطرمت لظى على سياقها وحالت نارًا على أوراقها فتيمموا وطيسها وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة فى الخلد والمُقامة .

فلما استشهدوا لم تبك جزعًا ولا حزنًا بالرغم من أنها فى سن كبيرة تحتاج إلى الابن ، ولكنها قالت : الحمد لله الذى شرفنى بقتلهم وأرجو من ربى أن يجمعنى بهم فى مستقر رحمته .
تأتى شاعرية الخنساء ، وإشادة الشعراء بها ، علامة بارزة عليها ، فقال عنها " ابن حجر العسقلانى " : وأجمع أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها .
أما الشاعر الكبير " بشار " فقال عنها : لم تقل امرأة قط شعرًا إلا تبين الضعف فيه . فقيل له : أو كذلك الخنساء ، فقال : تلك فوق الرجال .
وقد جاء شعر الخنساء آهات نفس ونفثات صدر مكلوم على أخيها صخر ودموع قلب جريح ، فغالت فى وصف الحزن ، لذلك كان شعرها محببا إلى النفوس قريبا من القلوب ، ينبض بالعاطفة الصادقة الملتهبة والوفاء الأخوى النادر .
توفيت سنة 242 هـ / 646 م بالبادية .
