بقلم د / أحمد زايد – جامعة الأزهر
الحمد لله وصلاة وسلاما على رسول الله وبعد:
فإن من واجبات الجماعة أو المؤسسة الدعوية تجاه أفرادها واجب "التوظيف" وهو أحد واجبات إدارية خمسة واجبة على الجهات الإدارية هي: التخطيط والتنظيم والتوظيف والتوجيه والرقابة , ولابد للجماعة من العناية بالعنصر البشري باعتباره أهم مواردها, ولذا عرف في علم الإدارة ما يسمى " بتخطيط الموارد البشرية " داخل المؤسسات , ومن عناصر هذا التخطيط : تأهيل هذه الموارد البشرية وتدريبها وتطوير أدائها وتوظيف قدراتها واستغلال طاقاتها مع ما يلزم لذلك من تحفيز بل ومكافأة وشكر داخل المؤسسة, ليعطي العنصر البشري عطاءه المطلوب بكل حب وتفان.

وتقوم الجماعة من خلال هذا التوظيف بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب للقيام بمهمة تناسب قدراته وإمكاناته , ويكون هذا التوظيف توظيفا أمثل إذا كان موافقا لرغبة وميول الفرد" وكما ورد عن السلف " خير الحق ما وافق هوى".

خطأ وتصحيح
عندما يعمل المرء بشركة أو مؤسسة مهنية فإنه لا يعمل إلا من خلال توظيف وتكليف تلك المؤسسة إياه ببعض الأعمال أو الممارسات داخل هذه الشركة أو المؤسسة , يقضي فيها ساعات عمله ثم يمضي بعد ذلك إلى بيته, وعلى عمله يتقاضى راتبه آخر الشهر والسلام, هذا في عالم الوظائف الدنيوية, لكننا في العمل الإسلامي ينبغي أن تكون الصورة خلاف ذلك فحجم الجهد المطلوب من الفرد داخل الجماعة في مجالاتها المتعددة وجوانبها الكثيرة يختلف كثيرا عنه في الشركات والمؤسسات المهنية.

والخطأ لدى الأفراد في مفهوم التوظيف داخل العمل الدعوي يكمن بإيجاز في : أن أفرادا ليسوا قليلين داخل العمل الإسلام يقصرون أداءهم الدعوي على التكليف الرسمي من الجماعة , فإذا كلف أحدهم بتحمل عمل أو مسئولية ما تراه يعمل ويجتهد, وإن لم يكلف رسميا قتله الفراغ واشتكى من عدم التوظيف وقضى يومه واضعا يده على خده شاكيا باكيا من عدم التوظيف منتظرا أمرا من قبل الجماعة والمسئولين بالتوظيف.
أو بأسلوب آخر : هناك أفراد داخل العمل الإسلامي لا يعملون إلا بتكليف رسمي إداري يتحملون من خلاله مسئولية , وإذا لم يتم ذلك يتبرمون ويشكون من عدم التوظيف , فتهدر طاقاتهم وتضيع أوقاتهم منتظرين أمرا بالعمل وتكليفا بالتوظيف.

التوظيف بمعناه الدعوي الواسع
أنني أنطلق في مفهومي للتوظيف الدعوي من تلك الكلمة النورانية للإمام الشهيد حسن البنا وهي إحدى الوصايا العشر حيث يقول: " الواجبات أكثر من الأوقات" وأقول لك أخي الحبيب:

- هناك واجبات نحو ربك لا تحتاج إلى تكليف من جماعة ولا مسئول هل قمت بها؟ وهي كثيرة.
- وهناك واجبات نحو نفسك انظرها من خلال الصفات العشر للفرد المسلم من خلال رسالة التعاليم قم فأحكمتها وأتقنتها؟ وهي لا تحتاج أمر أو تكليف, علما بأنك لو شغلت نفسك بها لربما استغرقت كثيرا من ليلك ونهارا, فهي برنامج حياة كامل.
- وهناك واجبات نحو أهلك وبيتك تعليما وإرشادا وتربية , هل قمت بها وشغلت فكرك وملأت وقتك؟ أم تركتها وانتظرت تكليفات إدارية ؟
- وهناك واجبات دعوية نحو زملائك وجيرانك ومن تلقاهم لا تحتاج إلى تكليف ولا إذن مسئول, هل سارعت إليها؟
- وهناك واجبات نحو أمتك المكلومة, هلا قمت بها وبذلت جهدك نحوها؟
- هناك واجبات اجتماعية وعلمية ومهنية ورياضية جسمية وروحية وأكثر هذه الواجبات فردية لا يقوم عليها إلا أنت , لا تحتاج إلى تكليف من أحد , ولا يتوقف القيام بها على إذن مسئول أو أمر جماعة , هلا بادرت إليها وسارعت؟

أخي الحبيب: لقد عدد الله تعالى لنا في شريعته وجوه البر وطرق الخير ومسالك الإحسان, ونوع سبحانه أبواب العمل الصالح , وأوجب علينا في كل جانب من جوانب حياتنا واجبات تقربنا إليه, فهلا حصرناها وعملنا فيها ونجحنا في التكليف الرباني قبل أن نطالب بالتكليف الإداري البشري, إن نجاحك مع نفسك في القيام بهذه الواجبات جميعا هو طريقك إلى النجاح في الجندية وتنفيذ التكليف الإداري من قبل جماعتك.

اشغل نفسك بالخير, وإن جاءك تكليف رسمي من قيادتك فانهض به على أكمل الوجوه وأدق الصور بإخلاص وتفان , وإن لم تكلف بعبء رسمي فأنت أمام تكاليف ربانية شرعية قصرت كثيرا فيها فانهض وبادر, ولا تعجز , ولا تقل لم يكلفني أحد فأنت في شريعة الإسلام " مكلف".

اللهم اشغلنا بك واصرفنا عن غيرك, وأملأ حياتنا بعمل يقربنا إليك, واستعملنا في الخير , وأمتنا على عمل صالح ترضى به عنا يا كريم.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه والحمد لله أولا وآخر
موضوع مهم..ارجو التثبيت