(سقوط بغداد ... تاريخ متكرر)

[العوامى]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحكاية وللأسف شبه مكررة مش فى بغداد بس
تقريباً فى كل بلادنا المحتلة
نشوف الحكاية مع بعض

بينما كانت بغداد في عام 654هـ تعاني من فيضان مياه دجلة الذي أغرق المدينة لمدة خمسين يوماً كان هناك إلى الشرق منها ما وراء النهر تتقدم جيوش كبيرة وهائلة استطاعت أن تقهر كل التحصينات والدويلات التي وقفت في طريقها, إنها جيوش المغول بقيادة هولاكو خان الذي استطاع أن يعرف جيداً الوضع السيئ التي تعاني منه بغداد جوهرة الخلافة الإسلامية. فقد استطاع الفيضان أن يخلف حالة من الهرج والمرج بحيث سيطرت طبقة من الناس على جزء من بغداد وبدأت بالاعتداء على الناس وبدأت تعتاش على السلب والنهب مما زاد في انحلال الأوضاع وتدهورها في المدينة

وقد كانت الفتنة قد عصفت ببغداد بعد حادثة الكرخ الشهيرة وكل ذلك مكن هذه العصابات من السيطرة على الشارع بحيث أجبرت كبار رجال الدولة على التعامل معها فقد احتضنها مجاهد الدين الدواتدار وكان يعتبر من أبرز رجال الدولة فقد كان قائداً للجيش. ولسوء حظ بغداد فقد كان هذا الرجل على خلاف دائم مع الوزير مؤيد الدين محمد بن أحمد بن العلقمي والمؤسف في الأمر أن هؤلاء الرجال لم يكونوا يقدرون حجم الكارثة التي تنتظرهم على أيدي المغول والذين كانوا قد انتهوا من اقتحام أمنع القلاع الحصينة وهي قلاع الإسماعيلية حيث سقطت بأيديهم وقد كان هولاكو يفكر في الوصول إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط حيث قال لقائده بايجونويان بعد أن رجع إليه ولم ينفذ مهمته في الوصول إلى بغداد, قال له غاضباً: (يجب أن تعود لكي تستولي على تلك الولاية حتى شاطئ البحر من يد أبناء الفرنج ومن الكفار).. وقد تقدم هولاكو بعد ذلك وانتقل من ضواحي قزوين ونزل إلى همدان ثم تقدم إلى الدنيور في 9 ربيع الآخر سنة 655هـ متجهاً إلى بغداد ثم تراجع وعاد إلى همدان ومنها أرسل رسائل تهديدية إلى الخليفة المستعصم فقد قال في إحدى رسائله: (لقد أرسلنا إليك رسلنا وقت فتح قلاع الملاحدة وطلبنا مدداً من الجنود ولكنك أظهرت الطاعة ولم تبعث الجند وكانت آية الطاعة والاتحاد أن تمدنا بالجيش عند مسيرنا إلى الطغاة فلم ترسل إلينا الجند والتمست العذر ومهما تكن أسرتك عريقة وبيتك ذا مجد تليد فإن لمعان القمر قد يبلغ درجة يخفى معها نور الشمس الساطعة ولابد إنه قد بلغ سمعك على لسان الخاص والعام ما حل بالعالم على يد الجيش المغولي) هذه الرسالة كانت تهديدية واضحة توضح نوايا المغول في الوصول إلى بغداد واجتيازها ضمن مخططهم الأول منذ زمن جنكيز خان وقد أضاف هولاكو في رسالته (ولم يكن باب بغداد مغلقاً في وجه أي طائفة من تلك الطوائف واتخذوا منها قاعدة ملك لهم) ويقصد في هذه العبارة تذكير الخليفة بالسلاجقة وغيرهم وكيف أنهم استطاعوا حكم بغداد ثم يردف بقوله (فكيف يغلق في وجهنا رغم ما لنا من قوة وسلطان ولقد نصحناك من قبل والآن نقول لك: احذر الحقد والخصام ولا تضرب المخصف بقبضة يدك ولا تلطخ الشمس بالوحل فتتعب. ومع هذا فقد مضى ما مضى فإذا أطاع الخليفة فليهدم الحصون ويردم الخنادق ويسلم البلاد لابنه ويحضر لمقابلتنا وإذا لم يرد فليرسل كلا من الوزير وسليمان شاه والدواتدار ليبلغوه رسالتنا) نلاحظ في الرسالة الصيغة الاستعلائية والتصميم الأكيد والإصرار على الدخول إلى بغداد حيث يقول في جزء آخر من الرسالة: (فسوف أنزلك من الفلك الدوار وسألقيك من عليائك إلى أسفل ولن أدع حياً في مملكتك) حتى يقول (فإذا أردت أن تحفظ رأسك وأسرتك فاستمع لنصحي) وبعد أن قرأ الخليفة الرسالة رد عليها برسالة أكثر شدة حيث يقول فيها: (وإن كنت تريد الحرب والقتال فلا تتوانَ لحظة ولا تعتذر إذا استقر رأيك على الحرب) إن هذا الرد هو الرد المناسب الذي يستحقه هولاكو ولكن المؤسف في الموضوع هو ماذا اتخذ الخليفة من إجراءات لكي يثبت مصداقية هذا الرد. وعلى أرض الواقع لم يغير أي شيء بالرغم من إلحاح المخلصين أو قل على الأقل الذين كانوا يحسون بخطورة الموقف, ونصحهم الخليفة بتجهيز الجيش وإمداده وإعداده وقد كان يتذرع بعدم وجود المال. ومن المثير حقاً أن هولاكو سيستخرج كنزاً هائلاً مدفوناً في قصر الخليفة بعد احتلال بغداد فلماذا لم يستخدمه الخليفة في تجهيز الجيوش والحفاظ على بيضة الإسلام وجوهرة الخلافة وقد كان بإمكان الخليفة أن يستنهض كل الهمم ويستثير النفوس وعاطفتها الإسلامية لكي يقف بوجه أكبر طوفان سيعم الآمة الإسلامية ولكن الخليفة آثر أن يبقى مع جواريه ومطربيه ويغدق عليهم الأموال إلى آخر لحظة وفي الوقت الذي كان الخليفة لاهياً عابثاً لا يستمع لنصح من أحد ولا يأخذ بمشورة الوزير وغيره فقد عقد الوزير ابن العلقمي مؤتمراً قال عنه كتاب جامع التواريخ: (وقد اجتمع عند الوزير أمراء بغداد وعظماؤها مثل سليمان شاه بن برجم وفتح الدين بن كره ومجاهد الدين الدواتدار الصغير وأطلقوا ألسنتهم بقدح الخليفة وطعنه قائلين إنه صديق المطربين والمساخرة وعدو الجيش والجنود وإننا أمراء الجيش بعنا كل ما ادخرناه في عهد والده) ثم قال سليمان كلاماً يثير النفوس والهمم ووصل هذا الكلام للخليفة فأعجب به وقال للوزير: (إن كلام سليمان شاه له الأثر في النفس) والمؤسف أن الخليفة لم يمنح المال واتبع أسلوباً ساذجاً جداً حيث أرسل إلى هولاكو هدية صغيرة وبعث إليه برسالة يقول فيها: (إن كل ملك قصد أسرة بني العباس ودار السلام بغداد كانت عاقبته وخيمة). وهنا نلاحظ مدى ضعف الموقف النفسي لدى الخليفة على العكس من هولاكو الذي كان قد قصد بغداد بجيوش من عدة جهات ولو أنه كان يعرف مدى ما وصل إليه الخليفة لما كلف نفسه عناء تحريك هذه الجيوش. ويكفي أن نعرف أن هولاكو قد أرسل مرة أخرى يطلب مقابلة الخليفة فما كان من الخليفة إلا أن يماطل ثم أرسل له رسالة مليئة بالتهديد والوعيد ثم يطلب منه أن يعود ويدفع له ما شاء من المال فما كان من هولاكو إلى أن يرد بقوله: (وكيف نترك زيارة الخليفة بعد كل ما قطعناه من هذا الطريق) وكانت من المآسي على أمة الإسلام أن الخليفة بعد أن أحس بالخطر قد وصل إليه أرسل جيوشاً هزيلة أحدها بقيادة القائد التركي قبجان المعروف بقراسنقر. ومن العجيب أن تقدم هولاكو لم يلاقِ أي مقاومة تذكر على طول المسافة من همدان حتى حلوان وفي الثاني والعشرين من شهر المحرم سنة 656هـ بدأ الهجوم العام على بغداد وهناك حاول الخليفة إرسال الوزير مع الجاثليق لمقابلة هولاكو قائلاً: (إن الملك قد أمر بأن أبعث إليه بالوزير فها أنذا قد لبيت طلبه) فأجابه هولاكو: (إن هذا الشرط طلبته وأنا على أبواب همدان فكيف أقتنع بواحد الآن ينبغي أن ترسل هؤلاء الثلاثة وهم الدواتدار وسليمان شاه والوزير) وبعد ذلك وبعد أن وصل هولاكو وجنده إلى أسوار بغداد توقع أن يلاقي مقاومة تليق بشرف جوهرة الخلافة فطلب الدواتدار وسليمان شاه. والمهين في الموضوع أن أغلب الجند خرجوا مع قادتهم وأصبحوا تحت رحمة المغول فما كان من هولاكو إلا أن قتلهم جميعاً وهكذا أصبحت بغداد خالية من الجيش الذي يدافع عنها بفعل تخبط الخليفة وسذاجته. وأخيراً طلب هولاكو من الخليفة أن يلقي الناس أسلحتهم فتوجه الخليفة بنداء إلى عامة الناس في بغداد: (ليضع سكان المدينة أسلحتهم وليخرجوا لكي نحصيهم) وبالفعل خرج الناس فما كان من المغول إلا أن يقتلوا الجميع ودخل المغول بغداد ولم يتركوا شيئاً فقد حرقوا ونهبوا وقتلوا وكان فيما احترق مشهد الكاظمين (ع) وهناك قابل الخليفة هولاكو واعترف بوجود حوض من الذهب في ساحة القصر وقد أحصوا جواري الخليفة فوجدوها سبعمائة زوجة وسرية وألف خادمة وأخيراً فقد قتل الخليفة. والسؤال الذي نطرحه اليوم بمزيد من الحيرة والألم والذهول! ألم يستطع الخليفة أن يدافع عن بغداد؟ وهل كان سقوط بغداد بسبب الوزير أم الدواتدار أم أمراء الجيش؟ والجواب يبقى مكتوباً بين السطور وفي المراسلات بين الخليفة وهولاكو وعلى كل باحث قبل أن يلقي باللائمة على هذا وذاك أن يتعمق في الرسائل ليجد ما وصل إليه الخليفة من الضعف والتخبط واضطراب الرؤية السياسية وتشوش الأفكار الستراتيجية.
د. احمد السبتي

[أحمد عمر]

اثبت مرورى ولى عوده للتعليق ان شاء الله
تسلم دوما عوامى

[طيف عابر]

روعه روعه موضوع فعلا روعه

يعنى باختصار
الفساد
التشتت والفرقه
طمع الحكام وحرصهم على متعتهم ورفاهيتهم

دوما كانت وما زالت اسباب للطامعين ليتجرأوا على احتلالنا والعبث بنا والطمع بامتلاكنا

مشكور جدا عوامي
موفق فعلا باختيارك لهذا الموضوع المتميز

[العوامى]

اثبت مرورى ولى عوده للتعليق ان شاء الله
تسلم دوما عوامى

شرفنى مروركـ ياغالى وفى انتظاركـ ياباشا

مشكور جدا عوامي
موفق فعلا باختيارك لهذا الموضوع المتميز

شكراً ط ـــــــيف
على المرور المميز ونورتى موضوعى

[ساندرا]

يجزيك الخير اخي العوامي على الموضوع المميز

[ساجدة]

بوركت بُني على طرحك المجزي ونلاحظ ان التاريخ يعيد نفسه وليته يعيد الحسن والجيد

[Ahmad Misk]

جزاك الله خيرا

وبارك الله فيك