سجائر تمشي على الأرض !
رمضان شهر تـأفف وتعب ونكد ، وجوع وعطش ، وحرمان من الطعام والملذات ، وأزمة مواصلات خانقة ، وتسابق على الوصول إلى البيت ، وطوابير على المخبز وبائع القطايف !
رمضان ، موظفون ضجرون ، تتراقص الشياطين وتتقافز أمام وجوههم ، يتخيلون المراجعين كأنهم سجائر تمشي على الأرض ، والمعاملات أرغفة ساخنة ، وكل أذان هو أذان مغرب ، وسفرة ممتدة !
رمضان ، أسواق مكتظة بالجوعى والمفاجيع ، يشترون بالهبل كل ما يستطيعون حمله ، خبز من كل الأنواع: طويل وقصير ، مسمسم وبالقزحة ، محمر ومقمر ، فرنسي ولبناني بلدي وأرمني ، وكل ما طالته اليد ، شطة حمراء ، ومائة لون من المخللات ، وفواكه غريبة ، وأنواع شتى من الورقيات: خس وجرجير وفجل ورشاد وبقدونس وما لا يدرك من أصناف !
رمضان ، شهر المفجوعين ، لا القنوعين ، شهر الطعام لا القيام ، شهر الإسراف والتبذير لا القناعة والتوفير ، رمضان ، شهر الفن والنط والسهر حتى الصباح مع المسلسلات والكوفي شوبات ، رمضان ، شهر ورق الشدة والأرجيلة بالمعسل البحريني ، رمضان ، شهر له ميزانية خاصة ، وألوان معينة من المشروبات والمأكولات ، والمرطبات ، والمكسرات ، والحلويات ، والملينات ( لعلاج تلبك المعدة ، وملئها بأصناف شتى ) !
وطقوس مستحدثة ترفع من مصروف البيت فيه إلى أفق جديد ، فلا يكفيه ما يكفي شهرين أو ثلاثة من أشهر الإفطار ، رمضان شهر نكبة على ميزانية الموظف ، الذي لا يريد أن يصوم ويفطر على بصلة !
رمضان الذي نراه اليوم غير رمضان الحقيقي الذي ينتظره المؤمنون على أحر من الجمر ، ونحمد الله أنه لم يزل بين ظهرانينا جزء من هؤلاء ، فالمساجد تمتلئ بمثلهم في صلاة الفجر وصلاة التراويح ، كما تمتلئ مقاهي الرصيف برواد لعب الطرنيب ، والهاند !
رمضان يمكن أن يكون شهر معصية ، أو شهر طاعة ، معظم أهل البلد يصومون: فيجوعون نهاراً ، ويبطشون بالأكل ليلاً ، فلم لا يستفيدون من جوعهم وعطشهم ، ويحولون هذا الطقس إلى عبادة حقيقية !
لم لا يحملون من رمضان إلا الجوع والعطش !
عاد النبي صلى الله عليه وسلم أعرابياً مريضاً يتلوى من شدة الحمى ، فقال مواسياً ومشجعاً : طـهور ، فقال الأعرابي: بل هي حمى تفور ، على شيخ كبير ، لتورده القبور .
قال: فهي إذن !
يعقب الشيخ الغزالي رحمه الله ( يعني أن الأمر يخضع للإعتبار الشخصي فإن شئت جعلتها تطهيراً ورضيت وإن شئت جعلتها هلاكاً وسخطت).
إن هذا الأعرابي لم يفكر في الصحة والعافية وإنما تخيل نفسه أنه في القبر ويعاني من هذه الآلام والعجيب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجابه بما أراد (فهي إذن) !
وكذا هو رمضان ، إن شئت جعلت صومك طهوراً ، أو شئت جعلته مجرد إمتناع عن الأكل والشرب ، مع ما يرافقه من عذاب وضجر وضيق نفس !
اللهم بلغنا رمضان .
راقب افكارك لانها ستصبح افعال
..
راقب افعالك لانها ستصبح عادات
..
راقب عاداتك لانها ستصبح طباع
..
راقب طباعك لانها ستحدد مصيرك
البحث على جميع مواضيع العضو زيرو كول
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)