جزاك الله خيرا يااكرام
قصة جميله
ومعلومات قيمة عن إرم ذات العماد
اللهم لاتهلكنا كما اهلكتهم
اللهم لاتسلط علينا غضبك
اللهم ارحمنا وتب علينا
بارك الله فيك اكرام
سورة الفجر والإعجاز العلمي بها للدكتور زغلول النجار
من أسرار القرآن
الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية
(68) إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد
بقلم: د. زغـلول النجـار
هاتان الآيتان الكريمتان جاءتا في اخر الربع الأول من سورة الفجر, وهي سورة مكية, يدور محورها الرئيسي حول قضية البعث بعد الموت, وهي من القضايا الأساسية في العقيدة الإسلامية.
وتبدأ السورة الكريمة بقسم من الله( تعالي) بالفجر, وهو يمثل الفترة الزمنية التي يبزغ فيها أول خيط من الشفق الصباحي علي جزء من سطح الأرض فيعمل ذلك علي محو ظلمة الليل بالتدريج حتي شروق الشمس, ويبدأ ذلك بوضع الجزء من الأرض الذي يبزغ عليه الفجر في وضع تبدو الشمس منه وكأنها علي بعد18,5 درجة تحت الأفق, وتظل ترتفع في حركتها الظاهرية حول الأرض, والتي تتم بدوران الأرض حول محورها امام الشمس حتي ظهور حافة الشمس العليا عند الأفق فتشرق الشمس. والفجر الصادق يمثل أول النهار من الناحية الشرعية.
وظاهرة الفجر تدور مع الأرض في دورتها اليومية حول محورها أمام الشمس, فتنتقل من منطقة الي أخري بانتظام حتي تمسح سطح الأرض كله بالتدريج, وهي ظاهرة تصاحب بقدر من الصفاء البيئي والنقاء لا تساويها فترة أخري من فترات اليوم في ذلك فتتميز بالنداوة, والرقة والهدوء, وبانعكاس ذلك كله علي مختلف أنواع الخلائق, وربما كان ذلك وغيره من مبررات هذا القسم الإلهي بالفجر, والله( تعالي) غني عن القسم لعباده, والمقصود من ورود الآية القرآنية بصيغة القسم هو تنبيهنا الي أهمية الأمر الذي جاء به القسم.
ويلي القسم بالفجر قسم ثان بـ( ليال عشر) وقد قيل فيها أنها الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان, ومن ضمنها ليلة القدر التي وصفها الحق( تبارك وتعالي) بأنها خير من ألف شهر, ويأتي في مقابلتها الأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة, وفيها يوم عرفة الذي وصفه المصطفي( صلي الله عليه وسلم) بأنه أفضل يوم عند الله, ووصف العشر من ذي الحجة بأنه ما من أيام بأفضل منها عند الله.
ثم يأتي قسم ثالث بالشفع والوتر وفيه قيل أن المقصود بذلك الصلاة, ومنها الشفع كالصلاة الثنائية والرباعية, ومنها الوتر كالمغرب وختام الصلاة في آخر الليل.
ويلي ذلك قسم رابع بالليل إذا يسر وأصل السري هو السير بالليل, وإسناد ذلك إلي الليل قيل فيه أنه مجاز بمعني يسري فيه( وحذفت ياؤه في الآية الكريمة وصلا ووقفا), وقيل أنه ليس بمجاز, وذلك لتعاقب كل من الليل والنهار علي سطح الأرض بفعل دوران الأرض حول محورها امام الشمس حتي يخرج نصفها المظلم من انطباق ظلمة السماء علي ظلمة الأرض وذلك بدخول طبقة نور النهار بينهما, وانتقال ظلمة ليل الأرض الي جزء آخر منها كان يعمه نور النهار, ولا يخفي علي عاقل فوائد تعاقب كل من الليل والنهار علي سطح الأرض, وعلي الحياة الأرضية.
وبعد القسم بهذه الآيات الخمس, وبما لها من قيمة في انتظام حركة الحياة تتساءل سورة الفجر: هل في ذلك قسم لذي حجر؟
أي لذي لب وعقل وبصيرة؟
وجواب القسم محذوف وتقديره: ليعذبن الله( تعالي) كل كافر ومشرك ومنكر للبعث, وكل مفسد في الأرض, وكل متجبر علي الخلق.. ودلالة ذلك هو سرعة الاستشهاد بمصارع عدد من الأمم البائدة من مثل أقوام عاد وثمود وفرعون, وقد أشارت الآيات إلي صفة لازمت كل أمة منهم, وألمحت إلي شيء من تجبرهم وطغيانهم وإفسادهم, وذكرت كيف صب الله( تعالي) علي كل منهم عذابه صبا, جزاء ما اقترفوه من آثام.. وأكدت أن الله( تعالي) قائم دوما بالمرصاد لكل متجبر علي الخلق وكل مفسد في الأرض وأن سنة الله واحدة في أخذ الطغاة المفسدين في كل زمان ومكان بأقسي أنواع العقاب, وأشد ألوان العذاب..!!
وبعد أن جمعت الآيات في سورة الفجر مصارع عدد من عتاة المفسدين في الأرض, وأكدت أن الله( تعالي) لهم ولأمثالهم دوما بالمرصاد, انتقلت بالحديث إلي شيء من طبائع النفس الإنسانية أمام قضية بسط الرزق وقبضه, وما فيها من ابتلاء للعباد, فالصالح يشكر النعمة, ويصبر علي المحنة, وغير ذلك تبطره النعمة التي يراها تكريما لشخصه, وتضجره المحنة التي يراها إهانة لكرامته, وترد الأيات بأن إنسانا هذا شأنه مخلوق أناني لا يفكر إلا في ذاته, قد جبلت نفسه علي عدم الاكتراث بإكرام اليتيم, ولا بالتحاض علي اطعام المسكين, وبالنهم الشديد في اقتسام الميراث, وبالحب الجم للمال, ثم تذكر الآيات فورا بالآخرة وما فيها من أهوال حين تدك الأرض دكا دكا, كناية عن تدمير الكون كله, ثم بعثه وبعث كافة الخلائق فيعرضون امام ربهم( لا تخفي منهم خافية) والملائكة وقوف صفا صفا بين يدي الله( تعالي) ثم يؤتي بجهنم في هذا الموقف العصيب الذي يتقرر فيه مصير كل واحد من الخلق, وحينئذ يتذكر الانسان مافرط فيه من حياته الدنيا حين لايفيد التذكر بشيء, ويتمني لو أنه كان قد قدم شيئا لهذا الموقف الرهيب..!!
وتصف الآيات جانبا من عذاب الكفار والمشركين في ذلك اليوم العصيب الذي يقول فيه الحق( تبارك وتعالي):
فيومئذ لايعذب عذابه أحد* ولا يوثق وثاقه أحد
بينما يسمع نداء الحق( سبحانه وتعالي) علي كل نفس طيبة بقوله( عز من قائل):
ياأيتها النفس المطمئنة* إرجعي إلي ربك راضية مرضية* فادخلي في عبادي وادخلي جنتي( الفجر:27 ـ30)
والإعجاز في سورة الفجر يشمل فيما يشمل القسم بخمس من آيات الله لم تكن أهميتها معروفة في زمن الوحي ولا لقرون متطاولة من بعده, بالإضافة إلي وصف شيء من دخائل النفس الإنسانية, ووصف عدد من المظاهر والأحداث المصاحبة للآخرة, وهي من الغيوب المطلقة التي لا سبيل أمام الإنسان لمعرفة شيء عنها إلا من خلال وحي السماء.
أما الأعجاز التاريخي في هذه السورة المباركة فهو أبلغ جوانب الإعجاز فيها لاشتماله علي ذكر ثلاثة من طواغيت التاريخ القديم هم قوم عاد, ومدينتهم إرم ذات العماد, وقوم ثمود الذين وصفتهم الآيات الكريمة بأنهم هم.. الذين جابوا الصخر بالواد, وفرعون ذي الأوتاد وهذه الأمم كانت قد بادت قبل بعثة رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بمئات السنين, ولم تكن الامة العربية أمة تدوين وتوثيق, هذا فضلا عن بعد أراضي تلك الأمم البائدة عن مكة المكرمة بمئات بل بعشرات المئات من الكيلومترات في زمن لم تكن وسائل المواصلات ميسرة:
وذكر قوم عاد في القرآن الكريم يعتبر أكثر إنبائه بأخبار الأمم البائدة إعجازا, وذلك لأن هذه الأمة قد أبيدت إبادة كاملة بعاصفة رملية غير عادية.. طمرتهم وردمت اثارهم حتي أخفت كل أثر لهم من علي وجه الأرض, وبسبب ذلك أنكرت الغالبية العظمي من الأثريين والمؤرخين وجود قوم عاد, واعتبروا ذكرهم في القرآن الكريم من قبيل القصص الرمزي لاستخلاص العبر والدروس, بل تطاول بعض الكتاب فاعتبروهم من الأساطير التي لا أصل لها في التاريخ, ثم جاءت الكشوف الأثرية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين بالكشف عن مدينة إرم وإثبات صدق القرآن الكريم في كل ما جاء به عن قوم عاد, وانطلاقا من ذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي هذا الكشف الأثري المثير الذي سبق وأن سجلته سورة الفجر في الآيات(6 ـ8) من قبل ألف وأربعمائة من السنين, وإن دل ذلك علي شيء فإنما يدل علي حقيقة أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه لنا بنفس لغة وحيه التي أوحي بها( اللغة العربية) فظل محتفظا بصياغته الربانية, وإشراقاته النورانية, وبصدق كل حرف وكلمة وإشارة فيه.
وقبل البدء في الحديث عن إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد* لابد من استعراض سريع لقوم عاد في القرآن الكريم, ولشرح عدد من كبار المفسرين القدامي والمعاصرين لهذه الآيات القرآنية الثلاث.
قوم عاد في القرآن الكريمجاء ذكر قوم عاد في سورتين من سور القرآن الكريم سميت إحداهما باسم نبيهم هود( عليه السلام) وسميت الأخري باسم موطنهم الأحقاف, وفي عشرات الآيات القرآنية الأخري التي تضمها ثماني عشرة سورة من سور القرآن الكريم جاء ذكرهم أيضا ونختار منها ما يلي:
(1) وإلي عاد أخاهم هودا قال يا قوم أعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون* قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين* قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين* أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين* أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم علي رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون* قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد أباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين* قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم مانزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين* فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بأياتنا وما كانوا مؤمنين*
(الأعراف:65-72).
(2) كذبت عاد المرسلين* إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون* إني لكم رسول أمين* فاتقوا الله وأطيعون* وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا علي رب العالمين* أتبنون بكل ريع أية تعبثون* وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون* وإذا بطشتم بطشتم جبارين* فاتقوا الله وأطيعون* واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون* أمدكم بأنعام وبنين* وجنات وعيون* إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم* قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين* إن هذا إلا خلق الأولين* وما نحن بمعذبين* فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين* وإن ربك لهو العزيز الرحيم*
(الشعراء:123-140).
(3) فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود* إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون* فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون* فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزي وهم لا ينصرون*
(فصلت:13-16)
(4) واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم* قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين* قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون* فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم* تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يري إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين* ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغني عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ماكانوا به يستهزئون*
(الأحقاف:21-26).
(5) كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر* إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر* تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر* فكيف كان عذابي ونذر* ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر*
(القمر:18-22).
(6) وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية* سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فتري القوم فيها صرعي كأنهم أعجاز نخل خاوية* فهل تري لهم من باقية*
(الحاقة:6-8)
(7) ألم تر كيف فعل ربك بعاد* إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد*
(الفجر:6-8).
وفي غير هذه الأيات جاء ذكر قوم عاد في كل من سورة التوبة(70),( هود:50-60), إبراهيم(9), الحج(42), ص(12), غافر(31), ق(13), الذاريات(41), الفرقان(38), العنكبوت(38), والنجم(50).
من أقوال المفسرين
في تفسير قوله( تعالي):
ألم تر كيف فعل ربك بعاد* إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد*ت
( الفجر:6-8)
* ذكر ابن كثير( رحمه الله) ما نصه ألم تر كيف فعل ربك بعاد)؟ وهؤلاء كانوا متمردين عتاة جبارين, خارجين عن طاعته مكذبين لرسله, فذكر تعالي كيف أهلكهم ودمرهم, وجعلهم أحاديث وعبرا فقال
ألم تر كيف فعل ربك بعاد* إرم ذات العماد)؟ وهؤلاء( عادا الأولي) وهم الذين بعث الله فيهم رسوله هودا عليه السلام فكذبوه وخالفوه, فأنجاه الله من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم وأهلكهم( بريح صرصر عاتية), وقد ذكر الله قصتهم في القرآن, ليعتبر بمصرعهم المؤمنون, فقوله تعالي
إرم ذات العماد) عطف بيان زيادة تعريف بهم, وقوله تعالي
ذات العماد) لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشعر التي ترفع بالأعمدة الشداد, وقد كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة وأقواهم بطشا, ولهذا ذكرهم( هود) بتلك النعمة, وأرشدهم إلي أن يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم فقال
واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون)
وقال تعالي فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة؟ أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) وقال ههنا
التي لم يخلق مثلها في البلاد) أي القبيلة التي لم يخلق مثلها في بلادهم لقوتهم وشدتهم وعظم تركيبهم, وقال مجاهد: إرم أمة قديمة يعني عادا الأولي, قال قتادة والسدي: إن إرم بيت مملكة عاد, وكانوا أهل عمد لا يقيمون, وقال ابن عباس: إنما قيل لهم ذات العماد لطولهم, واختار الأول ابن جرير, وقوله تعالي
التي لم يخلق مثلها في البلاد) الضمير يعود علي القبيلة, أي لم يخلق مثل تلك القبيلة في البلاد يعني في زمانهم,...., وسواء كانت العماد أبنية بنوها, أو أعمدة بيوتهم للبدو, أو سلاحهم يقاتلون به, أو طول الواحد منهم, فهم قبيلة وأمة من الأمم, وهم المذكورون في القرآن في غير ماموضع, المقرونون بثمود كما ههنا, والله أعلم.....
* وجاء في تفسير الجلالين( رحم الله كاتبيه) ما نصه ألم تر) ألم تعلم يا محمد( كيف فعل ربك بعاد) قوم هود عليه السلام.( إرم) هي: عاد الأولي, فـ إرم عطف بيان أو: بدل, ومنع الصرف للعلمية والتأنيث( ذات العماد) أي: ذات الأبنية المرفوعة علي العمد, أو البناء المرتفع, ففي الصحاح والعماد: الأبنية المرتفعة, وقيل: ذات الطول...( التي لم يخلق مثلها في البلاد) في بطشهم وقوتهم..
* وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمة واسعة) مانصه:.....( عاد إرم) وهي عاد الأولي, وقيل: انها من العرب العاربة أو البائدة, وكان مسكنهم بالأحقاف وهي كثبان الرمال في جنوب الجزيرة بين حضرموت واليمن, وكانوا بدوا ذوي خيام تقوم علي عماد, وقد وصفوا في القرآن بالقوة والبطش, فقد كانت قبيلة عاد هي أقوي قبيلة في وقتها وأميزها( التي لم يخلق مثلها في البلاد) في ذلك الأوان..
* وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن( رحم الله كاتبه برحمته الواسعة) مانصه:..... وعاد هو: عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام, سمي أولاده باسمه.... وقيل لأوائلهم ـ وهم الذين أرسل اليهم هود عليه السلام ـ عاد الأولي تسمية لهم باسم أبيهم, وإرم تسمية لهم باسم جدهم... وقيل لمن بعدهم عاد الآخرة, و(إرم) بدل أو عطف بيان لـ(عاد).... وقيل: إن( إرم) قبيلة من( عاد) وهي بيت ملكهم, فهي بدل من( عاد), بدل بعض من كل.( ذات العماد) صفة لقبيلة( إرم) أي ذات الأعمدة التي ترفع عليها بيوت الشعر, إذ كانوا أهل خيام وعمد ينتجعون الغيوث ويطلبون الكلأ حيث كان, ثم يعودون الي منازلهم, وقيل: ذات الرفعة والعزة,( لم يخلق مثلها..) صفة اخري لها, أي لم يخلق في بلادهم مثلها في الأيد والشدة وعظم الأجسام....
* وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم جزي الله كاتبيه خيرا مانصه: ألم تعلم كيف انزل ربك عقابه بعاد قوم هود, أهل إرم ذات البناء الرفيع, التي لم يخلق مثلها في البلاد متانة وضخامة بناء...
* وذكر صاحب صفوة التفاسير( جزاه الله خيرا) مانصه:.... أي ألم يبلغك يامحمد ويصل الي علمك ماذا فعل الله بعاد قوم هود؟( إرم ذات العماد) أي عادا الأولي أهل إرم ذات البناء الرفيع, الذين كانوا يسكنون بالأحقاف بين عمان وحضرموت( التي لم يخلق مثلها في البلاد) أي تلك القبيلة التي لم يخلق الله مثلهم في قوتهم, وشدتهم, وضخامة اجسامهم....
ارم ذات العماد في التراث الاسلامي
في تفسير ماجاء عن( قوم عاد) في القرآن الكريم نشطت أعداد من المفسرين والجغرافيين والمؤرخين وعلماء الأنساب المسلمين, من أمثال الطبري, والسيوطي, والقزويني والهمداني وياقوت الحموي, والمسعودي في الكشف عن حقيقة هؤلاء القوم فذكروا أنهم كانوا من( العرب البائدة) وهو تعبير يضم كثيرا من الأمم التي اندثرت قبل بعثة المصطفي( صلي الله عليه وسلم بمئات السنين, ومنهم قوم عاد, وثمود, والوبر وغيرهم كثير, وعلموا من آيات القرآن الكريم ان مساكن قوم عاد كانت بالأحقاف( جمع حقف أي: الرمل المائل), وهي جزء من جنوب شرقي الربع الخالي بين حضرموت جنوبا, ومعظم الربع الخالي شمالا, وعمان شرقا, كما علموا من القرآن الكريم ان نبيهم كان سيدنا هود( عليه السلام), وأنه بعد هلاك الكافرين من قومه سكن نبي الله هود أرض حضرموت حتي مات ودفن فيها قرب( وادي برهوت) الي الشرق من مدينة تريم.
أما عن( إرم ذات العماد) فقد ذكر كل من الهمداني( المتوفي سنة334 هـ/946 م) وياقوت الحموي( المتوفي سنة627 هـ/1229 م) أنها كانت من بناء شداد بن عاد واندرست( أي: طمرت بالرمال) فهي لاتعرف الآن, وإن ثارت من حولها الأساطير.
الكشف الحديث عن إرم ذات العماد
* في سنة1984 م زود احد مكوكات الفضاء بجهاز رادار له القدرة علي اختراق التربة الجافة الي عمق عدة أمتار يعرف باسم جهاز رادار اختراق سطح الأرض
GroundPenetratingRadarOrGPR
فكشف عن العديد من المجاري المائية الجافة مدفونة تحت رمال الحزام الصحراوي الممتد من موريتانيا غربا الي أواسط آسيا شرقا.
وبمجرد نشر نتائج تحليل الصور المأخوذة بواسطة هذا الجهاز تقدم احد هواة دراسة الآثار الأمريكان واسمه نيكولاس كلاب
NicholssClapp
إلي مؤسسة بحوث الفضاء الأمريكية المعروفة باسم ناسا
(NASA)
بطلب للصور التي أخذت بتلك الواسطة لجنوب الجزيرة العربية, وبدراستها اتضح وجود آثار مدقات للطرق القديمة المؤدية الي عدد من أبنية مدفونة تحت الرمال السافية التي تملأ حوض الربع الخالي, وعدد من أودية الأنهار القديمة والبحيرات الجافة التي يزيد قطر بعضها عن عدة كيلو مترات.
وقد احتار الدارسون في معرفة حقيقة تلك الآثار, فلجأوا الي الكتابات القديمة الموجودة في إحدي المكتبات المتخصصة في ولاية كاليفورنيا وتعرف باسم مكتبة هنتنجتون
HuntingtonLibrary,
وإلي عدد من المتخصصين في تاريخ شبه الجزيرة العربية القديم وفي مقدمتهم الأمريكي جوريس زارينز
JurisZarins
والبريطاني رانولف فينيس
RanulphFiennes
وبعد دراسة مستفيضة أجمعوا علي أنها هي آثار عاصمة ملك عاد التي ذكر القرآن الكريم ان اسمها( ارم) كما جاء في سورة الفجر, والتي قدر عمرها بالفترة من3000 ق.م. الي ان نزل بها عقاب ربها فطمرتها عاصفة رملية غير عادية. وعلي الفور قام معمل الدفع النفاث بكاليفورنيا( معهد كاليفورنيا للتقنية)
(TheJetPropulsionLaboratories,
CaliforniaInstituteofTechnology,J.P.L)
باعداد تقرير مطول يضم نتائج الدراسة, ويدعو رجال الأعمال والحكومات العربية الي التبرع بسخاء للكشف عن تلك الآثار التي تملأ فراغا في تاريخ البشرية, وكان عنوان التقرير هو: البعثة عبر الجزيرة
TheTrans-ArabiaExpedition
وتحت العنوان مباشرة جاءت الآيتان الكريمتان رقما8,7 من سورة الفجر, وقد أرسل الي التقرير لدراسته, وقد قمت بذلك فعلا وقدمت رأيي فيه كتابة الي المسئولين بالمملكة العربية السعودية,
وقد ذكر التقرير ان اثنين من العلماء القدامي قد سبق لهما زيارة مملكة عاد في أواخر حكمها, وكانت المنطقة لاتزال عامرة بحضارة زاهرة, والأنهار فيها متدفقة بالماء, والبحيرات زاخرة بالحياة, والأرض مكسوة بالخضرة, وقوم عاد مستكبرون في الأرض, ويشكلون الحضارة السائدة فيها, وذلك قبل ان يهلكهم الله( تعالي) مباشرة, وكان احد هؤلاء هو بليني الكبير من علماء الحضارة الرومانية( والذي عاش في الفترة من23 م الي79 م), والآخر كان هو الفلكي والجغرافي بطليموس الاسكندري الذي كان أمينا لمكتبة الاسكندرية.وعاش في الفترة من100 م الي170 م تقريبا), وقام برسم خريطة للمنطقة بأنهارها المتدفقة, وطرقاتها المتشعبة والتي تلتقي حول منطقة واسعة سماها باسم( سوق عمان).
ووصف بليني الكبير حضارة عاد الأولي بأنها لم يكن يدانيها في زمانها حضارة أخري علي وجه الأرض, وذلك في ثرائها, ووفرة خيراتها, وقوتها, حيث كانت علي مفترق طرق التجارة بين كل من الصين والهند من جهة وبلاد الشام وأوروبا من جهة أخري, والتي كانت تصدر اليها البخور والعطور والأخشاب, والفواكه المجففة, والذهب, والحرير وغيرها.
وقد علق كثير من المتأخرين علي كتابات كل من بليني الكبير وبطليموس الاسكندري بأنها ضرب من الخرافات والأساطير, كما يتشكك فيها بعض مدعي العلم في زماننا ممن لم يستطيعوا تصور الربع الخالي, وهو من أكثر أجزاء الأرض قحولة وجفافا اليوم, مليئا في يوم من الأيام بالأنهار والبحيرات والعمران, ولكن صور المكوك الفضائي جاءت مطابقة لخريطة بطليموس الاسكندري, ومؤكدة ماقد كتبه من قبل كل منه ومن بليني الكبير كما جاء في تقرير معهد الدفع النفاث.
إرهاصات قبل الكشف عن إرم
* في سنة1975 م تم اكتشاف آثار لمدينة قديمة في شمال غربي سوريا باسم مدينة( إبلا)
(Ebla)
تم تحديد تاريخها بحوالي4500 سنة مضت, وفي بقايا مكتبة قصر الحكم في هذه المدينة القديمة وجدت مجموعة كبيرة من الألواح الصلصالية( حوالي15,000 لوح) تحمل كتابات بإحدي اللغات القديمة التي تم معرفة مفاتيحها وتمت قراءتها.
* في عددها الصادر بتاريخ ديسمبر1978 م نشرت المجلة الجغرافية الأهلية
(NationalGeographicMagazine)
مقالا بعنوان
'Ebla:Splendorofanunknown
Empire'(vol.154,no6,pp731.-759)
لكاتب باسم
(HowardlaFay)
جاءت فيه الإشارة إلي أن من الأسماء التي وجدت علي ألواح مدينة إبلا الإسم إرم علي أنه اسم لمدينة غير معروفة جاء ذكره في السورة رقم89 من القرآن الكريم.
* بعد ذلك بعام واحد( أي في سنة1979 م) نشر اثنان من غلاة الصهاينة هما: حاييم برمانت وميخائيل ويتزمان
(ChaimBermantandMichaelWetzman)
كتابا بعنوان:
(Ebla-ARevelationInArchaeology)
ذكرا فيه أسماء ثلاثة وجدت مكتوبة علي ألواح الصلصال المكتشفة في( إبلا) هي: شاموتو( أو ثمود), و(عاد), و(إرم) وذكرا أن هذه الأسماء الثلاثة ذكرت في السورة رقم89 من القرآن الكريم.
وأضاف هذان الصهيونيان أن( ثمود) اسم قبيلة ذكرها سارجون الثاني
(SargonII)
في القرن الثامن قبل الميلاد, بينما الإسم( إرم) قد اختلف فيه فمن المؤرخين من اعتبره اسما لإحدي القبائل, ومنهم من اعتبره اسما لمكان, أما عن الاسم الثالث( عاد) فقد اعتبراه اسما اسطوريا, وهذا من قبيل تزييف التاريخ الذي برع فيه الصهاينة منذ القدم, وقد سبقهم في ذلك جيش من مزيفي تاريخ الجزيرة العربية علي رأسهم
ThomasBertram
الذي نشر في الثلاثينيات من القرن العشرين كلاما مشابها.
* في يوليو سنة1990 م تشكل فريق من البحاث في وكالة الفضاء الأمريكية
(NASA)
برئاسة
(CharlesElachi)
ومن معهد الدفع النفاث
(J.P.L)
برئاسة
(RonaldBlom)
للبحث عن( إرم ذات العماد) تحت رعاية وتشجيع عدد من الأسماء البارزة منها:
(ArmandHammar,SirRanulphFiennes,GeorgeHedges)
ولكن البحث تأجل بسبب حرب الخليج.
بعد الكشف عن إرم
* في يناير سنة1991 م بدأت عمليات الكشف عن الاثار في المنطقة التي حددتها الصور الفضائية واسمها الحالي الشيصار واستمر إلي مطلع سنة1998 م وأعلن خلال ذلك عن اكتشاف قلعة ثمانية الأضلاع سميكة الجدران بأبراج في زواياها مقامة علي أعمدة ضخمة يصل إرتفاعها إلي9 أمتار وقطرها إلي3 أمتار ربما تكون هي التي وصفها القرآن الكريم.
* في1992/2/17 م نشر في مجلة تايم
(Time)
الأمريكية مقال بعنوان
(Arabia صsLostSandCastleByRichardOstling)
ذكر فيه الكشف عن إرم.
* بتاريخ1992/4/10 م كتبت مقالا بعنوان اكتشاف مدينة إرم ذات العماد نشر بجريدة الأهرام القاهرية لخصت فيه ما وصلني من أخبار ذلك الكشف حتي تاريخه.
* في سنة1993 م نشر بيل هاريس كتابه المعنون
(BillHarris:LostCivilizations)
* بتاريخ1998/4/23 م نشر
(NicholasClapp)
كتابه المعنون
TheRoadtoUbar:
* بتاريخ1999/6/14 م نشر بيكو إير
(PicoIyer)
كتابه المعنون
(FallingoffTheMap:SomeLonelyPlacesinTheWorld)� �
وتوالت الكتب والنشرات والمواقع علي شبكة المعلومات الدولية منذ ذلك التاريخ, ولكن تكتم القائمون علي الكشف نشر مزيد من أخباره حتي يتمكنوا من تزييفه وإلحاقه بأساطير اليهود كما فعلوا من قبل في لفائف البحر الميت وآثار( إبلا) وغيرها من المواقع, ولكن كل مانشر ـ علي قلته ـ يؤكد صدق ماجاء بالقرآن الكريم عن قوم عاد بأنهم:
(1) كانوا في نعمة من الله عظيمة ولكنهم بطروها ولم يشكروها ووصف بليني الكبير لتلك الحضارة بأنها لم يكن يدانيها في زمانها حضارة أخري كأنه ترجمة لمنطوق الآية الكريمة( التي لم يخلق مثلها في البلاد).
(2) أن هذه الحضارة قد طمرتها عاصفة رملية غير عادية وهو ماسبق القرآن الكريم بالإشارة إليه.
(3) أن هناك محاولات مستميتة من اليهود لتزييف تاريخ تلك المنطقة ونسبة كل حضارة تكتشف فيها إلي تاريخهم المزيف, ولذلك كان هذا التكتم الشديد علي نتائج الكشف حتي يفاجئوا العالم بما قد زيفوه, ومن ذلك محاولة تغيير اسم( إرم) إلي اسم عبري هو أوبار
(Ubar).
هذه قصة( إرم ذات العماد) مدينة قوم عاد, التي جاءت الكشوف الأثرية الحديثة بإثبات ماذكر عنها في القرآن الكريم. وإن كان نفر من الأقدمين قد حاول إنكار ذلك تطاولا علي الله وكتابه, فإن نفرا من المحدثين قد حاول إنكاره تطاولا علي العلم وأهله في زمن يتكلم فيه الرويبضة كما أخبرنا رسول الله( صلي الله عليه وسلم), ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ويبقي ماجاء في القرآن الكريم من ذكر لقوم عاد ولمدينتهم( إرم ذات العماد), ولما أصابها وأصابهم من دمار بعاصفة رملية غير عادية صورة من صور الإعجاز التاريخي في كتاب الله تشهد له بصفائه الرباني, وإشراقاته النورانية, وبأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, فالحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي نعمة الإسلام, والصلاة والسلام علي الرسول الخاتم الذي تلقاه وجاهد في سبيله حتي أتاه اليقين, وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين.
أنا لا أريدك أن تبكي
ولا أريد عيناك تصافحان أمامي البكاء
فأنا
وإن مات فيك الهوى
لا أريد أن يموت فيك الكبرياء
البحث على جميع مواضيع العضو thesniper_12007
جزاك الله خيرا يااكرام
قصة جميله
ومعلومات قيمة عن إرم ذات العماد
اللهم لاتهلكنا كما اهلكتهم
اللهم لاتسلط علينا غضبك
اللهم ارحمنا وتب علينا
بارك الله فيك اكرام
أنا لا أريدك أن تبكي
ولا أريد عيناك تصافحان أمامي البكاء
فأنا
وإن مات فيك الهوى
لا أريد أن يموت فيك الكبرياء
البحث على جميع مواضيع العضو thesniper_12007
التعديل الأخير تم بواسطة طيور الجنه ; 3 - 9 - 2010 الساعة 08:54 PM
أنا لا أريدك أن تبكي
ولا أريد عيناك تصافحان أمامي البكاء
فأنا
وإن مات فيك الهوى
لا أريد أن يموت فيك الكبرياء
البحث على جميع مواضيع العضو thesniper_12007
أنا لا أريدك أن تبكي
ولا أريد عيناك تصافحان أمامي البكاء
فأنا
وإن مات فيك الهوى
لا أريد أن يموت فيك الكبرياء
البحث على جميع مواضيع العضو thesniper_12007
اكرام قبل ما تمشي تجيب الاعجاز العلمي في سورة البروج
عشان تكون شاركة معنا فيها وباذن الله لما ترجع تقراء السور اللي بعدها
ولا ايه
أنا لا أريدك أن تبكي
ولا أريد عيناك تصافحان أمامي البكاء
فأنا
وإن مات فيك الهوى
لا أريد أن يموت فيك الكبرياء
البحث على جميع مواضيع العضو thesniper_12007
دا تفسير السورة
خطبة جمعة بتاريخ 02 / 06 / 2006 - خ1 : تفسير سورة البروج - - لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، و نسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
سبب اختيار تفسير سورة البروج :
أيها الإخوة الكرام ، كتاب الله عز وجل كتاب يفسر كل شيء مهما امتد الزمن ، إن آياته يمكن أن نسقطها على أحوالنا ومشكلاتنا وطموحاتنا .
من سور القرآن الكريم سورة البروج موضوعها متميز ، بل إنها من السور القليلة التي تكاد تكون من أولها إلى آخرها معالجة لموضوع واحد ، و فيها قصة واحدة .
أيها الإخوة الكرام ، قال تعالى :
[ سورة يوسف : 111]
أيها الإخوة الكرام ، سورة البروج مخصصة لحادثة واحدة ، هي حادثة الأخدود ، واخترت هذه السورة لكثرة ما يباد المسلمون في شتى بقاع الأرض ، يقتلون بلا سبب ، وبلا ذنب ، إلا لأنهم يؤمنون بالله عز وجل .
أيها الإخوة الكرام ، معاني هذه السورة دقيقة جداً ، يقول الله عز وجل :
[ سورة البروج : 1]
حقيقة علمية إعجازية : وَالسَّماءِ ذَاتِ البُرُوجِ
والبروج جمع برج ، والبرج أو البروج منازل الشمس والقمر ، أي أن الأرض في دورتها حول الشمس تمر بهذه البروج ، والقمر أيضاً يمر بهذه البروج ، لذلك كانت البروج منازل الشمس والقمر ، من هذه البروج برج العقرب ، وفيه نجم صغير متألق اسمه قلب العقرب ، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، وبين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، والشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة .
يا أيها الناس احذورا من برجك اليوم :
إذاً : هذا برج من البروج برج العقرب ، و هذا موضوع لا علاقة له بالتنجيم ، و لا علاقة له بحظك هذا الأسبوع ، ولا علاقة له بالأبراج ، فكل هذه الموضوعات باطلة لا أساس لها من الصحة ، ولا تستند إلى شيء إلا من باب :
(( مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بِرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ)) .
[أبو داود وأحمد عن أبي هريرة]
وإلا من باب :
(( مَنْ أَتَى عَرّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً )) .
[ مسلم عن حفصة ]
لا علاقة لنا بما يقال في الصحف والمجلات و أجهزة الإعلام عن البروج ، وأنت من أي برج ؟ وماذا ينتظر لك في المستقبل ، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله .
هذه الموضوعات جملة وتفصيلاً ضعوها تحت أقدامكم ، ومن تتبعها وقع في إثم كبير فضلاً عن تصديقها ، من تتبعها ، ولم يصدقها يقع في إثم كبير ، لأنها خرافة ودجل وابتزاز للمال ، ولا تقوم على شيء ، لكن البروج كآية من آيات الله الدالة على عظمته :
[ سورة البروج : 1]
وقد بينت لكم بعض البروج ، وكيف أن نجماً صغيراً في هذا البرج يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما .
إن الله تعالى لا يقسم إلا بشيء عظيم :
أيها الإخوة الكرام ، شيء في هذه السورة دقيق جداً ، وهو أن الله عز وجل أقسم بالسماء ذات البروج ، وإذا أقسم بشيء فللفت النظر إليه ، إن قال : لا أقسم فبالنسبة إليه ، وإن قال : أقسم فبالنسبة إلينا ، وإذا أقسم الله بالسماء ذات البروج فللفت النظر إلى هذه الآية الدالة على عظمته .
ثم قال :
[ سورة البروج : 2]
ما علاقة ذكر البروج مع اليوم الموعود ؟
هذا ربط رائع ، هذا الكون المعجز أيعقل أن تنتهي الحياة من دون حسابات ؟ من دون تصفيات ؟ من دون تسويات ؟ يُظلم المظلوم ، ويموت ، وانتهى كل شيء ؟ ويَظلم الظالم ، وينتهي كل شيء ؟ عظمة هذا الكون تتناسب مع الظلم ، خالق هذا الكون هل هو ظالم ؟ أليس هناك تناسقاً بين عظمة الكون وكمال المكوّن ؟ كمال الخلق يدل على كمال الخالق .
أيها الإخوة الكرام ، دققوا في هذا الربط :
[ سورة البروج : 1]
ولهذا الذي خلق السماء ذات البروج ، الذي كوّن الكون ، الذي خلق الخلق لابد من يوم يحاسب فيه الناس ، مستحيل و ألف ألف مستحيل أن يستوي الصالح مع الطالح ، والصادق مع الكاذب ، والأمين مع الخائن ، و الظالم مع المنصف :
[ سورة البروج ]
هناك يوم ترتعد فيه الفرائص ، هناك يوم على الكافرين عسير .
أيها الإخوة الكرام ، الذي خلق الأكوان لا يمكن أن يظلم الإنسان فلا بد من يوم تسوى فيه الحسابات يؤخذ حق المظلوم من الظالم ، ويؤخذ حظ الضعيف من القوي ، ويؤخذ حظ الفقير من الغني ، قال تعالى :
[ سورة البروج ]
معنى : شَاهِدٍ وَمَشهُودٍ :
اختلف المفسرون في الشاهد والمشهود إلى أكثر من أربعة وعشرين قولاً من تفسيرات الشاهد .
التفسير الأول :
الشاهد هو الله عز وجل :
[ سورة الفتح : 28]
التفسير الثاني :
والشاهد هو النبي عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى :
[ سورة النساء : 41]
التفسير الثالث :
والشاهد هم الأنبياء الذين يشهدون على أممهم ، والشاهد السيد المسيح قال تعالى :
[ سورة المائدة : 117]
التفسير الرابع :
والشاهد هم الملائكة الحفظة الذين لا يغادرون صغيرة و لا كبيرة إلا أحصوها .
التفسير الخامس :
ومن الشهود أيضاً الناس .
التفسير السادس :
ومن الشهود الأرض والسماء ، لأنها تشهد قال تعالى :
[ سورة الزلزلة ]
أن اشهدي ، قال تعالى :
[ سورة النور : 24]
كل أعمالك مسجلة عليك صغيرها وكبيرها ، جليها وخفيها وشاهد ، والله خير الشاهدين .
النبي يشهد ، والأنبياء يشهدون ، والدعاة يشهدون .
التفسير السابع :
وجلدك يشهد عليك ، وقد كنّى الله عن الجلد بعضو آخر ، ترتكب فيه الفاحشة ، كل هذا يشهد عليك يوم القيامة ، أتحسب أنك في منجاة من عذاب الله ؟ أتحسب أنك فعلت شيئاً ما أراده الله ؟ أتحسب أنك تنجو من عقاب الله ؟
وشاهد ومشهود كل مبصر تصح الشهادة عليه من أعمال الناس من أقوالهم من الخير من الشر كل هذا يدخل في شاهد ومشهود ، قال تعالى :
[ سورة البروج ]
المنتصر الحقيقي هو الذي لم يظلم :
لا تقلقوا أيها الإخوة الكرام ، المنتصر الحقيقي هو الذي لم يظلم ، المنتصر الحقيقي هو الذي صحت عقيدته ومات مؤمناً موحداً هذا هو المنتصر الحقيقي ، والنصر والهزيمة بعد العرض على الله ، من هذا الذي صحت عقيدته ، واستقامت سريرته ، واستقام عمله ، ومات على هذه العقيدة ، قال تعالى :
[ سورة البروج ]
هذا اليوم تسوى فيه الحسابات هذا اليوم يأتي الإنسان ربه فردا ليس أحد معه ، ليس أحد ينصره على باطل ، الأقوياء اليوم العالم كله ينصرهم على الباطل ، العالم كله يخشاهم معهم على الباطل ، لكن الكافر يوم القيامة يأتي ربه فردا ، قال تعالى :
[ سورة الأنعام : 94]
أيها الإخوة الكرام ، ومن قوله تعالى :
[ سورة يس : 12]
[ سورة البروج : 1]
العبرة بالقسم بالبروج :
أقسم الله بهذا الكون العظيم ، أنت ينبغي ألا تكون محصوراً في حادثة مؤلمة ليمتد بصرك إلى ملكوت السماوات والأرض ، لا ينبغي أن تكون حصير مشكلتك ، لا ينبغي أن تتقوقع في مشكلة محدودة تنتهي بعد حين ، مد بصرك إلى السماء ، قال تعالى :
[ سورة البروج : 1]
هذا الإله العظيم أيظلم في ملكه أحد ؟ ألا يقتص من الظالم للمظلوم ؟ ألا يقتص من الغني البخيل للفقير الجائع ؟ ألا يقتص من القوي الشديد للضعيف المجهود ؟
أيها الإخوة الكرام ، إذا كنت في مشكلة ينبغي ألا تحبسك هذه المشكلة ، مد بصرك إلى السماء ، انظر في ملكوت السماوات والأرض ، هذا الخالق العظيم أيظلم في ملكه أحد ؟ كمال الخلق يدل على كمال التصرف ، قال تعالى :
[ سورة الحجر ]
[ سورة إبراهيم : 42]
أيها الإخوة الكرام ، ما جواب القسم :
جواب القسم : قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ
[ سورة البروج]
ينبغي للإنسان أن يفتخر بإنجاز عظيم ، بتعليم عم البلاد ، بقانون للصحة انتفع به كل الناس بخدمة أبناء الأمة ، هؤلاء يفتخرون بالقتل والدمار والإذلال ، قال تعالى :
[ سورة البروج : 4]
معنى : قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ
معنى قتل أنهم ملعونون في ملكوت السماوات والأرض ، ولو كانوا أقوياء ، ولو كانوا أغنياء ، ولو كانوا أذكياء ، ولو كان الإعلام كله بيدهم ، ولو كانت الأموال كلها بحوزتهم ، ولو كانت ثروات الأرض كلها تحت سيطرتهم ، قتل أصحاب الأخدود ، ملعونون في ملكوت السماوات والأرض ، لأن إنجازهم هو القتل ، إنجازهم هو الدمار ، مرة تلقى القنابل الذرية على هيروشيما ، مرة يلقى اليورانيوم المخضب على بلاد المسلمين ، ] قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ [ ، افتخارهم بالقتل والتعذيب ، والإذلال ونهب الثروات ، ] قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ [ ، ماذا في الأخدود ؟
النَّارُ ذاتُ الوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ
جعل الله النار بدلاً من الأخدود ، أي أن هذا الأخدود الشق في الأرض ليس فيه إلا نار مستعرة ، وقودها دائم ، ] قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ [ ، وهم جلسوا ليتفرجوا على حرق المؤمنين ، ويتلذذون بحرقهم ، ويتلذذون بتعذيبهم ، وهم عليها قعود ، قال تعالى :
[ سورة البروج]
وهم أيضاً شهود يوم القيامة على فعلتهم الشنعاء ، قال تعالى :
[ سورة البروج : 7]
الإنسان هو الإنسان :
أيها الإخوة الكرام ، الإنسان هو الإنسان ، والكافر هو الكافر ، والظالم هو الظالم ، والشهواني هو الشهواني ، والشيطاني هو الشيطاني على امتداد العصور والدهور والآباد ، قال تعالى :
[ سورة البروج ]
أيها الإخوة الكرام ، الله عز وجل ربط هذا المشهد الفظيع المؤلم في وضعه الطبيعي ربطه بالزمان والمكان ، هناك حادثة جرت في عام خمسمئة قبل الإسلام سبقت عام الفيل .
أيها الإخوة الكرام ، هذا في عام خمسمئة ميلادية سبقت البعثة ، وسبقت عام الفيل ، يقول الله عز وجل :
[ سورة التوبة : 38]
قد يستمتع الكافر بعلو في الأرض ، وبانتصار مؤقت ، وبإذلال للآخرين ، ولكنه سيموت ، وسيلقى الواحد الديان ، وسيلقى جزاء عمله بالقسطاس المستقيم ، إذاً :
[ سورة البروج : 4]
بمعنى لعنوا في ملكوت السماوات والأرض .
ما هو السبب ؟ إلا أنهم آمنوا بالله :
أيها الإخوة الكرام ، قضية وما نقموا منهم ما ذنبهم ؟ يقول عليه الصلاة والسلام متحدثاً عن آخر الزمان :
(( والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتّى يِأْتِيَ يَوْمٌ لاَ يَدْرِي القَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، وَلاَ المَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ )) .
[ مسلم عن أبي هريرة ]
أناس بريئون مدنيون غير مسلحين ، آمنون في بيوتهم ، يأتيهم القصف ، فيموتون ، تأتيهم القنابل الفسفورية فيحرقون ، قال تعالى :
[ سورة البروج : 8]
الله مالك السماوات والأرض خَلقا وتصرفا ومصيرا :
هم يملكون الأرض ، يملكون نواصي البشر ، لكنهم كفروا بالذي يملك الملك كله ، قال تعالى :
[ سورة آل عمران : 26]
يملك الإنسان بلداً ، مدينة ، قرية ، معملاً ، مستشفى ، هذا الذي يملكه إلى حين ، وبعد حين يأتي غيره فيملك ، لكن الله عز وجل هو مالك الملك ، أنا ملك الملوك ، ومالك الملوك ، قلوب الملوك بيدي ، فإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة ، وإن هم عصوني حولتها عليهم بالسخطة والنقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ، وادعوا لهم بالصلاح ، فإن صلاحهم بصلاحكم .
أيها الإخوة الكرام ، إنّ الله يملك السماوات والأرض خلقاً وتصرفاً ومصيراً ، وهذا أوسع معاني الملك ، هو مالك الملك ، فهذا الذي يملك شيئاً ، أحياناً يملك الإنسان أسرة ، يحلف بالطلاق تعسفاً وظلماً ، يظلم زوجته ، يقول : ليس لها أحد ينصرها ، هذا الذي يملك شيئاً هو محدود جداً ، الله مالك الملك ، وملك الملوك .
أيها الإخوة الكرام :
[ سورة البروج : 10]
وعيد شديد لمَن فتن المؤمنين والمؤمنات :
فتن أي أحرق ، فتنت المعدن أي أحرقته ليظهر نوعه :
[ سورة البروج : 10]
أرأيتم إلى هذا الملمح والمؤمنات ، المرأة مساوية للرجل تماماً في التشريف والتكليف والمسؤولية ، وهي مضحية مثله :
[ سورة البروج : 10]
قصص وعِبر :
إحدى النساء معها وليدها ، ترددت في إعلان إيمانها ، والكفر بهذا الملِك الذي أحرقهم ، وبين عطفها على ابنها ، فأنطق الله ابنها ، فقال : يا أمي ، اثبتي ، أنت على الحق .
وماشطة بنت فرعون كذلك ، حينما جاء بقِدر ملأه بالقطران المغلي ، وألقى أولادها الثلاثة ، واحداً تلوى الآخر ، يقول لها فرعون : هل تؤمنين بي ؟ قالت : أؤمن بالله العظيم ، ولم تؤمن به ، لكن رضيعها الأخير ارتجف قلبها قبل أن يوضع في القطران ، سكتت ، فأنطق الله وليدها كما ورد في مسلم ، أنطق الله وليدها ، وقال : اثبتي يا أمي ، أنت على حق .
هذه امرأة فرعون الذي ما استطاع فرعون أن يحملها على أن تؤمن به ، قال تعالى :
[ سورة التحريم : 11]
هذه امرأة بطلة ، قال تعالى :
[ سورة البروج : 10]
لأنهم بالغوا في الظلم .
أيها الإخوة الكرام ، بالمقابل الله عز وجل حينما قال :
[ سورة البروج : 8]
الحكمة من ختم الآية بقوله : العزيز الحميد
ما علاقة عزيز حميد ؟ أي عزيز ، هو القوي المنتقم ، والحميد ، هؤلاء الذين ماتوا في سبيل الله سوف يحمدون الله يوم القيامة على جنة عرضها السماوات والأرض ، قال تعالى :
[ سورة البروج : 8]
الذي يوقف الظالم عند حده ، وينتقم منه ، إن عاجلاً أو آجلاً ، والحميد هو الذي يحمده عباده المؤمنون على كل ما ساق لهم في الدنيا ، لأنهم هم يدخلون جنة عرضها السماوات والأرض ، قال تعالى :
[ سورة البروج ]
مصير أصحاب الأخدود :
انظر إلى المصير مصير صاحب الأخدود الذي أمر بحرق المؤمنين ، ومصير هذا المؤمن الذي احترق في الدنيا ، لكن مصيره يوم القيامة ، قال تعالى :
[ سورة البروج ]
في الخندق كان اللهب والحريق ، والمصير كان جنات تجري من تحتها الأنهار ، انظروا إلى هذا التقابل الرائع ، الذين ظَلموا هو عزيز سينتقم منهم ، والذين ظُلموا هو رحيم سيرحمهم ، والذين احترقوا مصيرهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، والذين استمتعوا بمنظر إحراق الناس :
[ سورة البروج ]
مصيرهم إلى النار وبئس المصير ، إن بطش ربك لشديد .
ملمح دقيق : ذلك الفوز الكبير :
أيها الإخوة ، هناك ملمح دقيق في الآية :
[ سورة البروج ]
لم يأت في القرآن كله الفوز موصوف بأنه كبير إلا في هذه الآية ، ومن يكون مظلوماً في الدنيا وهو على حق ، هذه بشرى لكل المظلومين ، هذه بشرى لكل الضعفاء الذين ضعفهم سبب لهم هذا الذي يحصل لهم :
[ سورة البروج ]
زلزال تسونامي قوته مليون قنبلة ذرية :
[ سورة البروج ]
أيها الإخوة الكرام ، قصة أصحاب الأخدود من القصص الرائعة في القرآن التي تنذر الظالم ، وتبشر المؤمن ، التي تبين أن الأمور بخواتيمها ، التي تبين أن الأمور بعاقبتها ، التي تبين أن البطولة بعد الموت ، الغنى والفقر بعد العرض على الله ، والانتصار وعدم الانتصار بعد العرض على الله ، وكل تجمعات أهل الأرض على الباطل سوف تحل يوم القيامة ، ويأتي الناس ربهم فرادى :
[ سورة الزلزلة ]
وهذا الأعرابي الذي جاء النبي عليه الصلاة والسلام ، وقال : يا رسول الله ، عظني ، ولا تطل فتلا عليه قوله تعالى : ] فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * و مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [ ، قال : كفيت ، فقال عليه الصلاة والسلام : فقُه الرجل .
والله أيها الإخوة الكرام ، لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه السورة للمظلومين للمقهورين ، لمن يقتلون بلا سبب ، لمن يُذبحون ، لمن تهدم مساكنهم ، لمن تجرف أرضهم ، لمن يحاصرون حتى يموتوا من الجوع ، العالم كله يحاصر هؤلاء ، يريد أن يركعهم ، يريد أن يميتهم من الجوع ، لا يستطيع مصرف في الأرض أن يحول لهم شيئاً ، يريد العالم أن يموتوا ، وهم خرجوا بانتخابات حرة بشهادة العالم الغربي ، هذا هو الغرب ، قال تعالى :
[ سورة البقرة : 256]
لن تؤمن بالله قبل أن تكفر بالطاغوت ، لذلك قال تعالى :
[ سورة آل عمران : 139]
هؤلاء الذين يموتون في أفغانستان ، وفي العراق ، وفي فلسطين هذه السورة هي التي تخفف عنهم هي التي تعدهم بجنة عرضها السماوات والأرض ، قال تعالى :
[ سورة البروج : 11]
ولم يوصف الفوز بأنه كبير إلا في هذه السورة .
أيها الإخوة الكرام ، العبرة بالخواتيم ، العبرة بما تنتهي إليه الأمور لذلك : " إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلى صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلى بالمعاصي ، وهم أفقر شيء إلي ، مَن أقبل علي منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شكري أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب و المعايب ، الحسنة عندي بعشر أمثالها وأزيد ، والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها " .
أيها الإخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
* * *
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
مج الصحابي جليبيب :
أيها الإخوة الكرام ، قال أنس بن مالك رضي الله عنه : << كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له : جليبيب ، كان في وجهه دمامة ، وكان قصير القامة ، وكان فقيراً ، وكان يكثر الجلوس عند النبي عليه الصلاة والسلام ، دميم ، قصير ، فقير ، من أصحاب رسول الله ، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : يا جليبيب ، ألا تتزوج ؟ قال : يا رسول الله ، من يزوجني ؟ وأنا كما ترى لا بيت ولا مال ، ولا شيء من هذا القبيل ، فالتفت جليبيب إلى النبي ، فقال : إذاً تجدني كاسداً يا رسول الله ، من يأخذني ؟ من يقبل أن يزوجني ، لا شكل ولا مال ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : غير أنك عند الله لست بكاسد ، ابتغوا الرفعة عند الله ، ثم لم يزل النبي عليه الصلاة والسلام يتحين الفرص حتى يزوج جليبيبًا ، فجاءه في يوم من الأيام رجل أنصاري قد توفي زوج ابنته ، فجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام ـ دققوا الآن ـ يعرضها عليه ، وكانت فائقة الجمال ، يعرضها على النبي عليه الصلاة والسلام ، فقال له النبي : نعم ، ولكن لا أتزوجها أنا ، فردّ عليه الأب : من تُزوجها إذاً يا رسول الله ؟ فقال : جليبيبًا ، فقال ذاك الرجل : يا رسول الله ، تزوجها لجليبيب ، وأنا أعرضها عليك ؟ انتظر حتى أستأمر أمها ، شيء شبه مستحيل ، ثم مضى إلى أمها ، وقال لها : إن النبي عليه الصلاة والسلام يخطب إليك ابنتك ، قالت : نعم ، ونعم رسول الله ، فقال لها : إنه ليس يريدها لنفسه ، قالت : لمن ؟ قال : يريدها لجليبيب ، قالت : لجليبيب ؟ لا والله لا أزوج جليبيبًا ، وقد منعناها فلاناً وفلاناً وفلاناً ؟ فاغتم أبوها لذلك ، ثم قام ليأتي النبي عليه الصلاة والسلام فصاحت الفتاة من خدرها ، وقالت لأبويها : من خطبني إليكما ؟ قال : خطبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : أفتردّان على النبي عليه الصلاة والسلام خطبته ؟ ادفعاني إلى رسول الله ، فإنه لن يضيعني ، قال أبوها : نعم ، ثم ذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، والقصة وردت في روايات عديدة ، بعض هذه الروايات أنه لا يجد شيئاً يملكه ليكون مهراً أو بيتاً أو أثاثاً أو طعاماً ، جمع له الصحابة بعض المال ، وفي يوم عرسه دعا داعي الجهاد ، لكن النبي عليه الصلاة والسلام حينما علم أنها قبلت به دعا لها ، وقال : اللهم صب عليها الخير صباً ، ولا تجعل عيشهما كداً كدا ، فلما نودي بنادي الجهاد ، ودخل المعركة استشهد وقتها في يوم عرسه ، فقال عليه الصلاة والسلام : مَن تفقدون ؟ قالوا : هؤلاء الذين فقدناهم ، فلان ، وفلان ، وفلان ، قال : ولكنني أفقد جليبيبًا ، فقوموا نلتمس خبره ، ثم قاموا يبحثون عنه في ساحة القتال ، وطلبوه مع القتلى ، ثم مشوا فوجدوه في مكان قريب قد استشهد ، فوقف النبي عليه الصلاة والسلام على جسده المقطع ، ثم قال : أنت مني ، وأنا منك ، ثم تربع عليه الصلاة والسلام جالساً بجانب هذا الجسد ، ثم حمل هذا الجسد ، ووضعه على ساعديه ، وأمرهم أن يحفروا له قبراً ، قال أنس : فمكثنا والله نحفر القبر ، وجليبيب ما له فراش غير ساعدي النبي عليه الصلاة والسلام .
أين نحن مِن هؤلاء ؟!
هذه أمة فتحت العالم ، هذه أمة وصلت إلى الصين شرقاً ، وإلى مشارف باريس غرباً ، أما حينما نكتفي من الإسلام بشعائره ، ويكره بعضنا بعضا ، ويزدري بعضنا بعضاً فلن ننتصر .
ما مشكلة الشباب اليوم ؟ المتطلبات فوق طاقتهم ، مصاريف الزواج فوق طاقتهم ، العنوسة أكبر مشكلة يعاني منها المجتمع المسلم ، هذه أمة فتحت العالم ، ولو فهم الصحابة الإسلام كما نفهمه نحن ما خرج من مكة المكرمة .
أيها الإخوة الكرام ، بإمكانكم أن تكونوا أقوياء ، أقوياء بعلمكم ، أعظم كرامة لك كرامة العلم ، هذه الكرامة لا تحتاج إلى خرق العادات ، أعظم كرامة لك أن تكون أميناً ، أن تكون صادقاً ، أن تكون عفيفاً ، أن تكون محسناً ، ولا يمنعك أحد في العالم أن تكون قوياً ، و المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف .
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .
والحمد لله رب العالمين
التعديل الأخير تم بواسطة thesniper_12007 ; 4 - 9 - 2010 الساعة 08:06 AM
أنا لا أريدك أن تبكي
ولا أريد عيناك تصافحان أمامي البكاء
فأنا
وإن مات فيك الهوى
لا أريد أن يموت فيك الكبرياء
البحث على جميع مواضيع العضو thesniper_12007
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)