نعم والله . فان هذا القرآن هو شفيعنا يوم القيامه وهو الذى ينجى العبد من النار وجزاك الله كل خير على على هذه القصه والموعظه
![]()
آخر حبة في سبحة القراء، هكذا وصف الكاتب الكبير محمود السعدني الشيخ محمد محمود الطبلاوي نائب نقيب القراء و قارىء جامع الأزهر الشريف.
نشأ الطبلاوي - كبقية القراء الكبار - في قرى الريف المصري وتعلم في كتاتيبها، وتعلق بـ "الفلكة" وضرب بالعصا وحفظ القرآن وعانى كثيراً في رحلة الوصول للشهرة، فالشهرة وحدها هي الضمان لأن يعيش القراء عيشة كريمة في مصر.
ذهب الطبلاوي ليرتزق من صوته الجميل فقرأ في الختم مقابل الأكل في الولائم، حتى ذاع صيته في مصر والعالم كله.
يحكي لنا الشيخ الطبلاوي في هذا الجزء من الحوار عن بداياته، وعن أسباب عدم قبوله في الإذاعة تسع مرات على التوالي، وعن نجاته من محاولات الإيذاء بفضل قراءته للقرآن، وسر تمسكه بالزي الأزهري، وكيف كان هذا الزي سبباً في توليه منصب شيخ عموم المقاريء المصرية، ثم يختم هذا الجزء عن يومياته في شهر رمضان.
في معقل الكتاتيب
- ولدت في الريف كغالبية القراء الكبار، فحدثنا عن نشأتك وتكوينك ؟
- في عام 1943 ولدت في حي ميت عقبة الذي كان في هذا الوقت قرية بيوتها مبنية بالطوب، وتقابل في أزقتها الفلاحين وهم يزجون مواشيهم في الصباح الباكر في اتجاه الحقول، وكما كانت مليئة بالأشجار كانت مليئة بالكتاتيب أيضا وبأهلها الذين يجلون القرآن الكريم وأهله.
لقد نبت وسط مفردات هذه القرية في بيت تضيئه "اللمبة الجاز" ووسط فنائه "طلمبة" مياه عتيقة، كان أبي ينتظرني على شوق، فلم يكن له قبلي سوى بنت واحدة. فدعا ربه أن يهبه ولدا يوهبه للقرآن فيحفظه ويصبح عالما من علماء الدين، وعندما استجاب الله لتضرعه فرح فرحا شديدا وتجدد له الأمل في أن يكون لديه ولد يحفظ القرآن ويكون من القراء الكبار، فقد كان أبي ابناً لبيئته ميت عقبة التي كانت معقلا للقراء والفقهاء والكتاتيب، وعندما بلغت سن الرابعة اصطحبني لشيخ الكتاب سيدنا غنيم عبده الزهوي -رحمه الله- فوجدتني محبا للقرآن عاكفا على قراءته وحفظه، فتميزت بين أقراني وأتممت حفظ القرآن وتجويده في سن العاشرة، وشجعني الشيخ -رحمه الله- فقد كان يستمع إلي ثم يشعرني بأني موهوب ويحثني على الاهتمام بصوتي، وأولاني رعاية وإهتماما خاصا في التحفيظ والمراجعة المستمرة وكان ينتقي كل يوم خميس خمسة أولاد، ويجعل كل طفل منهم يقرأ خمس دقائق آيات مجودة.. وكانت لديه خبرة بالأصوات.. أذكر قوله عني : الولد محمد هذا له صوت رخيم والولد الآخر فلان له صوت أقرع نحاسي.
- حدثنا عن والديك رحمهما الله؟
- كان أبي ذو بأس شديد، فكانت شخصيته تشبه لحد كبير شخصية سي السيد في ثلاثية نجيب محفوظ، وكان هذا النموذج هو السائد في تلك الأيام؛ فلو وصل لمسامع أبي يوما أني لم أذهب للكتاب كان يضربني بقسوة، كما كان يشعرني أني لو لعبت الكرة الشراب ( الجورب ) مع أقراني كأني ارتكبت كبيرة من الكبائر ولم أكن أعلم حينها أنه بذلك قدم لي نعمة عظيمه، هذه النعمة هي القرآن والصدقة الجارية التي تصب في ميزان حسناته، والنور الذي أسأل الله أن يضيء له الطريق يوم القيامة فهو دلني على الخير وكافح من أجل الوصول إليه، ومهد لي كل سبيل لتحقيق تلك الغاية، وكفى أنه لم يجعلني محتاجا لشيء، حتى بدأت الإعتماد على نفسي أما أمي فكانت سيدة طيبة وحنونة وخلوقة تتمتع بالبساطة مثل كل أمهاتنا. كما أدين بالفضل إلى سيدنا الزهوي الذي حفظني القرآن وتوقع لي مستقبلا في تلاوته.
- كيف كانت رحلة الوصول للشهرة ؟
- كانت شاقة وقاسية، بدأت طريقي كمن ينحت في الصخور، قارئا بسيطاً أقرأ الخميس، والأربعين والذكرى السنوية وبعض المناسبات مثل رمضان وليلة العيد وكانت سني وقتها15 عاماً، وصارت لي شهرة إلى حد ما، وكان أول أجر حصلت عليه خمسة قروش، بالإضافة إلى دعوة لمائدة اللحمة والفتة في «ختمة» .
وكنت أحصل على قروش معدودات وعندما وصل أجري إلى 5 جنيهات كدت أطير فرحا، وتخيلت أني قد وصلت للمجد، وبعدها دعيت لإحياء مآتم لكبار الموظفين والشخصيات البارزة والعائلات الكبيرة فوجدتني بجوار كبار قراء الإذاعة، وذاع صيتي في القاهرة والجيزة والمحافظات المجاورة وسمحت لي شهرتي أن أجالس كبار القراء في هذا الزمن، فصاحبت وتعلمت من الشيخ محمد رفعت والشيخ علي محمود والشيخ البهتيمي والصيفي ومصطفى إسماعيل .
الإذاعة تاسع مرة !
- تقدمت للإذاعة 9 مرات قبل أن تقبل، ألم يصبك اليأس والملل؟ ولماذا كنت تُرفض وأنت قارئ كبير؟
- نعم لم يتسرب اليأس إلى نفسي، بل كنت ازداد ثقة في كل مرة أُرفض فيها ولم تنل مني أي سهام وجهت لي، ورضيت بما قسمه الله، وفي المرة العاشرة قبلت بإجماع لجنة إختبار القراء التي منحتني الامتياز بعد الإشادة بالموسيقى والنغم والانتقال من مقام إلى مقام.
المشكلة الوحيدة التي واجهتها في كل مرة بالإذاعة هي الانتقال النغمي، وكانت اللجنة الإذاعية وقتها صارمة، فأصروا على عدم التحاقي بالإذاعة مع أن كل الشروط كانت تنطبق عليّ، إلا أن اللجنة الموسيقية التابعة للجنة التحكيم الخاصة اشترطت شيئاً جديداً، وهو معرفة المقامات الموسيقية وما يسمى بالانتقال النغمي وبهذا الشرط لم يجيزون مع أني كنت قارئاً معروفاً جداً، واستمرت اللجنة ترفضني تسعة أعوام كاملة إلى أن أجزت في النهاية.
- ألم يساعدك أحد في الدخول للإذاعة ؟
- ساعدني الشيخين محمد الغزالي و عبد الفتاح القاضي وطالبا لجنة التحكيم باستثناء هذا الشرط وقالا للجنة التحكيم إن الطبلاوي مكسب للإذاعة.
- هل حصدت الثمار سريعا بعد دخولك الإذاعة ؟
- نعم وسريعا جدا فقد اشتهرت في أول ربع ساعة أقرأ فيها في الإذاعة، وذاع صيتي في مصر والعالم العربي والإسلامي، وكأن الله أراد أن يرسل لي رسالة مفادها أنك صبرت 9 سنوات لكن الآن أحقق لك ما يسعى إليه غيرك في ثلاثين عاماً، وفي سنوات خمس احتللت المقدمة، ونافست أشرطتي تسجيلات الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، لكني كنت مشهورا قبل دخولي الإذاعة وكانت عندي سيارة وسائق خاص، ولم توجد محافظة في مصر لم أزرها.
محاولات للإيذاء
- تعرضت لمحاولات لإيذائك، فهل حقيقة شرع أحد ما بقتلك بالسم ؟
- سأروي لك هذا الموقف فقط وأترك لك تحلليه، هذا الموقف حدث عندما كنت مدعواَ لإحياء مأتم كبير بالقاهرة، وكان معي نخبة من مشاهير القراء وقتذاك، وكان السرادق ضخماً والوافدون إليه بالآلاف، وفتح الله علي فتحاً ربانيا ومنحني النفحات والتجليات، وأثناء استراحتي قبل تلاوة الختام جاءني القهوجي وقال تشرب فنجان قهوة يا شيخ محمد ؟ قلت له : إذا لم يكن هناك مانع.
وبعد قليل أحضر القهوة ووضعها أمامي فانشغلت عنها. فقال لي صاحب الميكروفون لقد بردت القهوة فمددت يدي لتناولها فجاءني صديق وسلم عليّ وبدلاً من وضع يدي على الفنجان صافحت الرجل وانشغلت مرة ثانية وأردت أن أمد يدي فشعرت بثقل بذراعي لم يمكنني من تناول الفنجان، وفجأة جاءني صاحب المأتم وطلب مني القراءة فتركت القهوة ولكن صاحب الميكرفون شربها وبعد لحظات علمت أنه انتقل بسيارة الإسعاف إلى القصر العيني وبفضل من الله تم إسعافه ونجا بقدرة الله .
الطبلاوي الأب
- ماذا عن الشيخ الطبلاوي الزوج والأب ؟
- تزوجت صغيراً، حيث كان سني 16 عاماً في منزل والدي بميت عقبة، ولم أكن أنا وزوجتي على وفاق، فلم تكن من إختياري ولم يكرمنا الله بالإنجاب فطلب مني والدي أن أطلقها فطلقتها، واختار لي عروساً أخرى بناءً على رغبتي، وبالفعل تزوجت للمرة الثانية وأكرمني الله بعشرة من الأبناء.. وبعدها تزوجت للمرة الثالثة زوجة من إختياري وكانت لا تنجب لكن الله شاء أن يكرمني منها بولدين.
- هل هناك من بين أبنائك من ورث نبرات صوتك وموهبتك؟
- كنت أعد أبني محمود، لكن بعد أن قطع شوطًا في الحفظ والقراءة ألحقته بالأكاديمية البحرية في الإسكندرية فانشغل عن ما أعددته له، وانخرط في حياته وصار ضابطاً بحرياً مع أنه كان يمتلك موهبة عظيمة.. لكن أعد الآن ابني محمد الذي اتوقع أن يكون خليفتي، فصوته يشبه صوتي تماماً، ويحمل نفس نغماتي، بل إنه يشبهني .. أما أخيه أحمد فهو من حفظة القرآن، وله صوت جميل أتوقع أن يكون مقرئاً إن شاء الله.
العِمة والطربوش
- أنت من المتمسكين بالزي الأزهري ( العمة والطربوش ) في حين يرتدي غيرك من القراء ملابس عادية، فلماذا تهاجم من لا يرتديه؟
- الزي الأزهري فخر لكل حامل لكتاب الله، يجب ألا يتخلى عنه قارئ القرآن الكريم، كما أنه يعطي مرتديه هيبة ووقاراً يليقان بقارئ كتاب الله، وأنا لا يعجبني من يرتدي غيره.
ولي قصة مع هذا الزي لا تنسى، أذكر أني سافرت إلى الهند ضمن وفد مصري ديني بدعوة من الشيخ أبوالحسن الندوي. وكان رئيس الوفد المرحوم الدكتور زكريا البري وزير الأوقاف في ذلك الوقت، وحدث أننا تأخرنا عن موعد حضور المؤتمر المقام بجامعة الندوة بنيودلهي، وكان التأخير لمدة نصف ساعة بسبب الطيران، وبذكاء وخبرة قال الدكتور البري: الوحيد الذي يستطيع أن يدخل أمامنا هو الشيخ الطبلاوي لأنه الوحيد المميز بالزي المعروف، ولأنه مشهور هنا وله مكانته في قلوب الناس بما له من مكانة قرآنية، وربما يكون للعمة والطربوش دور في الصفح والسماح لنا بالدخول.
وحدث ما توقعه الدكتور البري وأكثر، والمفاجأة أن رئيس المؤتمر وقف مرحباً وقال بصوت عال: " حضر وفد مصر وعلى رأسهم فضيلة الشيخ الطبلاوي .. فلنبدأ احتفالنا من جديد"، كانت لفتة طيبة أثلجت صدر الوزير؛ لأن الندوة كانت تجمع شخصيات من مختلف دول العالم. وبعد انتهاء الجلسة التف حولي كل الموجودين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم يأخذون معي الصور التذكارية .. فقال لهم الدكتور الوزير : "كلكم تعرفون الشيخ الطبلاوي ؟"، فردوا وقالوا : والشيخ عبدالباسط أيضاً وكثير من قراء مصر العظماء. وفي الحقيقة عاد السيد الوزير إلى مصر بعد انتهاء المؤتمر وأعطاني عدة مسئوليات .. منها شيخ عموم المقارىء المصرية .. وعضو بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية .. وعضو بلجنة القرآن بالوزارة ومستشار ديني بوزارة الأوقاف .. ففوجئت بقيام مجموعة من مشاهير القراء بالاحتجاج على هذه الامتيازات التي تحسب لقراء القرآن كلهم وفي مصلحتنا جميعاً، ويعد هذا نجاحاً للقراء، وكسباً لنا جميعاً .. وواجب علينا أن نفرح بهذا.
الطبلاوي ورمضان
- كيف تقضي شهر رمضان ؟
- أقضيه في العبادة وقراءة القرآن؛ وأقوم بعقد جلسات للتلاوة في المسجد، وأحاول أن أتعهد الفقراء و المساكين وكذلك الأيتام الذين يكفلهم مسجد الطبلاوى، ومعظم الشهر أكون مسافرا إلى بلاد مختلفة مع كتاب الله.
- معظم سفراتك كانت في رمضان ...حدثنا عنها ؟
- قضيت شهر رمضان في أكثر من 26 دولة من دول قارات الدنيا الست، وجلس إلى مسلمين بكل ألوان ولغات العالم، ولم أشعر بالغربة قط وأنا حولي آلاف المسلمين بل الملايين أحياناً.
- ماذا عن أول.. رمضان لك في الخارج؟
- قضيت أول رمضان في الغربة عام 1970 عندما سافرت إلى الأردن، بدعوة من الملك الراحل الحسين بن طلال، الذي أرسل لي طائرة خاصة، وأقمت في قصر رغدان أثناء وفاة الملكة (( زين الشرف )) أم الملك حسين.
- وماذا عن أصعب رمضان لك في الخارج ؟
- للصيام مشقة في الدول الإسكندنافية، ففي النرويج والدنمارك يؤذن الفجر في الثالثة صباحا في حين تغرب الشمس في العاشرة والنصف مساء، والعشاء يؤذن في الثانية عشرة ويتم الانتهاء من صلاة التراويح بجزء كامل في الواحدة والنصف أو الثانية صباحا أي أن المصلين يخرجون من الصلاة إلى السحور ثم يعودون لصلاة الفجر.
- وماذا عن أغرب موقف ؟
- لن أنسى ما تعرضت له بسبب عدم إجادتي للغة الإنجليزية، حيث كنت أحيي النصف الأول من رمضان في المركز الإسلامي بنيويورك، ورغبت في السفر إلى تورنتو بكندا لإحياء النصف الثاني هناك، وأنا في المطار ركبت الطائرة خطأ ففوجئت بها تهبط في فيلادلفيا فجلست في المطار حزينًا ومعي حقائبي، ثم سألت الله تفريج همي فإذا بمجموعة من الشباب يتحدثون مع بعضهم ثم ينظرون إليّ فأثار هذا ارتيابي فإذا بهم يقتربون مني ويتحدثون بالعربية قائلين: نحن شباب من أذربيجان درسنا في الأزهر وكنا نشاهدك أثناء قراءتك في الجامع الأزهر وكنا نتساءل هل أنت الشيخ الطبلاوي أم شبيه له؟، فضحكت واستضفتهم على وجبة السحور، وطلبت منهم إرشادي إلى كيفية استخراج تذكرة طيران أخرى إلى تورنتو فذهبوا معي ولم يتركوني حتى ركبت الطائرة فقرأت قوله تعالى: “أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ”.
- ما الذي لفت انتباهك في بلاد المهجر ؟
- روح الألفة والتعاون التي يعيشها أبناء الجالية العربية في استراليا، فكثير من المسيحيين العرب يحضرون احتفال المسلمين برمضان، وأثناء الإفطار، ويراعون عدم الأكل والشرب أمامهم في نهار رمضان، وهذا المشهد الجميل متكرر. كما أنني لاحظت بعض هؤلاء يتبرعون للمشروعات الخيرية الإسلامية، وهو ما ترك أثرا طيبا في نفوس كل زوار تلك البلاد.
نعم والله . فان هذا القرآن هو شفيعنا يوم القيامه وهو الذى ينجى العبد من النار وجزاك الله كل خير على على هذه القصه والموعظه
طرح مميز
جزاك الله خيرا
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)