السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,
سادسة المعجزات : قدح لبن روى فئاما من الناس ببركته صلى الله عليه وسلم.
روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه القصة التالية :
قال : والله, إني كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع, وإني كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع, ولقد قعدت يوما على طريق الناس, فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل ماسألته إلا لكي يطلب مني أن أتبعه فلم يفعل’ فمر عمر فسألته عن آية من كتاب الله تعالى وما سألته إلا لكي يفهم ويطلب مني أن أتبعه. فلم يفعل, فمر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فعرف ما في وجهي, وما في نفسي فقال : "أبا هريرة" قلت له : لبيك يا رسول الله فقال "الحق" واستأذنت فأذن لي, فوجدت لبنا في قدح, قال : "من أين لكم هذا اللبن ؟" فقالوا : أهداه لنا فلان . قال : "أبا هر" , قلت : لبيك يا رسول الله, قال :" انطلق إلى أهل الصفة فادعهم لي" ( وأهل الصفة كانوا أضياف الإسلام ليس لهم لا أهل ولا مال . إذا جاءت النبي صلى الله عليه وسلم هدية أصاب منها وبعث إليهم منها, وإذا جاءته الصدقة أرسل بها إليهم, ولم يصب منها.)
قال أبوهريرة : وأحزنني ذلك, وكنت أرجو أن أصيب من اللبن شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي, وقلت : أنا الرسول فإذا جاء القوم كنت أنا الذي أعطيهم, وقلت : ما يبقى لي من هذا اللبن ؟ ولم يكن من طاعة الله ورسوله بد فانطلقت فدعوتهم فأقبلوا واستأذنوا فأذن لهم فأخذوا مجالسهم من البيت ثم قال : "يا أبا هريرة خذ فأعطهم" فأخذت القدح, فجعلت أعطيهم فيأخذ الرجل القدح فيشرب حتى يروى, ثم يرد القدح حتى أتيت على آخرهم ودفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ القدح فوضعه في يده وبقي فيه فضلة, ثم رفع رأسه ونظر إلي وابتسم, وقال : "أبا هريرة", فقلت لبيك رسول الله, قال :"بقيت أنا وأنت" فقلت : صدقت يارسول الله. قال : "فاقعد فاشرب" قال : فقعدت فشربت, ثم قال لي : "اشرب" فشربت فما زال يقول لي : "اشرب", فأشرب حتى قلت : لا, والذي بعثك بالحق ما أجد له في مسلكا, قال : "ناولني القدح" فرددته إليه فشرب من الفضلة.
وهكذا تتجلى هذه المعجزة – وهي آية النبوة المحمدية- إذ قدح لبن لا يروي ولا يشبع جماعة من الناس – كلهم جياع- بحال من الأحوال, فكيف أرواهم وأشبعهم ؟ إنها المعجزة النبوية وآية أخرى للكمال المحمدي أن يكون صلى الله عليه وسلم هو آخر من يشرب من ذلك القدح الذي شرب منه جماعة من الناس.
أستودعكم الله وإلى أن نلتقي مع المعجزة السابعة بإذن الله تحت عنوان " امتلاء عكة سمن بعد فراغها".