قهوتنا على الانترنت
النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. افتراضي ـــ أمــل يحتضــر ـــ ((بقلم هدير زهدي))




    أمــل يحتضـــر




    تحرك القطار وقد شرع في الأنين ، لتثاقل ما يحمله من هموم راكبيه .. الذين حملوا مع أوزانهم القطوب والعبوس .. يتزاحمون فوق بعضهم البعض في قطار الدرجة الثالثة ، المخصص لأصحاب الضنك والقحط .. فاكتظ بهم القطار حتى تدلى البعض من أبوابه .
    اصطحبني وسط هذه الجموع الغفيرة معه من المزارع إلى العمران .. وقد زاد طنينه ليذكرني بهمومي وعلتي التي حملتني إلى اللحاق بركبه العتيق .. رفقا بي أيها القطار ، فلا يمكنني نسيان أسرتي التعسة .. وأبي الحمََـال المسكين ، الذي لا يملك ما يؤهله إلا لحمل المحاصيل الزراعية ، فلا هو يملك أرضا ولا إرثا ، ويكسب القليل يوما بيوم فلا يفيض ولا يكفي ! حتى ثقل العبء عليه فشاب وانحنى ظهره .. وأمي الشابة الهِرَم ! حين تستقبل أبي في عودته ليجلب لها قلائل الأطعمة ، وما إن تضعه على الطاولة المهشمة ، فيتنازع عليه إخوتي التسعة ! فتحاول أمي اقتسامه بينهم لفض النزاع ، فما يكون نصيب الفرد سوى الفتات ! وقلمـا تبقَ لأبي وأمي منه نصيب !
    كنت أشعر أحيانا ببعض التميز بين إخوتي ، ربما لأنني الوحيد الحاصل على شهادة محو الأمية .. ولكنني طمحت في أن أكون أكثر تميزا ، وظننت أنه يمكنني إنتزاع أسرتي من تلك الفاقة .. وسيطر ذلك الخاطر على عقلي ، فخلت أن خلاص تلك الأسرة في يدي .. وما كان أمامي سوى أن ألوذ إلى المدينة ، حيث كانت لي هناك أحلام وردية ، هربا من الجهل والفقر الشديد الذي حرم إخوتي التعليم وتركهم جوعى يفتقرون إلى غذاء العقل والبطن ، ووصل به الأمر إلى أن فتك برضيع أختي ! وفي ذلك حديث مؤلم ..
    حينما تثاقل عليه المرض بعد وصفات "الحاجة مبروكة" ، ركضت أختي –التي لم تتجاوز السادسة عشرة- إلى المركز الطبي تطلب النجدة ، فكان مكتظا بالمرضى ، لا سيما أن العلاج هناك مجاني .. فكادت تسقط راكعة أمام "الممرضة" لتنجو بطفلها ، فما كان لها من جواب سوى :
    - الدخول في غير موعدك يكلفك عشرين جنيها .
    - إنني لا أملك حتى ربع المبلغ !
    - إذن ، إنه النظام ..
    - ألا يحوي نظامكم شفقة أو رحمة ؟!
    - .. التزمي بدورك وكفى !
    أجهشت أختي بالبكاء ، وحاولت مرارا رجائها واستعطافها دون جدوى .. ثم صرخت صرخة أسكتت نواح الجموع الأخرى حين قضى رضيعها نحبه بين يديها ، وأسلم الروح ممن لا يرحم إلى أرحم الراحمين !
    مشاهد مؤلمة ! وحينما يكون أقرانك أحد أبطالها يزداد ألمك !
    ربما كان لأبي العذر في غضبه حينما أبصرني أتركهم في هذا الوحل وأرحل .. وإتهامه لي بالأنانية والهرب من العمل كحمََـال مثله ، وقوله الذي مازال يرن بأذني :
    - إنك تبحث عن سبيلك لخلع الجلباب ، وارتداء البذلة !
    لا أنكر أن ذلك الأمر جزء من أحلامي .. ولكنه لا يبصر حقيقة نواياي من خلاص تلك الأسرة البائسة !
    اخترقت الوجوه الكثيفة وطللت من النافذة .. وقد اختفى الأخضر تماما ، وبدا العمران يلوح بمبانيه الشاهقة في الأرجاء .. ثم أبطأ القطار شيئا فشيئا ، وأطلق صفير عالٍ معلنا عن بلوغ المراد .
    تكتلت الجموع على الأبواب تتسابق في الخروج .. ثم خرجت بعد معاناة أتباطئ في السير متأملا المارين .. كلٌ يعرف طريقه ، إلا أنا ! وما في جيبي سوى قروش قليلة لا تكفي لأستأجر مبيتا .. فلتبدأ رحلتي الشاقة في البحث عن عمل من الآن ..
    أخذت أتجول بضواحي القاهرة .. وقد ظننت أن الزحام يشتد فقط داخل محطات القطار ، ولكن خاب ظني فلم أجد ركنا هادئا ، فتزدحم الشوارع بالسيارات تارة ، وبالمدنيين تارة أخرى .. وأرهبني كثيرا وجود بعض الشحاذين ! فكان يشعرني النظر إليهم بأن لا مكان لي هنا .. فكان مظهرهم يماثلني إلى حد كبير ! وكنت أقابل بعض نظرات الاحتقار من المارين كتلك التي يصوبونها للشحاذين .. وشعرت للحظات أن الأرض التي تحملني ، ترفضني وتلعن وصولي إليها ! ولكن تدفعني المشاهد المؤلمة في ذاكرتي إلى الإقدام والمثابرة ..
    ووسط هذه الخواطر ، استوقفني بناء ضخم ، مازال في مرحلة الإنشاء .. معماريون يشرفون ، وعمال يصعدون ويهبطون حاملين مواد البناء من طوب وأسمنت وخلافه .. فتقدمت في خطوات مترددة إلى أحدهم أسأله عملا ، فقادني إلى رئيسهم .. فمثلت بين يديه وأخبرته بحقيقة أمري ووصولي لتوي من القرية ، وذكرت له في إهتمام حصولي على شهادة محو الأمية ، فلم يهتم ! ولكنه سمح لي بالمبيت في الموقع على أن أنضم إلى "الحمََالين" بأجر يومي !
    باغتني قوله ، ووجدتني أقع فيما لم تهجس به خواطري ! فقد اغتربت وشسعت المسافات بيني وبين أسرتي حتى أجد نفس مصير أبي ! فسألته في رجاء عن عمل آخر ، فأجابني :
    - عجبـا ! فبالكاد ما يجد ذووا الشهادات أعمالا تلائم مؤهلاتهم ، وأنت تطلب ما يفوق مؤهلاتك بكثير !
    فانجلى لي المستور ووجدتني ألجأ إلى غير ملجأ .. وقد سخر مني القدر وشاء أن أواجه ذاك المصير الذي يحملني إلى المهالك ، فأحمل حمولات أعظم ثقلا من الحاصلات الزراعية ، وبأجر يومي لا يزيد عما يتقاضاه أبي في ليلته !
    وانقضت عدة أسابيع ولم يجد جديد .. إلا أنني بدأت أعاني مشكلات الظهر وآلامه ، وقد شرع في الإنحنـاء .. فكرهت الأرض التي لعنتني من قبل ، واستشعرها الآن تحثني على القفول إلى ترابي وفأسي وأحضان أسرتي البائسة .. لعل في جيبي قروش تكفي لاستقلال قطار الدرجة الثالثة ، ولكن جال بخاطري ما سيزيدهم حالي من تعاسة .. فأعرضت عن أمر عودتي ، وودت لو تنقبض روحي التي أتعجب لتشبثها بالحياة ! ربما أغفل عن أمل ينتظرني في أحلك الظلمات ! أو أعيش لأبني آمالا زائفة فأسقط من أعلاها ميتــا !
    في أحد ليالي الشتاء القارصة ، ومازلت ضيفا ثقيلا على رصيف البناء .. ازداد حنيني لأسرتي ، ففكرت أن أرسل إليه خطابا ، وليقرأه عليهم كاتب الديوان أو ساعي البريد .. وألحت عليََ الفكرة فانتظرت انقضاء الليل ..
    وما إن لاح الصباح بإشراقة شمسه الدافئة ، فذهبت لتوي بعد إذن من رئيسي قاصدا أقرب مكتب بريد .. فأحضرت ورقا وقلم ، وظرف وطوابع .. وشرعت في الكتابة محاولا أن أبدي أضداد الحقائق ، محاولا أن أدخل فيهم بعض السرور وإن كان زيفــا ..
    - "أبي العزيز ، أمي ، إخوتي .. أكتب إاليكم وتذرف عيني ، ويعتصر قلبي شوقا إاليكم ، وحبــا .. وددت لو أمثل بين أيديكم الآن ، أعانقكم واحدا واحدا ، فلم أشعر أبدا بحبي لكم كمـا الآن ! ولكن تمنعني عنكم أشد الظروف .. فأشغل الآن منصبا هاما بإحدى الشركات الكبرى بالقاهرة .. ولا ينقصني من مباهج الحياة سوى رؤياكم" .
    انتهيت وكدت أسمع في أذني ضحكات قدري الساخرة .. فطويت الورقة داخل الظرف .. وقد شرعت أكتب بيانات الراسل والمرسل إليه .. فتذكرت أنه ليس لي عنوان !!



    تحياتي لكم ،


    بقلم /

    هدير زهدي
    1/1/2011



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    13 - 4 - 2010
    ساكن في
    القاهره
    العمر
    49
    المشاركات
    32,835
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي

    طاشت
    الحروف ام صابت
    فاصابت
    من القلوب ما اصابت
    بعضها هلك
    بمعترك الأيام
    والبعض منها
    بالاختيار اصابت
    فاتى الربيع
    اليوم
    بلا لقاء
    فكان هديرك
    لكل سطر معطاء
    فعلى
    جرف السعاده تباعدت
    الاماني
    وسرحت كل الذكريات
    بقلب الفضاء
    فما بين وبين
    احلام
    مخطوطه على
    الجبين
    للامل باب
    ووقت
    فلنتظر حتى يحين
    الأديبه
    هدير زهدى
    حلم رأيته يصرخ
    ونار
    وحريق
    وجرح ثار
    وقلب غريق
    غرق واحتار
    اين يتجه والى اي فريق
    وزمن دار
    وقلب محتار
    حار
    بلا صديق
    وشمس وانوار
    واصل عريق
    وشيئ صار
    وبرق بريق
    واين الجار
    وباع الرفيق
    وتاهت الخطوة
    بين تقدم وأمل
    وانهزام وألم
    وكرامة هي الاهم
    بين هذا وذاك
    عشت مع سطورك
    وكانني
    طائر يحلق فى

    سماء كل حرف
    ويرتشف الفن
    من كل

    ثمرة من أشجار ابداعك
    فعلى
    موائد صفحاتك
    سحر الحرف
    ورذاذ الامطار
    انهمرت
    احاسيسك
    بشجن جميل
    فاورقت
    في الصفحات
    المعنى والثمار
    قلمك
    باذخ الجمال
    فى التوصيف واستخدام
    وتوظيف الكلمات
    جميل همسك
    و عطر حرفك
    كتبت فلامست
    أوتار القلوب
    ووقف الفكر
    وقفة احترام لعظمة
    ما كتبت
    خالص تقديرى


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي

    انسكب عطر ورود الجورى
    بين كلماتك هنا
    استنشقت من بين حروفك اجمل العطور واروعما
    نبض يخالج الروح
    لقلبك اكليل من الورد النادر
    ودى
    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  4. #4

    افتراضي

    ما اجمل الكلمات التى تعبر عن الواقع لقد سرحت مع جمال كلماتك وصدق مشاعرك واحاسيسك كانى اتابع فيلم اراه بين السطور وبين الكلمات المعبرة التى بها شجن عذب نحسه ونتاثر به شكرا لكى ايتها الاديبة الجميلة

 

 

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©