الله متصف بالعلم منزه عن النسيان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف خلق الله سيدنا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين -اعلم اخى القارئ الكريم وفقنى الله واياك ان العلم صفه من الصفات الواجبه فى حقه تعالى فمن اسمائه تعالى العليم و بما ان العلم لا يكمل الا بالاحاطه فالله تعالى منزه عن النقص فى علمه و النسيان فيما تولى مراعات امره من خلقه لان النسيان صفة عجز وسلب وعدم احاطه -لذا فالله تعالى منزه عنه فالله لا ينسى -ولا يغفل -ولا يعجز-ولا ينام -بل احاط بكل شيئ علما واحصى كل شيئ عددا يسمع كل شيئ ويرى كل شيئ وهو مستوى على عرشه - استواء عليم حكيم ليس له كيفه و لا تكيفو لذالك فان الله جل وعلا نزه نفسه عن النسيان الملازم لعدم الاحاطه لعلمه فقال وما كان ربك نسيا -سورة مريم- حينما تولى السيده مريم بان يرعاها و يحجب عنها كل ما تحتاجه من غيره فتولاها بعلمه و لم ينساها باحاطة قدرته و علمه بحالها و احتياجها اليه فلما دعته سبق علمه علمها فتكفلها بما يقويها و يعينها فى اثناء حملها وقال على لسان موسى عليه السلام فى جوابه على سؤال فرعون - قال فما بال القرون الاولى قال علمها عند ربى فى كتاب لا يضل ربى ولا ينسى-سورة طه- و قد استدرك بقدرته علم ما استحفظ عليه اللوح المحفوظ بما فيه من علم كل شىء فلا يضله و لا ينسى ما سطره فيه وفى هذا تنزيه لله تعالى عن هاتين الصفتين - والمعنى لا يضل عنه علم شيئ من الاشياء ولا معرفتها ولا ينسى شىء ما علمه لاحاطة علمه تعالى بالاشياء و لذالك نزه ذاته تعالى عن كل النقائصفان قلت فما معنى قوله تعالى -نسوا الله فنسيهم-سورة التوبه -فالجواب ان الفعل الذى يشترك فيه المخلوق مع الخالق جل وعلا كالرزق او النزول او الفرح او الضحك او الاستواء او المكر او الخديعه الى غير ذلك اذا اضيف الفعل الى الانسان فهو كما يليق بعجزه وافتقاره واذا اضيف نفس الفعل الى الله فهو كما يليق بجلال الله وعظيم سلطانه -فالانسان يسمع ويبصر وينزل ويفرح ويستوى -والله سبحانه وتعالى يسمع ويبصر ويفرح وينزل ويستوى ويضحك -ولكن شتان بين سمع وبصر الانسان وسمع الله وبصره حيث يسمع سبحانه وتعالى ويرى كل شيئ وهو مستوى على عرشه لا تحده الحدود ولا تحيط به الاركان ( ليس كمثله شىء و هو السميع البصير) وكذالك ايضا فى الصفات الرذيله كالمكر والخداع كما فى قوله تعالى -يخادعون الله وهو خادعهم -سورة النساء -وقوله -ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين -ال عمران-فالله تعالى منزه عن الخداع والمكر لانها صفات رذيله لذالك لا يجوز ان ننسب الى الله وهو المتصف بكل كمال منزه عن كل نقص وعيب هذه الصفات التى لا تليق بذاته المقدسه -اذا فما معنى الخداع والمكر اذا نسبا الى الله -الجواب هو ان الله قادر على ان يواجه هؤلاء الناس الذين مكروا باشد من مكرهم والذين خدعوا باشد من خداعهم ولا يجوز ان يؤخذ من هذه الافعال صفات لله بان تقول الله خادع او الله ماكر اذ ان اسماء الله وصفاته توقيفيه فهو كما سمى نفسه او وصف نفسه سبحانه او كما سماه رسول الله او كما وصفه بلا زياده ولا نقصان -واما اضافة النسيان الى الله كما فى قوله تعالى -نسوا الله فنسيهم -فمعناه اى كما تركوا امره حتى صار كالمنسى فصيرهم بمنزلة المنسى من ثوابه -قال قتاده -نسيهم اى من الخير فاما من الشر فلم ينسهم -وقيل نسوا ذكر الله فنسيهم اى عاملهم معاملة من نسيهم -كقوله تعالى -وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا-الجاثيه -وقيل نسوا الله فنسيهم فان معناه-تركوا الله ان يطيعوه ويتبعوا امره فتركهم من توفيقه وهدايته ورحمته -وقيل نسوا الله اى اغفلوا امره وتركوا ذكره وذلك ان النسيان الحقيقى لا يتوجه عليه الذم -فنسيهم -اى جازاهم بان صيرهم بمنزلة المنسى من ثوابه ورحمته -فاللهم لا تجعلنا ممن ينسوك فتنسيهم انفسهم و علمنا ما ننتفع بعلمه يا رب العالمين -والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته-