مجهود يستحق الشكر
جزاك الله خيرا
فى انتظار البقيه
الدولة بيْن الإسلام والمدنية الحديثة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن مِن خصائص الشريعة الإسلامية الشمول، فما من شيء في الحياة إلا وللشريعة حكم فيه، قال الله -تعالى-: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام:38)، ومِن أحكامها ما يتعلق بشئون الدولة ونظام الحكم فيها، وهي مستمدة مِن نصوص يلزم تطبيقها وتنفيذها، أي إقامة نظام الدولة حسب المفاهيم التي جاءت بها هذه الشريعة، بل إن كثيرًا مِن الأحكام المتعلقة بالمجتمع كالعقوبات والحدود والجهاد، لا تكون إلا بسلطان ودولة تصوغ المجتمع وفق الصياغة المطلوبة، وتسهر على سلامته ومنع تخريبه أو إفساده؛ لذا قال عثمان -رضي الله عنه-: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
وقد سمى الفقهاء المسلمون الدولة الإسلامية باسم: "دار الإسلام"، وعرفوها بتعاريف تحمل نفس المعنى الذي تحمله كلمة الدولة في الاصطلاح القانوني الحديث، وأهداف الدولة الإسلامية هي أهداف الإسلام ذاته، فلا تقف أهدافها عند حد توفير الأمن والطمأنينة للأفراد ورد العدوان الخارجي عليهم، بل تمتد أهدافها إلى تنفيذ أحكام الإسلام في جميع شئون الدولة وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم أجمع، وترفع العوائق التي تحول دون ذلك، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج:41).
وعندما نتكلم عن الدولة في الإسلام، والدولة في المدنية الحديثة فإنما نتكلم عن نظامين مختلفين تمامًا، ونتكلم كذلك عن نظامين وُجدا في الواقع وطُبقا في الحياة العملية للشعوب، فليس الحديث هنا حديثًا نظريًا لا حقيقة له في الواقع، ويخطئ مَن يظن أن الدعوة إلى العمل بنظام الدولة يستمد أحكامه ودعائمه مِن شريعة الإسلام أنها دعوة جديدة لتجربة أمر جديد، فالحقيقة أنها دعوة إلى العودة إلى نظام لحياة الشعوب سبق للبشرية أن عاشت في كنفه سنينًا طويلة بعدله وأمنه واستقراره بما لم تحظى بمثله في ظل النظم الوضعية الحديثة رغم جحود المخالفين مِن معتنقي المادية العلمانية، ومعادي الإسلام كدولة وشريعة.
وسوف ترى معي أخي القارئ في هذا العرض المختصر مدى الفارق بيْن عدل الإسلام وجور هذه النظم الوضعية، والتي يعتقد أصحابها أنها أرقى ما وصل إليه العقل البشري، ونحن هنا سنتعرض إلى الفوارق الأساسية بين النظامين لداعي الإيجاز، فنقول:
إن الدولة في المدنية الغربية الحديثة ترتكز على دعائم ثلاث، هي:
1- العلمانية أو اللادينية sacularism.
2- القومية أو الوطنية nationalism.
3- الديمقراطية أو حكم الشعب democracy.
بينما الدولة في إطار الشريعة الإسلامية فهي دولة:
1- دينية تستمد نظامها وأحكامها من الدين الإسلامي.
2- تؤمن بالعالمية بديلاً عن القومية المحدودة الضيقة.
3- تؤمن بأن الناس مستخلفين في الأرض في ظل السيادة الإلهية، فالحاكمية لله -تعالى- وحده، لا للشعب، ونزيد الأمر إيضاحًا فنقول:
الدولة الإسلامية ترفض العلمانية:
فالعلمانية عزل للدين عن الحياة وعدم التزام بعقيدة دينية وهدى سماوي يتبعه طاعة لله ووقوف عند حدود شرعه في شئون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية؛ فللبشر أن يعالجوا شئونهم المختلفة على أسس مادية بحتية وفق رغباتهم ووجهات نظرهم وميولهم، وهذه النظرة المادية للدولة في المدنية الحديثة الغربية إنما نشأت نتيجة رفض أوروبا لسيطرة الكنيسة اللاهوتية واستبدادها في القرون الوسطى في أوروبا، والتي وصفت بأنها قرون الظلمة والتأخير، فكان لابد من إزالة سلطان الكنيسة التي تعادي العلم والعلماء لإزالة العوائق من أمام العقول المتطلعة إلى التقدم والرقي؛ لذا حصرت العلمانية سلطان الكنيسة داخل جدرانها، وأطلقت العنان للإنسان ليرسم أنظمة الحياة المختلفة وفق المعارف الإنسانية المكتسبة، ودون أدنى التفات إلى مدى مخالفة هذه الأنظمة للدين.
وإن كان للبعض أن يقول: إن لأوروبا عذرها في معاداة استبداد الكنيسة التي حرفت النصرانية وحولت حياة الناس في ظل سيطرتها إلى جحيم لا يُطاق، ولكن الكنيسة لم تكن وقتها -ولن تكون- ممثلة أبدًا للدين الحق، ولنظرة الدين الحق للعلم والعلماء، فكان على أوروبا عندئذ أن تتجه للإسلام بدلاً من أن توقع البشرية في أوحال المادية الملحدة التي تتبنى الرفض الدائم لكل ما يربطها بالدين، لقد كانت محصلة هذا التحرر من شريعة الله حياة علمانية مادية لا دينية ترفض العبودية لله -تعالى-، وتستهين بالدين في الحياة العامة وفي الحياة الشخصية؛ فالعلمانية ترى أنه لا حاجة إلى الله، ولا إلى هديه في شئون الحياة، فأي معنى من معاني العبودية يبقى للإله المعبود؟ ولماذا إذن نعبده ونحن لا نلتمس الهداية والخير منه؟!
لقد عطلت العلمانية خصائص الألوهية للرب -عز وجل-، وجرت الإنسانية إلى عواقب وخيمة إذ قطعت علاقة الإنسان بربه لتوثق علاقته بالشيطان ينحدر به إلى الهاوية وعبادة الأهواء، أما في الإسلام فإن الله هو الخالق للبشر وشريعته هي الحق والعدل، وهي التي تحقق للبشرية سعادتها، والعمل بها واجب على المجتمع ليصيغ حياته كلها بصيغتها المستمدة مِن القرآن الكريم وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ) (الأنعام:162-163).
فبذلك تستقيم الحياة ويحظى البشر برضاء الله عليهم، وفضله في دنياهم وآخرتهم، فالإسلام نظام شامل لجميع شئون الحياة، وشموليته شمولية تامة لا تقبل الاستثناء ولا تقبل التخصيص (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) (البقرة:85)، وأحكام الإسلام تتناول عقائد الأمة ومعاملاتها ومبادئها، وقيمها وأخلاقياتها، وقضائها وقوانينها، وأحوالها الاجتماعية والأسرية، ونظام الحكم فيها، وعلاقاتها بالدول الأخرى حال الحرب والسلم، وفي المعاهدات والصلح مِن خلال أحكام الإسلام الكثيرة الثابتة، ومِن خلال ما أمر الله به فيها أو نهى عنه، وما بيَّنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِن تفاصيل تتعلق بهذه الأوامر والنواهي، وجحود هذه الأحكام المتعلقة بالفرد أو الأمة أو جحود بعضها يعد خروجًا عن الإسلام كله.
الدولة الإسلامية ترفض التعصب للقوميات:
الدولة المدنية الغربية تقوم على التعصب لمواطنيها، وتبني معاملاتها الداخلية مع مَن يعيش على أرضها ومعاملاتها الخارجية مع الدول التي تتعامل وفق هذه النظرة الضيقة المحدودة التي تتعصب لأبناء الوطن، وتجعل استعلاء الوطن وأبنائه على غيرهم غاية تبرر الوسائل لتحقيقها دون ارتباط بقيم أو مبادئ وإن كانت سماوية، ولقد ظهرت هذه الحركة القومية المتعصبة في أوروبا كرد فعل أيضًا لتسلط البابوات والقياصرة على شعوب أوروبا التي أجبرت على الخضوع لها كسلطة روحية وسلطة سياسية لقرون عديدة اتسمت بالاستبداد، فلم يكن هناك بد من رفض الخضوع لها بالدعوة إلى القومية، وجعل الولاء والبراء للوطن فقط لا لغيره لرفع رايته فوق رايات الأمم الأخرى.
ثم صارت تلك الوطنية غاية تبرر الوسائل، والويل كل الويل للشعوب المغلوبة من تسلط الشعوب المنتصرة، وتحولت الحياة البشرية إلى غابة تتصارع فيها الشعوب مِن أجل العلو في الأرض، والزعامة الدنيوية.
أما الدولة الإسلامية: فهي دولة فكرية تقوم على أساس العقيدة الإسلامية وأحكام الإسلام، ولذا فهي دولة عالمية وليست دولة إقليمية محدودة بحدود أرضية، ولا دولة عنصرية قومية محدودة بحدود القوم والجنس والعنصر، ولكنها قومية محدودة بحدود القوم والجنس والعنصر، ولكنها دولة فكرية تمتد إلى المدى الذي تصل إليه عقيدتها، فلا مكان فيها لامتيازات تقوم على أساس اللون أو الجنس أو الإقليم، وهذه مميزات تجعلها دولة عالمية ترفض القوميات وتضم مختلف الأجناس والأقوام إذ بإمكان أي إنسان أن يعتنق الإسلام عقيدة هذه الدولة فيكون بذلك من رعاياها وحملة عقيدتها ونظامها.
أما مَن لا يعتنق عقيدة الإسلام في حدودها: فإنه أيضًا له أن يعيش ويقيم فيها في ظل نظماها القانوني، ويكون من رعاياها وحملة جنسيتها مع بقائه على عقيدته المخالفة للإسلام، لا يُكره على تركها مادام يدفع الجزية، ويخضع لأحكام الإسلام العام، فلا تصفية لغير المسلمين، ولا محاكم تفتيش، ولا قتل ولا سلب، ولا هتك أعراض، ولا نفي باسم التطهير العرقي كما يقع في النظم الوضعية للدول الغربية، ويعاني منه المسلمون كما في: البوسنة والهرسك، والهند وكشمير، وفلسطين، وغيرها..
فالدولة الإسلامية: لا تعرف ما درجت عليه الدول المدنية الغربية في واقعها العملي مِن حرمان البعض مِن حقوق؛ لكونه أقل درجة باعتبار لونه أو جنسه أو عنصره، والدولة الإسلامية وإن كانت لا تُستخدم في المناصب القيادية الهامة إلا الأصلح لها من المسلمين دون غيرهم فلا غرابة في ذلك فهي دولة تقوم على دين الإسلام فلا تأتمن على مصالحها إلا من كان يعتنق مبادئ الإسلام ويعمل مِن أجلها، وهذا شرط يفتقده رعايا الدولة من غير المسلمين؛ لذا فهم يحرمون من المناصب القيادية وإن كان لهم حق العمل في الأعمال الحكومية الأخرى التي لا تتصف بالخطورة والأهمية.
إن لغير المسلمين في الدولة الإسلامية عهد وذمة، لا يجوز للمسلمين نقضها إلا إذا نقضها أصحابها، ولهم حقوق جعلها الشرع لهم لحفظ نفوسهم وأعراضهم وأموالهم، وممارسة أوضاعهم الاجتماعية وشعائرهم الدينية في إطار حياتهم الشخصية، وهذه الحقوق ثابتة بالشرع ليس للحاكم أو للشعب أن ينتقص منها، ولا ترتبط مِن قريب أو بعيد بعلاقة الدولة المسلمة بالدول غير المسلمة حتى وإن جارت تلك الدول على مَن فيها مِن المسلمين أو بدأت بعدوان على دولة الإسلام، وهذا كله مِن عدل الإسلام ورحمته التي لا نجد مثله أبدًا في المدنية الغربية الحديثة.
الدولة الإسلامية ترفض الهوى والطغيان:
إن الديمقراطية تأليه لهوى الإنسان الفرد، تجعله تابعًا لأهوائه خاصة بعد أن أبعدته العلمانية عن الاستجابة لهداية السماء، ودفعته القومية والوطنية إلى الأنانية والاستعلاء والكبرياء واحتقار الآخرين، وهذا ما انحدرت إليه المدنية الحديثة، أما في الدولة الإسلامية فالسيادة لله وأحكامه، وللبشر خلافة في الأرض، ولكنها مقيدة بشرع الله، وهذه الخلافة تختار فيها الأمة خليفتها بإرادتها بواسطة العدول مِن العلماء والأمراء والقادة، مِن أهل الحل والعقد ذوي الصلاح والباع في خدمة الإسلام والمسلمين.
والخليفة فيها: وكيل عن الأمة ينفذ فيهم شرع الله الثابت الذي لا يتغير ولا يتبدل، وبمقتضى قواعده وأحكامه الصالحة لكل زمان ومكان، فهي نيابة لا تبيح لحاكم أو برلمان أن يشرع تشريعًا قد ورد فيه نص أو إجماع في شرع الله (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (الشورى:21)، (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50).
فهي نيابة توجب على الجميع أن يقف عند حدود ما أنزله الله، أما ما لم يرد فيه النص الشرعي فللحاكم وأهل الحل والعقد أن يجتهدوا في الأخذ بما يحقق مصلحة الأمة في ظل الشورى، وفي إطار توجهات الشريعة الإسلامية بموافقة قواعدها، ولا يكون ذلك إلا من خلال أناس يخشون الله ويطيعونه ويسعون إلى مرضاته وتشهد لهم حياتهم العملية وأهليتهم العلمية للاجتهاد والقيادة فهذه هي الخلافة الإسلامية القائمة على الخضوع لله ورفض التحاكم إلى غيره، أنها خلافة ليست كثيوقراطية أوروبا التي حكم فيها البابوات حكمًا دينيًا باسم الرب، بل هي خلافة تتولى فيها الأمة -مِن خلال أهل الحل والعقد فيها- تعيين الإمام من خلال البيعة، ومعاونته ومراقبته للقيام بالواجب الشرعي الذي من أجله وُجدت الدولة الإسلامية؛ وهو إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين.
ولها الحق في عزله إذا تبين خروجه عن هذا الواجب، ولا تملك الأمة مخالفة الشرع في تحليل أو تحريم، أو إباحة أو حظر، ففي الإسلام الأمر كله لله: (بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا) (الرعد:31)، فما دام الله وحده هو الخالق، فهو وحده الآمر والحاكم (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف:54)، (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ) (يوسف:40).
فالناس جميعًا بما فيهم قيصر عبيد مربوبون لله، ليس لهم مِن الأمر شيء، إنما هم خاضعون لأمر الله وشرعه، ومِن ثمَّ جاءت شريعة الإسلام شاملة كل احتياجات حياة البشر أفرادًا ومجتمعين، عقيدة وعبادة وأخلاقًا ومعاملات، تنظم كافة العلاقات بين الناس، وهذه المعاني مفقودة تمامًا في النظم الوضعية التي ترفض العبودية لله لتجعل الإنسان يعبد هواه: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) (الجاثية:23).
فأين الإسلام مِن هذا الطغيان والهوى؟!
وبعد..
فهذه خطوط عريضة تبين الفروق الجوهرية بيْن الدولة في الإسلام، والدولة في المدنية الغربية الحديثة تندرج تحتها تفصيلات كثيرة لا يتسع المقام للخوض فيها، ولكن لعلنا بذلك قد ألقينا ضوءًا على أهم ما تمتاز به الدولة في الإسلام مِن عدالة وإفشاء للحق، وعالمية تتمسك بالخير والفضيلة، وبتعامل صادق مع الواقع البشري في غير طغيان ولا تعدي ولا ظلم.
تنبيه:
جاء في المعجم الوجيز لمجمع اللغة العربية: "(تـَمَدَّنَ): عاش عيشَة أهل المدن، وأخذ بأسباب الحضارة، (تَمَدْيَنَ): تَمَدَّنَ. (المدنية): الحضارة واتساع العمران" اهـ.
فالمدنية تعني: التمدن والتحضر، والدولة المدنية: أي الدولة الحضارية الحديثة على النمط الأوروبي الغربي، إذ أن الحضارة السائدة حاليًا هي الحضارة الغربية الحديثة.
أما استعمال كلمة: (الحكم العسكري) في مقابل: (الحكم المدني)، و(السلطة العسكرية) في مقابل: (السلطة المدنية)، للتفريق بين ما هو مِن الجيش وما هو ليس من الجيش، فهذا معنى عرفي لكلمة (المدنية)، و(المدني) تعارفنا عليه.
وليس هذا هو معنى الكلمة في اللغة كما بينا، وليس هذا المعنى العرفي هو المراد من مصطلح (المدنية) عند السياسيين والقانونيين والعلمانيين، لذا وجب التنبيه بالتفريق بين المعنى اللغوي والمعنى العرفي، والمعنى القانوني الاصطلاحي لكلمة (المدنية).
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تابعونا جزاكم الله خيرا
مع تحياتي مـــحـــمد
مجهود يستحق الشكر
جزاك الله خيرا
فى انتظار البقيه
إن الحكم إلا لله
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلقد أنزل الله لنا شريعة مباركة هي خير الشرائع وأكملها، تقيم العباد على منهج العبودية الحقة لله رب العالمين، وجعلها الله خاتمة الشرائع صالحة لتحكم المجتمع الإسلامي مهما اتسع وامتد (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) (المائدة:10).
ونَعِمَ المسلمون في ظل هذه الشريعة المباركة عصورًا متتالية، وقد عصم الله الأمة الإسلامية بهذه الشريعة من أن تضل في مسارها، كما حفظ الله على الأمة الإسلامية دينها وعقيدتها، وعقولها، ونفوسها، وأعراضها، وأموالها بهذه الشريعة.
كما حفظ أيضًا بهذه الشريعة الضعفاء من ظلم الأقوياء، والمحكومين من استبداد الحكام، والفقراء من حيف الأغنياء، وأصبحنا بهذه الشريعة عندما استقمنا عليها خير أمة أخرجت للناس، وقادة لركب البشرية إلى الخير والرشاد، كما أصبحنا في موقع الصدارة نقف من البشر موقف المعلم من التلاميذ.
وقد حاول كثير من المسلمين حكامًا ومحكومين عبر القرون أن يتفلتوا من شريعتهم، ولكن كان في الأمة رجال يعيدونها إلى الرشد والصواب، ويقيمونها على أمر الله، وبقي المسلمون على مدار ثلاثة عشر قرنًا ليس لهم قانون يحكمهم غير القانون الإسلامي، وغير الشريعة الإسلامية، وإن وقع ثلم في تطبيق بعض الأحكام خاصة في مسائل الحكم ومسائل الأموال، إلا أن الخط العام كان التحاكم إلى شرع الله وحكمه.
وبقي الحال إلى ما قبل قرن من الزمان، فقد تنبه أعداؤنا إلى أن استمساك المسلمين بدينهم وشريعتهم هو سر قوتهم وسبب تماسكهم؛ فوضعوا مخططـًا يهدف إلى اغتيال عقيدة المسلمين من جانب، وإقصاء الشريعة الإسلامية من حياة المسلمين جانب آخر، ومنذ وقت طويل وأعداء الإسلام يفتلون لنا في الذروة والغارب؛ ليقصونا عن ديننا وعقيدتنا.
وقد شاهدنا كثيرًا من مخططات أعداء الإسلام التي وضعوها في الماضي وبذلوا جهودًا هائلة لتنفيذها، فوجدناهم قد بذلوا الكثير والكثير من أجل إقناع حكامنا وشبابنا ورجالنا ونسائنا بأن سبب تأخرنا وهزائمنا هو ديننا وشريعتنا، وأنه لا غنى لنا إن أردنا أن نتقدم ونتحضر من نبذ الشريعة، وعلينا إن أردنا العزة والكرامة أن نأخذ أنفسنا بما أخذ به الغرب نفسه من إقصاء الدين عن الحياة، وبذل أعداء الإسلام جهودًا متواصلة وكثيرة حتى غرس هذه الفكرة في نفوس أبناء المسلمين، وربي جيلاً في مختلف أنحاء العالم الإسلامي يعمل على هدم معاقل الإسلام، ويدمر حصونه وينسف الأسوار الحامية للإسلام وأهله، وأخذت القلاع تسقط واحدة واحدة، وكان المخدوعون من هذه الأمة يصفقون ويفرحون وهم يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي أعدائهم ظانين أنهم يبنون الأمجاد!
لقد انهارت الخلافة العثمانية في الربع الأول من القرن العشرين، وتمزقت البقية الباقية من الأمة الإسلامية؛ فأصبحت دولاً متفرقة اُحتلت أراضيها وديست كرامتها، ودُمر اقتصادها، وأفسد التعليم فيها، وأبعدت شريعتها عن الحكم، ومكن في الحكم للرجال الذين رضعوا ثقافة الغرب وتغذوا بلبانه، وأصبح حمى المسلمين مستباحًا لكل دخيل، ولكل منافق عليم اللسان، وجرت على أمتنا خطوب في مشارق العالم الإسلامي ومغاربه كنا فيها أضيع من الأيتام على موائد اللئام، وتداعت علينا الأمم كما تداعت الأكلة إلى قصعتها، وما كان ذلك من قلة، ولكننا كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- غثاء كغثاء السيل، وزرع في قلوبنا الوهن: حب الدنيا وكراهية الموت.
وكان نتاج هذه الجولة إقصاء الشريعة في ديار الإسلام عن الحكم وإحلال القوانين الوضعية محل الشريعة الإسلامية، وكانت الثمار المرة التي يتجرعها العالم الإسلامي وهذا الضياع الذي نعيشه والذي يلف العالم الإسلامي بأسره؛ فتلاعب بنا أعداؤنا كما يتلاعب الصبيان بالكرة.
إن الفرقة والتشتت الذي أصابنا بعد زوال دولة الخلافة وإقصاء الشريعة أضعفت قوتنا وأذهبت ريحنا؛ فاستطال علينا أعداؤنا وزرعوا فينا الفرقة والبغضاء فأصبح بأسنا بيننا شديد، وتقاتلنا وتناحرنا، ودمر بضعنا بعضًا، وسفك بعضنا دم بعض، وأعداؤنا علينا يتفرجون.
وجاءت القوانين الغربية؛ لتمكن للفساد والإفساد في ديار المسلمين، لقد أفسحت هذه القوانين المجال للجريمة كي تطل برأسها وتضرب بجذورها إلى الأرض؛ فانتشرت الفواحش، وانتشر شر الخمر والمخدرات وجرائم الزنا وهتك العرض؛ لأنها لمجتمعات غير إسلامية تتسم بالانحلال وتمجيد الفاحشة والولوغ في الرذيلة.
إن القوانين الوضعية أذنت للمنافقين وأصحاب النفوس المريضة أن ينشروا الفاحشة في ديار المسلمين، وقد بلغ الأمر بأصحاب هذه النفوس أن ينزلوا في بعض البلاد إلى الأسواق؛ لينزعوا بالقوة الحجاب من فوق رؤوس المحجبات، كما بلغ الأمر بالقوى السياسية الحاكمة في بعض البلاد الإسلامية إلى منع المحجبات من دخول المدارس والجامعات، وغير ذلك الكثير والكثير من صور الفساد والإفساد في الأرض التي تخالف شريعة الله.
شريعة الله هي المنهج الحق الذي يصون الإنسانية من الزيغ ويجنبها مزالق الشر ونوازع الهوى؛ شفاء الصدور وحياة النفوس، ومعين العقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ . قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:57-58).
لذلك فإن هذا الدين بأصوله ومبادئه وفَّى ويفي بحاجات البشرية في كل عصر ومصر، انتشر في أنحاء الدنيا، ودخل تحت سلطانه أجناس البشر، فوسع بمبادئه وقواعده كل ما امتد إليه نفوذه من المعمورة، وعالج كافة المشكلات على اختلاف البيئات، وما عجز في يوم من الأيام عن أن يقدم لكل سؤال جوابًا، ولكل واقعة فتوى، ولكل قضية حكمًا، ومدونات الفقه والفتاوى برهان للمتشككين، وكيف لا يكون ذلك وهذه الشريعة كما قال الحافظ ابن القيم -رحمه الله-: "مبناها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، عدل كلها، رحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة".
فلقد كانت هذه الشريعة أساس الحكم والقضاء والفتيا في العالم الإسلامي كله أكثر من ثلاثة عشر قرنًا، انضوت تحت لوائها أعراق شتى، وامتزجت بها بيئات متعددة؛ فما ضاقت ذرعًا بجديد، ولا قعدت عن الوفاء بمطلوب.
إن من مقتضيات الإيمان الإقرار بحق التشريع لله وحده، فالحكم لله وحده: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ) (يوسف:40)، فالحكم لله، والعبادة لله، ولا يجوز منازعة الله في حكمه، ولا يجوز صرف شيء من ذلك لغير الله. والتولي والإعراض عن تحكيم شرع الله من مسالك المنافقين والظالمين (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ . وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ . أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (النور:48-50).
على الرغم من هذا الوضوح والجلاء إلا أن أعداء الإسلام أبوا إلا وضع العراقيل وتلفيق التهم، واختلاق الشبه حول الشريعة وشمولها وصلاحيتها، ولقد استطاع أعداء الإسلام أن يجعل ممن ينتسب إلى الإسلام من يحارب الشريعة ويقاوم تطبيقها بكل قوة؛ أما سمعوا قول الله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد:9)؟!
فالله -سبحانه وتعالى- يريدنا أن نتخذه إلهًا وربًا وحاكمًا، ونرضى بذلك ونخضع لعظمته ونرضى بشريعته؛ لأنه خالقنا ورازقنا، ومحيينا ومميتنا وإليه مآبنا؛ فهو المستحق لأن يجعل حاكمًا، والله لا يرضى عنا حتى نقيم دولة الإسلام التي تسلم مقاليد الحكم إلى الذين يجعلون التشريع لله -تعالى- وتنبذ الطواغيت والظلمة الذين اعتدوا على سلطان الله ونازعوه في حكمه وقضاءه.
وقد قرر الإسلام بصورة واضحة هذه القضية فقال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا) (النساء:60).
فكل من ادعى الإيمان بالله فعليه أن يكفر بالطاغوت، فإن ادعى أنه مؤمن وهو يرضى بحكم الطاغوت فقد تناقض في دعواه.
والله لا يرضى أن يشاركه أحد في حكمه (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) (الكهف:26)، وفي القراءة الأخرى: (وَلا تُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)، أي لا تشرك أيها العبد مع الله غيره في حكمه، والقراءتان معناهما متلازم.
وقد جعل الله التحاكم إلى غير شرعه تحاكمًا إلى الجاهلية فقال -تعالى-: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50)، وحكم على الذين لا يحكمون شرعه المنزل ودينه العظيم بالكفر والظلم والفسق، فقال -تعالى-: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة:44)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (المائدة:45)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (المائدة:47).
وهذه القضية -الحكم لله- عقيدة عند المسلمين، ولا يمكن تحقيق هذه العقيدة إذا بقيت مقاليد الحكم بأيدي الطواغيت (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65)، فلا يتحقق الإيمان إلا بإقامة شرع الله وتحكيمه في كل شئون الحياة، فهذه عقيدة يجب على كل مسلم أن يعتقدها ويؤمن بها، ويعمل على تحقيقها في واقع نفسه وواقع أمته.
ولقد كثرت الأدلة من الكتاب والسنة لترسيخ وتوضيح هذه القضية، شأنها كشأن كل قضايا العقيدة، فقد قال الله -سبحانه وتعالى- أيضًا: (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) (الأنعام:57)، وقال -تعالى-: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (يوسف:67).
وقال -تعالى-: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (الشورى:10)، وقال -تعالى-: (ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) (غافر:12)، وقال -تعالى-: (وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص:88)، (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50)،وقال -تعالى-: (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) (الأنعام:62)، وقال -تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (الرعد:41).
وهذه الآيات تدل دلالة قاطعة أن الحكم لله وحده لا يشركه في ذلك أحد، سواء كان ملكًا مقربًا أو نبيًا أو رسولاً؛ فضلاً عن أن يكون فردًا أو طائفة من عموم الناس.
فكما يجب على المسلم اعتقاد أن الله له الخلق والرزق والإحياء والإماتة؛ فكذلك يجب عليه أن يعتقد أن الله له الأمر النهي والحكم والتشريع، وقال -سبحانه وتعالى- مقرعًا ومنكرًا على من جعل الله شركاء فيما يشرع للناس (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (الشورى:21).
قال الشنقيطي -رحمه الله-: "فقد سمى الله -تعالى- الذين يشرعون من الدين ما لم يأذن به شركاء".
وما دلت عليه الآيات القرآنية من كون الله هو الحَكَم وأن الحكم والتشريع له وحده قد دلت عليه أيضًا السنة الصحيحة؛ فعن شريح بن هانئ عن أبيه هانئ أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ، فَلِمَ تُكْنَى أَبَا الْحَكَمِ؟). فَقَالَ : إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي، فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَحْسَنَ هَذَا، فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟). قَالَ: لِي شُرَيْحٌ، وَمُسْلِمٌ، وَعَبْدُ اللهِ، قَالَ: (فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟). قُلْتُ: شُرَيْحٌ، قَالَ: (فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ) (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني).
يقول ابن الأثير معلقًا على الحديث: "وإنما كره له ذلك؛ لئلا يشارك الله في صفته"، وفي دعاء الاستفتاح في صلاة التهجد يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ) (متفق عليه)، أي: رفعت الحكم إليك ولا حكم إلا لك.
فهذه عقيدة المسلمين في الله ربهم، وهي مسألة متميزة في حسهم ووعيهم، لا تختلط بشيء ولا يغطيها شيء.
وأختم هذا المقال بما قاله الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- في أضواء البيان (4/83): "إن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله -عز وجل- على ألسنة رسله -صلى الله عليهم وسلم- أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم".
نسأل الله أن يردنا إلا دينه ردًا جميلاً، وأن يمكِّن لدينه في الأرض ويفتح له قلوب الناس،
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
انتظروا تكملة الموضوع
جزاكم الله خيرا ورعاكم وعفا عنا وعنكم
مع تحياتي مـــحــمد
جزاك ربي كل خير
وحمد لله ع السلامه
بارك الله ف عمرك
وجزاك الله خيرا
ومما زادنى فخراً و تيهاً *** وكدت بأخمصى أطأ الثريا
دخولى تحت قولك يا عبادى ** و أن صيرت أحمداً لى نبياً
البحث على جميع مواضيع العضو ابو تريكه
الوَجعْ أصّمَ ؛ الحَنِيَّنٌ أخَرسْ ؛ والشَوقْ لآ يٌرىْ
أصْدَقْ مَآنَشْعُرَّ بِهـ أصَعبَّ مِنَّ أنّ يٌروىْ ..~
البحث على جميع مواضيع العضو ~ NORA ~
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)